للمرة الثالثة على التوالي خلال العام الحالي، يخفّض البنك المركزي الأردني، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أسعار الفائدة على كافة الأدوات النقدية، فيما تتجاهل البنوك المحلية تلك القرارات بالإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة على مختلف التسهيلات الائتمانية، ما يزيد من الأعباء المالية للمقترضين، سواء الشركات أو الأفراد، ويحول دون تحفيز الاقتصاد.
ودعت الحكومة، البنوك، إلى خفض أسعار الفائدة، تماشياً مع قرارات البنك المركزي، وللمساهمة في دعم خطط إنعاش الوضع الاقتصادي. إلا أن الجهاز المصرفي لم يستجب أيضا لهذه الدعوة، حيث لا توجد إلزامية للحكومة على البنوك بتخفيض أسعار الفائدة، كونها تم تحريرها منذ منتصف التسعينيات، بهدف تشجيع المنافسة بين البنوك، إلا أن النتائج جاءت عكسية، بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها، واتساع الهامش بين فائدتي الإيداع والإقراض.
ويُترك لكل بنك تحديد أسعار الفائدة ضمن سياسات تضعها جمعية البنوك، بينما تبقى الأسعار ضمن هوامش فروقات بسيطة بين كل مصرف وآخر.
وبحسب بيانات البنك المركزي، تصل أسعار الفائدة في البنوك المحلية إلى حوالي 10 في المائة، وترتفع عن هذا الحد لدى بعض المصارف، خاصة في حالة الفائدة المركبة. بينما أسعار فائدة برنامج التمويل الميسر المقدم من البنك المركزي للقطاعات الاقتصادية من دون تغيير عند 1.75 في المائة للمشاريع داخل محافظة العاصمة عمان، وواحد بالمائة للمشاريع في باقي المحافظات، بهدف توفير التمويل للنشاطات الإنتاجية بشروط ميسرة.
وكان البنك المركزي قد خفض، اعتباراً من نهاية الشهر الماضي، أسعار الفائدة على كافة أدوات السياسة النقدية، بواقع 0.25 في المائة. وجاء القرار، آنذاك، تماشياً مع تطورات أسعار الفائدة في الأسواق العالمية والإقليمية، وكذلك بهدف تعزيز نمو الائتمان الممنوح للقطاعات الاقتصادية وتحفيز الإنفاق المحلي بشقيه الاستهلاكي والاستثماري، بما ينعكس إيجابياً على النمو الاقتصادي.
ورغم هذا القرار، ارتفعت كلفة الإقراض لدى البنوك، وشهدت أسعار الفائدة على كافة أنواع التسهيلات الائتمانية زيادات متفاوتة بنسبة تجاوزت 1% فوق المعدلات السابقة، خاصة على القروض الشخصية.
ومع الزيادة، يتخوف قطاع الأعمال من زيادة كلفة الإنتاج، وبالتالي استمرار ارتفاع الأسعار، إذ أن زيادة أسعار الفائدة يعد أحد الأسباب الرئيسية في تباطؤ الاستثمارات والنمو.
وقال خيرو صعيليك، رئيس لجنة الاقتصاد في مجلس النواب، لـ"العربي الجديد"، إن أسعار الفائدة المرتفعة في البنوك تمثل عائقاً أمام زيادة معدلات الاستثمار والتوظيف الأمثل للمدخرات الوطنية، رغم وجود حجم كبير من الودائع في البنوك المحلية تعود غالبيتها للمواطنين.
وأكد صعيليك ضرورة توجيه "المركزي" البنوك المحلية نحو تخفيض أسعار الفائدة على الإقراض، بما ينعكس على بيئة الأعمال وتنشيطها.
ويمر الاقتصاد الأردني بأوضاع صعبة للغاية، بسبب ظروف الإقليم وما نتج عنها من انحسار للصادرات الوطنية وتردد المستثمرين ورجال الأعمال في إقامة مشاريع بالأردن، حسب صعيليك، إضافة إلى التحديات الناتجة عن ارتفاع فاتورة الطاقة وخسائر الحكومة من قطاع الكهرباء.
