ثلاثة رجال يجرّون سريراً متحركاً لأحد المرضى، في أروقة مستشفى القدس. يخرج الطبيب محمد وسيم معاذ من غرفته في جناح العناية المركزة. يقفل بابها ويسير في الرواق. يرفع شيئاً من زيّ العمليات الجراحية الأخضر عند قدميه، حتى لا يلامس الأرض، ثمّ يضع يديه في جيبيه ويهمّ بالدخول إلى جناح الطوارئ ليبدأ مناوبته الليلية فيها. لم يكن يدرك أنّه يدخل إلى الموت الذي اختارته له الطائرات الحربية التي قصف المستشفى، الأربعاء الماضي. هذا هو المشهد الذي التقطته الكاميرات الداخلية لمستشفى القدس، للحظات الطبيب الأخيرة و26 شخصاً آخرين كانوا داخل المستشفى، قبيل استهدافه من قبل الطيران الروسي والسوري.
الطبيب حاتم، وهو مدير مستشفى الأطفال في حلب، رثى زميله في رسالة وجهها إلى العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قال فيها إنه كان أفضل طبيب متخصص ومؤهل في حلب، كان يعمل في مستشفى الأطفال أثناء النهار ويذهب إلى مستشفى القدس لحالات الطوارئ ليلاً. أضاف: "كنا نقضي ست ساعات معاً في اليوم، كان ودوداً ولطيفاً، كان دائماً يمزح مع كادر المستشفى. بقي في حلب، المدينة الأكثر خطورة في العالم، بسبب تفانيه في العمل وإخلاصه لمرضاه. كان من المفترض أن يزور عائلته في تركيا حين يعود من حلب، هو لم يرَ أحداً منهم منذ أربعة أشهر".
أشار الطبيب في رسالته إلى الخطر الذي كان وما زال يترصد المستشفيات والأطباء في حلب. وذكر أنّ غارة جوية أخرى استهدفت نقطة تبعد 200 متر عن مستشفى القدس قبل أيام من القصف الأخير، و"في كلّ مرة يشتد القصف، كان طاقم المستشفى يحمل حاضنات الرضّع، ويهرع بها إلى الطابق الأرضي لحمايتهم".
من جهته، يقول الطبيب حمزة، وهو مدير مستشفى القدس، لـ"العربي الجديد"، إنّ "خسارة معاذ كبيرة، لأنّه كان طبيب الأطفال الوحيد المتفرغ للعمل في حلب. كان يعمل 26 يوماً في الشهر. هناك ثلاثة أطباء أطفال آخرين يداومون بشكل جزئي في حلب ويتنقلون للعمل في مدن أخرى. كلّ منهم يعاين ما بين 120 و150 طفلاً يومياً. اليوم بات العبء أكبر عليهم. أما ما يدفع باقي الأطباء إلى الاستمرار حتى اليوم، على الرغم مما حدث، فهي إنسانيتهم. نعلم أننا إذا لم نكن هنا ولم نداو الآلاف من المرضى، فلن يداويهم أحد".
اقــرأ أيضاً
عن الحلول الممكنة التي يلجأ إليها الأطباء اليوم، يقول حمزة: "بدأ عدد من الأطباء المتخرجين حديثاً وغير المتخصصين بقراءة مراجع طبية حول إسعاف الأطفال لتعميق معرفتهم بها. من المهم تدبر الحالات الإسعافية، أما المرضية فيمكن تحويلها إلى خارج المدينة". يضيف: "بدأ عملنا في مستشفى القدس في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2012. قبل يوم من استهدافه كان يقدم خدماته في اختصاصات الأمراض الداخلية والقلبية والكلى والعصبية والنسائية وأمراض الأطفال والجراحات العامة. كنا نستقبل 4500 مريض شهرياً". يتابع أنّ "أبرز أمراض الأطفال المنتشرة هي ذات الرئة والتهاب القصبات الشعرية، بالإضافة إلى الإسهال والجفاف وسوء التغذية".
