تجاوزَ عدد الشهداء الأطفال في سورية 17 ألفاً و700 منذ بداية الحرب وحتى منتصف عام 2014، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. من جهتها، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إن ما يصل إلى 400 طفل قتلوا في المعارك المحتدمة بين أطراف عدة تتصارع في سورية خلال الأشهر الأخيرة. أيضاً، أشار تقرير "سورية حرب على التنمية"، الذي أصدرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عام 2013، إلى أن نسبة تسرب الأطفال من المدارس بلغت 49 في المائة، أي نحو 2.4 مليونَي طفل.
هذه الأرقام والإحصائيات السابقة تشير إلى حجم المأساة، التي يتعرض لها الأطفال في سورية، عدا عن إجبار كثيرين دون الـ 15 عاماً على المشاركة في الأعمال القتالية المستمرة بشكل يومي. تتراكم أرقام المنظمات الدولية لتؤكد أن الأطراف المتصارعة في سورية تنتهك حقوق الإنسان، من خلال إجبار الأطفال على الالتحاق بفصائلها المقاتلة.
وفي تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، صدر منتصف عام 2015، نظّمت قوات الدفاع الوطني التابعة لقوات النظام دورة تدريبية أطلق عليها اسم أشبال الدفاع الوطني، ضمت أطفالاً دون سن الـ 18 عاماً. في هذا الإطار، دربت قوات النظام تلاميذ المرحلة الثانوية على حمل والسلاح، كمقدمة للزج بهم في الأعمال المسلّحة، وسدّ العجز الناتج عن مقتل أو انشقاق الكثير من جنودها.
وبحسب مصادر إعلامية، يجنّد مئات الأطفال تحت سن الـ 18 عاماً في معسكرات قتالية خاصة، يشرف عليها ضباط من قوات النظام في كتيبة أطلق عليها "كتيبة البعث"، وتخضع لإدارة "اتحاد شبيبة الثورة" ــ فرع الطلاب لدى حزب البعث الحاكم. وقال تقرير المرصد إن بعض المجموعات المسلحة، التي تقاتل مع الحكومة السورية، مثل حزب الله واللجنة الشعبية، عملت أيضاً على تجنيد أطفال.
من جهة أخرى، ذكر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة بداية عام 2015، أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وفصائل مسلحة أخرى، تجند الأطفال وتستخدمهم في النزاعات المسلحة، فيما أوضح تقرير صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان في أغسطس/آب عام 2015 أن عدد الأطفال المجندين خلال الأشهر السابقة من عام 2015 تجاوز الـ 1100 طفل، وقد التحقوا بما يسمى بأشبال الخلافة، وقتل منهم نحو 89 طفلاً.
وأصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً في يوليو/تموز عام 2015، أشارت فيه إلى أن وحدات حماية الشعب الكردية (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سورية)، جنّدت عشرات الأطفال دون سن الـ 18 عاماً في صفوفها، ولم تفِ بالتزامها بتسريح الأطفال المجندين، ولم تتوقف عن تجنيد الأطفال والفتيات دون الـ 18 عاماً، على الرغم من توقيعها على تعهد العام الماضي (2014).
وكانت وحدات الشعب قد وقعت في 5 يونيو/حزيران عام 2014 "صك التزام" مع منظمة "نداء جنيف" غير الحكومية، تعهدت فيه بتسريح جميع المقاتلين دون سن 18 عاماً في غضون شهر.
ولم يخضع الصراع في سورية لأية معايير إنسانية. ومنذ أيامه الأولى في مارس/آذار عام 2011، شهدت الساحة السورية عمليات قتل للأطفال والنساء والشيوخ والشباب. وبعدما طال أمد الصراع، كان تجنيد الأطفال جريمة كبرى ستطول آثارها. وتقول "يونيسف" إنه يمكن استقطاب الأطفال بسهولة أكبر بسبب القدرة على التأثير العقائدي، كما أنّهم محاربون أكفاء لأنهم لم يشكّلوا في أذهانهم بعد فكرة عن الموت. وفي بعض الأحيان، يخطف الأطفال ويجبرون على القتال، أو يلتحقون بالكتائب المسلحة بمحض إرادتهم. ومن دوافع التجنيد "الطوعي"، الفقر والأمية والتمييز وانعدام التعليم النظامي. من جهة أخرى، يشارك بعض الأطفال في القتال طلباً للحماية أو رغبة في البقاء أو في الثأر أو الشعور بالإنتماء بسبب فقدان المسكن وأفراد الأسرة.
وهناك أسباب اقتصادية تجعل من تجنيد الأطفال أمراً واقعاً لدى معظم الأطراف المتصارعة على الأرض السورية. ففي سوريا نحو 2.8 مليونَي طفل خارج المدرسة.
ترغبُ جميع الأطراف في ضمّ الأطفال إلى صفوفها، بهدف تلقينهم العقائد والتأثير عليهم بالأفكار البطولية على غرار ما تفعل "داعش" وقوات النظام. وذكر تقرير لـ "اليونيسف" أن خمس الأطفال، الذين يذهبون إلى مدارسهم، عليهم اجتياز خطوط المواجهة للوصول إلى المدرسة، وهناك نحو 50 ألف مدرس في عداد المفقودين، كما أن ربع المدارس، أي أكثر من ستة آلاف مدرسة، خارج الخدمة إما لأنها دمرت أو تضررت أو تستخدم من قبل قوات النظام السوري، أو تحولت إلى مأوى للنازحين في الداخل. هذه العوامل تؤدي إلى انخفاض مستويات الثقافة والتعليم والوعي لدى الأطفال، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، مما يعني أن الأزمة في سورية تؤثر في جيل كامل.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد عرض على مجلس الأمن في يونيو/حزيران الماضي تقريراً بشأن الأطفال في النزاعات المسلحة، لافتاً إلى أن تجنيد الأطفال للقتال في سورية صار "أمراً شائعاً"، علماً بأنه استناداً إلى القانون الإنساني الدولي العرفي، ونظام روما الأساسي، المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، يعد تجنيد الأطفال جريمة حرب.
اقرأ أيضاً: عاصفة سورية