كشف المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء هذا العام عن أزمة خانقة تواجه صناعة الكتاب في المغرب، التي يرجع أهم أسبابها إلى ارتفاع أسعار الورق وزيادة سعر الدولار عالمياً وتفاقم عمليات التزييف، حسب خبراء بالصناعة لـ"العربي الجديد".
وفي كل دورة يشتكي رواد المعرض الدولي بالدار البيضاء للكتاب من غلاء الكتب، لكن في الدورة الحالية، يتفهم الكثير من أصحاب دور النشر المغربية والعربية المشاركين بالمعرض شكوى الراغبين في اقتناء الكتب، فهم يؤكدون أن سعر الدولار الذي زاد في الأشهر الأخيرة
أثر على سعر الكتاب، علماً بأن سعر الورق وهذه الصناعة لم تستفد من تهاوي أسعار النفط.
وكان وفد حكومي يقوده رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران، قد افتتح مساء الخميس قبل الماضي الدورة 21 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء الذي يسجل هذا العام حضور 46 دولة ومشاركة أكثر من سبعمائة عارض من دور نشر محلية وعربية ودولية ويستمر المعرض حتى الأسبوع الجاري.
وأكد مستثمرو الكتاب (الناشرون)، لـ"العربي الجديد"، أن سعر الورق يرتبط بسعر النفط وسعر صرف الدولار عالمياً، غير أنهم لم يلاحظوا تراجعاً لسعر الورق بعد تهاوي النفط بنسبة وصلت إلى أكثر من 60% منذ يونيو/حزيران الماضي قبل أن يرتفع قليلاً الشهر الجاري، وهو ما يردّه بعضهم إلى تحكم شركات خاصة في رفع أسعار الورق بالسوق، ما يساهم في غلاء سعر الكتاب.
وأكد مدير "دار الساقي"، عصام أبو حمدان، في تصريح لـ" العربي الجديد"، أن سعر الورق لم ينخفض في الفترة الأخيرة، فمهما هوى سعر الذهب الأسود، يظل سعر الورق على حاله إن لم يرتفع. هذا الرأي يشاطره المسؤول بدار النشر "الفارابي"، علي بحسون، الذي يعتبر أن صناعة الكتاب لم تستفد من تدهور سعر النفط في الكثير من الأحيان منذ عشر سنوات.
وأوضح مؤسس ومدير دار منشورات الجمل، خالد المعالي، لـ "العربي الجديد"، أن سعر الورق ظل على حاله في صناعة الكتاب العربي، موضحاً أن ارتفاع التكاليف يقلص هامش ربح الناشر 10%.
وقال المدير العام لدار نون، خالد سليمان ناصر، إن سعر لفة الورق الذي تستعمله الدار في إنتاج الكتب ارتفع من 28 دولاراً قبل أربع سنوات إلى 35 دولاراً.
وشدّد مسؤول بدار "التنوير"، رفض ذكر اسمه، على أن السعر الحالي للورق لا يبرره ارتفاع سعر الدولار، خصوصاً أن ذلك المنتج لم ينخفض سعره حتى عندما كان سعر الدولار دون المستوى الحالي.
ورغم زيادة الإنتاج المغربي من الورق ولاسيما حجم (A 4)، إلا أن السوق ما زال يلجأ للاستيراد من أجل تلبية الطلبات المحلية. وعبّر مستوردون للورق عن استيائهم من قرارات سابقة برفع الرسوم الجمركية على واردات الورق ولا سيما القادمة من البرتغال، الذي يضر بشكل كبير بالتنافسية ومصلحة الاقتصاد الوطني، حسب تعبيرهم.
وذهب مسؤول بإحدى دور النشر فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن سعر الورق مرتبط بحجم طلبيات الناشر من الموردين، وأشار المسؤول إلى أن ضعف مستوى القراءة في العالم العربي، يؤثر على مستوى استهلاك الورق، فالأغلبية الساحقة لا تنشر في الطبعة الواحدة في المتوسط
ألف نسخة لمنطقة العالم العربي البالغ تعدادها أكثر من 340 مليون نسمة.