المعاناة الطبية للأطفال في المدينة بدأت قبل سنوات، إذ دأبت قوات النظام على تدمير المنظومة الصحية فيها واستهداف مستشفياتها. وهو ما انعكس بشكل كبير على الواقع الصحي للأطفال. هذا ما تؤكده الممرضة عوض الصالح التي غادرت حلب قبل أشهر بسبب خطورة العمل الطبي فيها. تقول: "في المستوصف الذي كنت أعمل فيه، لم يكن هناك طبيب أطفال. كانت عشرات الأمهات يأتين كلّ يوم وهنّ يحملن أطفالهن الذين يعانون من حرارة مرتفعة أو إسهال ويبكون طوال الوقت. كلّ ما كنا نستطيع فعله هو إعطاء مسكّنات وسوائل تعويضية عند اللزوم حتى لا تتدهور حالتهم الصحية. وحين يتحسن الطفل قليلاً، نطلب منهنّ أن يبحثن عن طبيب أطفال". تضيف: "أذكر أنّ العديد من الأهالي كانوا يذهبون إلى طبيبة نسائية لمعاينة أطفالهم. كانت الطبيبة تعاين الأطفال الرضّع فقط، أكثر من 100 حالة يومياً في نقطة طبية قريبة منا. هذه النقطة قصفت أيضاً، فاتخذت في اليوم التالي غرفة معاينة لا تزيد مساحتها عن مترين في مترين، وكان المرضى وعشرات الأطفال يتجمعون في خيمة نصبت إلى جانب العيادة".
في السياق، يشير الطبيب عبد القادر البيطار، وهو متخصص في الأمراض الداخلية، إلى أنّ "أطفال حلب المرضى المصابين تحديداً بمشاكل النمو وحديثي الولادة الذين يعانون من تشوهات خلقية أو أمراض وراثية، سيعانون مع عائلاتهم وحدهم. لا يمكن لأيّ طبيب أن يساعدهم بشكل فعلي". يضيف: "عموماً، لا يمكن لأي متخصص آخر أن يحلّ مكان طبيب الأطفال. عديدة هي الأمراض وأصناف العدوى التي تصيب الأطفال وقلما نصادفها عند الكبار. البنية الجسمية والنفسية للطفل تتفاعل بشكل مختلف مع المرض وتظهر الأعراض بشكل مختلف. هذا مرتبط بعمر الطفل أيضاً، والنقطة الأهم هي العلاج الذي يحتاج إلى خبرة طبيب متخصص لاختياره وضبط جرعته تبعاً للعمر والوزن". يتابع: "يمضي الطبيب ما بين خمس سنوات وسبع إضافية كي يتخصص في طب الأطفال ويلمّ بالخبرة اللازمة للتعامل معهم".
اقــرأ أيضاً
الطبيب حاتم، وهو مدير مستشفى الأطفال في حلب، رثى زميله في رسالة وجهها إلى العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قال فيها إنه كان أفضل طبيب متخصص ومؤهل في حلب، كان يعمل في مستشفى الأطفال أثناء النهار ويذهب إلى مستشفى القدس لحالات الطوارئ ليلاً. أضاف: "كنا نقضي ست ساعات معاً في اليوم، كان ودوداً ولطيفاً، كان دائماً يمزح مع كادر المستشفى. بقي في حلب، المدينة الأكثر خطورة في العالم، بسبب تفانيه في العمل وإخلاصه لمرضاه. كان من المفترض أن يزور عائلته في تركيا حين يعود من حلب، هو لم يرَ أحداً منهم منذ أربعة أشهر".
أشار الطبيب في رسالته إلى الخطر الذي كان وما زال يترصد المستشفيات والأطباء في حلب. وذكر أنّ غارة جوية أخرى استهدفت نقطة تبعد 200 متر عن مستشفى القدس قبل أيام من القصف الأخير، و"في كلّ مرة يشتد القصف، كان طاقم المستشفى يحمل حاضنات الرضّع، ويهرع بها إلى الطابق الأرضي لحمايتهم".