وبلغ إجمالي التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل البنوك المرخصة في نهاية الربع الأول من العام الحالي نحو 37.3 مليار دولار، مقابل 37 مليار دولار نهاية العام الماضي 2018، بينما بلغ إجمالي الودائع 48 مليار دولار، مقابل 47.7 مليار دولار في الفترة المذكورة.
وفي مقابل الانتقادات الموجهة إلى البنوك برفع أسعار الفائدة، قالت جمعية البنوك إن تحديد أسعار الفائدة، سواء للقروض أو الودائع، يخضع لآلية تنافسية بين المصارف البالغ عددها 24 مصرفا، وهو ما يتيح للعملاء اختيار البنك الذي يلبي احتياجاته.
واعتبرت في بيان لها مؤخرا أن رفع أسعار الفائدة على قروض الأفراد أو تخفيضها يتم ضمن آلية محددة تعكس تعليمات البنك المركزي فيما يخص التعامل مع العملاء بعدالة وشفافية، والتي تلتزم بها جميع البنوك ويتم توضيحها بشكل بارز في الاتفاقية التي يوقّعها العميل مع البنك.
لكن فتحي الجغبير، رئيس غرفة صناعة الأردن، قال لـ"العربي الجديد" إن أسعار الفائدة البنكية، سواء الموجهة للاستثمارات والمشاريع أو التمويل الشخصي، مرتفعة جداً وهي من أعلى النسب في المنطقة، مشيرا إلى أن تحفيز القطاع الاقتصادي يتطلب خطوات عملية من البنوك، بتخفيض أسعار الفائدة، والتماشي مع قرارات البنك المركزي الصادرة بهذا الخصوص.
وأضاف الجغبير أن العديد من المشاريع الاستثمارية القائمة أو المزمع إقامتها في الأردن تصطدم بارتفاع أسعار الفائدة، لافتا إلى أن ذلك يحد من تحقيق معدلات نمو إيجابية ومعقولة في النشاط الاقتصادي، ويضعف بيئة الاستثمار بشكل عام.
وتابع أن الحكومة اتخذت خطوات إيجابية لتحفيز الاقتصاد، لكنها تحتاج إلى إجراءات من البنوك، وذلك بخفض أسعار الفائدة على التسهيلات الائتمانية، حتى تشجع المشاريع القائمة على التوسع، ورجال الأعمال على إقامة مشاريع جديدة.
وكانت الحكومة أعلنت، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حزمة إجراءات لتحفيز الاقتصاد، تمثلت في تخفيض رسوم تسجيل العقارات بنسبة 50 في المائة، وتخفيض أسعار الكهرباء على القطاع الصناعي، ودعم التصدير، وتحفيز القطاع الخاص على تشغيل الأردنيين، كما تعمل ضمن خطة متكاملة لتوفير المساكن للأسر الفقيرة في مختلف المحافظات وبكلف منخفضة، من خلال توفير الأراضي للمستثمرين.
ويعاني الاقتصاد الأردني من تراجع معدلات النمو إلى حوالي 1.6 بالمائة، بعد أن تجاوزت 5.5 في المائة قبل 5 سنوات، إضافة إلى ارتفاع أعباء الديون الخارجية فوق عتبة 42 مليار دولار، وصعود البطالة إلى 19.2 بالمائة، والفقر لأكثر من 15.7 في المائة.
كما تتزايد الضغوط المعيشية في ظل الغلاء وارتفاع الضرائب. ووفقا لتقرير الاستقرار المالي الذي أصدره البنك المركزي، الشهر الماضي، فقد واصلت مديونية الأفراد في الأردن ارتفاعها لدى البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية من 14.7 مليار دولار عام 2017 إلى 15.3 مليار دولار في نهاية عام 2018، وبنسبة زيادة بلغت حوالي 3.7 في المائة.
وارتفعت نسبة الفقر إلى 15.7 في المائة، وفقا لآخر دراسة أجرتها دائرة الإحصاءات العامة (حكومية)، بينما تجاوزت نسبة البطالة 19.2 في المائة.