تبدو الذاكرة هي أساس تجربة الناقد والأكاديمي والرسّام في معرضه الأخير كما في معارضه السابقة، هو يعيد قراءة ماضيه الشخصي والفني وما جاوره من تجارب يتسرّب أثرها إلى أعماله، في سعي دؤوب إلى "التوازن بين ما هو متذكّر وما يترك أهمية رمزية نتيجة نسيانه"، وفق بيان المعرض.
تحضر البلدة القديمة في مدينتي دمشق وصيدا في بعض لوحاته، حيث يستخدم طريقة تمزج بين تضاريس الطرقات والأبنية وبين المنمنات في المخطوطات العربية، حيث شكّلت الحاضرتان بتكوينهما المعماري مناخ عمله منذ ستينيات القرن الماضي، ولم ينته حتى اليوم.
في أعمال أخرى، تظهر تفاصيل من حفلات أم كلثوم، وفي بعض الحالات الموسيقي على كرسي، أو نقع على كرسي فارغ مقلوب وكأن الموسيقي في عداد المفقودين، وهناك فنانون آخرون من ذلك الزمن الذي يثير الحنين، فنجد محمد القصبجي وفرقته، والآلات الموسيقية العتيقة، والدف الذي يُرسم مقلوباً كذلك، في محاولة مدروسة لتوثيق مرحلة تركت أثرها العميق في وجدان عرابي الذي عاش بين دمشق وباريس وأحلامه معلّقة بمصر.
بين عامي 2010 و 2011، بدأ مسحه البصري وبحثه النظري حول المطربة المصرية والشخصيات التي لعبت دوراً كبيراً في أسطورتها، في سعي لتخييل الأصوات وتباين الألحان والأوركسترا والآلات والفضاء كلّه بما فيه من إيجابيات وسلبيات.
بعض أعماله الأخيرة تحتشد فيها إشارات الموت والتيه، ربما بتأثير غير مباشر من الحرب السورية وإن كانت سابقة عليها في تجارب سابقة، حيث كان يبحث عن ملامح مدينته الضائعة بسبب تشوّهاتها العمرانية والبشرية، وعن إنسانها الذي عليه أن يقاوم أو يبتلعه النسيان.
يُذكر أن عرابي وُلد في دمشق لأسرة تعود أصولها إلى مدينة صيدا اللبنانية، ويحمل درجة الدكتوراه في علم الجمال من "جامعة السوربون" ويقيم في باريس منذ عام 1975، وقد أقام معارض في بيروت ومصر والكويت وفرنسا وإنكلترا وألمانيا وسورية. له مؤلّفات عدّة؛ من بينها: "شهادة اللوحة في نصف قرن" (2007)، و"صدمة الحداثة في اللوحة العربية" (2009).