تبدأ أسواق الفوركس (تداول العملات) نشاطها في العام 2019، وسط الكثير من التغيّرات في المشهد الاقتصادي العالمي. إذ تستمر الهدنة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وسط ضبابية الصورة فيما يتعلق بقرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي في الفترة المقبلة، وكذلك بالتزامن مع تطورات قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ودخول اتفاق أوبك والمنتجين المستقلين في مرحلة خفض الإنتاج من مطلع العام.
ويحاول المتعاملون في سوق تبادل العملات، أكبر سوق تداول في العالم من حيث قيمة التعاملات اليومية، تلمس معالم الطريق الذي ستتحرك فيه أسعار العملات خلال العام المقبل.
فقد اعتادت الأسواق رصد توقعات المحللين، من بنوك وشركات الاستثمار دولية، فيما يخص تحركات الأسعار في العام التالي، خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام.
ووسط تزايد ما يطلق عليه "عدم يقين" بسبب ارتفاع عامل المخاطرة في الأسواق بفعل المتغيرات الاقتصادية والسياسية حول العالم، ما هي توقعات حركة العملات للعام المقبل؟
مع افتراض استمرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة طوال العام المقبل، مال المحللون إلى ترجيح استمرار تفوق الدولار على العملات الأخرى، خاصة مع تفضيل ترامب للدولار القوي، وتوجه بنك الاحتياط الفيدرالي إلى رفع معدلات الفائدة عليه، مرتين على الأقل خلال 2019.
وبعد انتكاسة تقدر بحوالي 4 في المائة خلال الربع الأول من العام 2018، استعاد الدولار الأميركي توازنه، لتقترب مكاسبه مع نهاية العام من 10 في المائة مقابل العملات الأخرى، بفعل عودة المخاطر السياسية إلى أوروبا.
ومع النمو الاقتصادي القوي في الولايات المتحدة، وتباطؤه في الاقتصادات المتقدمة الأخرى، وتعثره في الاقتصادات الناشئة، توقع بنك باركليز استمرار نفس النهج خلال العام المقبل، مع استمرار البنك الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة.
التوقعات ذاتها يوردها بنك "يو بي أس" السويسري للنصف الأول من العام المقبل، خاصة مع رفع البنك الفيدرالي الأميركي الفائدة على الدولار بوتيرة أسرع من البنوك المركزية الأخرى في الاقتصادات المتقدمة "وهو ما يزيد من فارق معدلات الفائدة بين الدولار والعملات الأخرى"، حسبما جاء في تقرير توقعات البنك للأسواق المالية خلال 2019.
لكن بنك "يو بي أس" توقع أن يعاكس الدولار مساره التصاعدي خلال النصف الثاني من العام، خاصة مع توجه البنوك المركزية في أوروبا واليابان لتطبيع السياسات النقدية، وهو ما يقصد به قيامها برفع معدلات الفائدة لديها وتوقفها عن شراء السندات.
ومع ارتفاع معدلات الفائدة في تلك الاقتصادات، في الوقت الذي تقترب في الولايات المتحدة من نهاية دورة رفع معدلات الفائدة، سيتراجع الدولار أمام العملات الأخرى، وتحديداً مع تلاشي تأثير حزم التحفيز للاقتصاد الأميركي.
ووضع البنك السويسري عاملين قد يتسببان، من وجهة نظره، في تغيير هذا السيناريو، وهما إطلاق الولايات المتحدة لمشروعات ضخمة للبنية التحتية، أو استمرار الحرب التجارية مع الصين.
أما في أوروبا، فقد توقع "يو بي أس" أن تضغط صعوبات الاتفاق على ميزانية إيطاليا، كما اتساع الفارق في معدلات الفائدة لصالح الدولار على العملة الأوروبية الموحدة، قبل أن يبدأ اليورو في الارتفاع مع اقتراب العام المقبل من نهايته.
وبالتأكيد ألقى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بظلاله على توقعات تحركات الجنيه الإسترليني خلال العام 2019. حيث توقع بنك باركليز أن تسيطر مخاطر الخروج على تحركات العملة في الفترة المقبلة.
ورجح البنك أن يتم التصديق على اتفاقية الخروج البريطاني في نهاية المطاف، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الجنيه الإسترليني أمام اليورو، الأمر الذي يقلل مع الوقت من المخاطر السلبية على الجنيه.
وأشار باركليز إلى احتمال استمرار تفوق الإسترليني لربع أو نصف العام المقبل، قبل أن يبدأ في التراجع البطيء، على خلفية البيانات المختلطة من المملكة المتحدة، وغموض مستقبل علاقتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي، كما ضعف الثقة في سياسات بنك أوف إنغلاند (البنك المركزي الإنكليزي) في رفع معدلات الفائدة.
ومع التداعيات السلبية للنزاعات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وما تسببت فيه من تباطؤ معدلات النمو في الصين، وتراجع الفائض في الحساب الجاري الصيني، توقع بنك "يو بي أس" انخفاض قيمة اليوان أمام الدولار بحوالي 5 في المائة خلال العام 2019.
وفيما يخص عملات الأسواق الناشئة، توقعت شركة إدارة الأصول غولدمان ساكس، أن تشهد الأسواق الناشئة تحسناً في الأوضاع الاقتصادية خلال الأشهر المقبلة، "الأمر الذي يتوقع له أن يدعم أسعار أسهم وعملات تلك الدول"، بعد أن أمضت أغلب فترات العام المنتهي تحت ضغوط من الدولار القوي، المدعوم بارتفاع الفائدة.