وحسب الإحصاءات الرسمية، فإن إنتاج الكتب العربية لا يتجاوز 11% من إجمالي الإنتاج العالمي من الكتب رغم أن السكان العرب يمثلون 5% من إجمالي سكان العالم، والمثير أنه في ذروة عام الأزمة المالية العالمية عام 2008 حققت صناعة الكتب الأميركية أرباحاً تخطت الأربعين مليار دولار بزيادة بلغت نحو 1% عن عام 2007، وحسب الخبراء، فإن تراجع الإقبال على الكتاب العربي لا يرجع فقط إلى زيادة الأسعار ولكن ارتفاع نسبة الأمية (عدم القراءة والكتابة) حيث يصل عدد الأميين إلى سبعين مليوناً في المنطقة العربية، بالإضافة إلى وجود 100 مليون عاطل من العمل، ما يؤثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين وبالتالي ضعف الإقبال على شراء الكتب.
وحول المدخلات التي تؤثر كثيراً على تكلفة الكتاب، يوضح الناشر عصام أبو حمدان، لـ"العربي الجديد"، أن الترجمة ودار النشر وحقوق المؤلف والطباعة، تساهم بحوالي 50% من التكلفة، وإذا ما تم أخذ حقوق الموزع بعين الاعتبار، فإن دار النشر يبقى لها جزء قليل، وتلك نسبة لا يحصل عليها الناشر في الحال، وقد يتحايل عليه الموزع.
ويكاد يجمع الناشرون على أن هوامش أرباحهم تتراوح بين 10 و20%، كما يؤكد على ذلك، مصطفى سالم مسؤول التسويق بدار "العين"، غير أنهم يشتكون من تأثير تزييف الكتب على نشاطهم على اعتبار أن تلك الظاهرة المنتشرة في العالم العربي لا تكاد تسلم منها أية دار من دور النشر.
ويشدّد الناشر خالد سليمان ناصر، على أن المشكلة لا تكمن فقط في ارتفاع تكلفة المدخلات مثل الورق، بل إن جميع الناشرين يعانون من التزييف الذي يطال الكتب، حيث أضحى لهذه الظاهرة رعاتها في عددٍ من البلدان العربية.
ويؤكد أبو حمدان، أن ما ينال من دور النشر هو ذلك التزوير الذي تتعرض له الكتب في في مصر والعراق و سورية والأردن، فلا يستفيد المؤلف أو الناشر، بل يستفيد من يسميهم "حرامية التزوير".
ويضرب مثلاً برواية "بنات الرياض" للكاتبة السعودية رجاء الصانع، وهذه الرواية صدرت في 2005 وأثارت اهتماماً عربياً وعالمياً منقطع النظير. فقد باعت منها دار النشر 50 ألفاً، غير أن أحدهم في مصر تمكن من طرح 150 ألف نسخة في السوق عبر التزييف، حيث
تمكن من شراء مطبعة بفضل تزوير تلك الرواية.
ويتحدث عن مؤلف الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان الصادر عن دار الساقي، والذي يحمل عنوان "الدول الإسلامية: الجذور، التوحش، المستقبل"، فهو يؤكد أن 2000 نسخة طبعت في السوق السوداء وهربت إلى فلسطين، حيث تتمكن الجهة التي تولت هذه العملية من جني أرباح تتعدى بكثير تلك التي يمكن أن تحلم بها دار الساقي.
وأكد مسؤول بدار نشر، فضل عدم ذكر اسمه، أن حقوق الكاتب محفوظة، بحكم العديد من المواثيق الدولية، فبشكل عام تصل حصته إلى 10% من ثمن بيع الكتاب، غير أن أبو حمدان، يذهب إلى أن الكاتب لا يمكنه التعويل في العالم العربي على إيرادات كتبه كي يعيش، وهذا ما يدفع الكثير منهم إلى التشبث بالوظيفة، خاصة في ظل التزوير الشائع.