من جهته، يقول الطبيب حمزة، وهو مدير مستشفى القدس، لـ"العربي الجديد"، إنّ "خسارة معاذ كبيرة، لأنّه كان طبيب الأطفال الوحيد المتفرغ للعمل في حلب. كان يعمل 26 يوماً في الشهر. هناك ثلاثة أطباء أطفال آخرين يداومون بشكل جزئي في حلب ويتنقلون للعمل في مدن أخرى. كلّ منهم يعاين ما بين 120 و150 طفلاً يومياً. اليوم بات العبء أكبر عليهم. أما ما يدفع باقي الأطباء إلى الاستمرار حتى اليوم، على الرغم مما حدث، فهي إنسانيتهم. نعلم أننا إذا لم نكن هنا ولم نداو الآلاف من المرضى، فلن يداويهم أحد".
عن الحلول الممكنة التي يلجأ إليها الأطباء اليوم، يقول حمزة: "بدأ عدد من الأطباء المتخرجين حديثاً وغير المتخصصين بقراءة مراجع طبية حول إسعاف الأطفال لتعميق معرفتهم بها. من المهم تدبر الحالات الإسعافية، أما المرضية فيمكن تحويلها إلى خارج المدينة". يضيف: "بدأ عملنا في مستشفى القدس في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2012. قبل يوم من استهدافه كان يقدم خدماته في اختصاصات الأمراض الداخلية والقلبية والكلى والعصبية والنسائية وأمراض الأطفال والجراحات العامة. كنا نستقبل 4500 مريض شهرياً". يتابع أنّ "أبرز أمراض الأطفال المنتشرة هي ذات الرئة والتهاب القصبات الشعرية، بالإضافة إلى الإسهال والجفاف وسوء التغذية".
المعاناة الطبية للأطفال في المدينة بدأت قبل سنوات، إذ دأبت قوات النظام على تدمير المنظومة الصحية فيها واستهداف مستشفياتها. وهو ما انعكس بشكل كبير على الواقع الصحي للأطفال. هذا ما تؤكده الممرضة عوض الصالح التي غادرت حلب قبل أشهر بسبب خطورة العمل الطبي فيها. تقول: "في المستوصف الذي كنت أعمل فيه، لم يكن هناك طبيب أطفال. كانت عشرات الأمهات يأتين كلّ يوم وهنّ يحملن أطفالهن الذين يعانون من حرارة مرتفعة أو إسهال ويبكون طوال الوقت. كلّ ما كنا نستطيع فعله هو إعطاء مسكّنات وسوائل تعويضية عند اللزوم حتى لا تتدهور حالتهم الصحية. وحين يتحسن الطفل قليلاً، نطلب منهنّ أن يبحثن عن طبيب أطفال". تضيف: "أذكر أنّ العديد من الأهالي كانوا يذهبون إلى طبيبة نسائية لمعاينة أطفالهم. كانت الطبيبة تعاين الأطفال الرضّع فقط، أكثر من 100 حالة يومياً في نقطة طبية قريبة منا. هذه النقطة قصفت أيضاً، فاتخذت في اليوم التالي غرفة معاينة لا تزيد مساحتها عن مترين في مترين، وكان المرضى وعشرات الأطفال يتجمعون في خيمة نصبت إلى جانب العيادة".
في السياق، يشير الطبيب عبد القادر البيطار، وهو متخصص في الأمراض الداخلية، إلى أنّ "أطفال حلب المرضى المصابين تحديداً بمشاكل النمو وحديثي الولادة الذين يعانون من تشوهات خلقية أو أمراض وراثية، سيعانون مع عائلاتهم وحدهم. لا يمكن لأيّ طبيب أن يساعدهم بشكل فعلي". يضيف: "عموماً، لا يمكن لأي متخصص آخر أن يحلّ مكان طبيب الأطفال. عديدة هي الأمراض وأصناف العدوى التي تصيب الأطفال وقلما نصادفها عند الكبار. البنية الجسمية والنفسية للطفل تتفاعل بشكل مختلف مع المرض وتظهر الأعراض بشكل مختلف. هذا مرتبط بعمر الطفل أيضاً، والنقطة الأهم هي العلاج الذي يحتاج إلى خبرة طبيب متخصص لاختياره وضبط جرعته تبعاً للعمر والوزن". يتابع: "يمضي الطبيب ما بين خمس سنوات وسبع إضافية كي يتخصص في طب الأطفال ويلمّ بالخبرة اللازمة للتعامل معهم".