قطاع غزة الفلسطيني المحاصر يخنق أهله شيئاً فشيئاً حتى يدفعهم إلى الهجرة منه أملاً في مستقبل أفضل، هذه هي حال عشرات الأطباء الذين غادروا أخيراً
تزداد أعداد الغزيين الباحثين عن وسائل للهجرة إلى الخارج بشكل ملحوظ مع استمرار فتح معبر رفح البري للشهر الثاني على التوالي، لكنّ المؤسف في ذلك، هجرة العقول والخبرات الغزية والخريجين، والتي زادت خصوصاً بعد عيد الفطر. الأكثر إثارة للصدمة في كشوف المسافرين أسماء أطباء كفوئين، منهم أصحاب اختصاصات مهمة، ولديهم خبرة في العمليات الجراحية. ينضم هؤلاء إلى قوائم المهاجرين الباحثين عن فرص عمل في الخارج.
أظهرت كشوف وزارة الداخلية في غزة للمسافرين عبر معبر رفح عن أسماء عدد كبير من الأطباء الغزيين تجاوز 100 طبيب، وشملت الكشوف أسماءهم وأسماء أفراد أسرهم.
أحدث هذا الكشف ضجة كبيرة عند الغزيين، فعبر كثيرون عن غضبهم من خطوة الأطباء، وبعضهم اعتبر أنّهم أحرار في ظل عيشهم أزمات نفسية ومجتمعية، خصوصاً أنّهم لا يتلقون حوافز توافق عملهم ضمن برامج الأزمات.
اقــرأ أيضاً
تعد هجرة الأطباء في غزة الأخطر بالنسبة للمجتمع، في ظل حاجة القطاع الصحي لكفاءات الأطباء في تغطية الحالات المرضية المتدفقة، خصوصاً مع زيادة عدد المصابين خلال مسيرات العودة الكبرى المستمرة منذ 30 مارس/ آذار الماضي. وكان تقرير سابق لـ"العربي الجديد"، نشر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قد كشف عن توافر 2000 طبيب في قطاع غزة فقط لأكثر من 2 مليون مواطن معرضين للأمراض والكوارث الطبيعية والاعتداءات الإسرائيلية.
تزداد الأزمة تفاقماً مع غياب آلية توظيف الأطباء منذ أكثر من 3 أعوام في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، من دون تطبيق للمصالحة الفلسطينية على أرض الواقع.
الطبيب العام أحمد النجار (30 عاماً)، عمل منذ 4 أعوام في ثلاثة مستشفيات حكومية، لكنّه لم يكن موظفاً رسمياً بل يعمل بعقد مؤقت يجري تجديده سنوياً. وكان قد أتمّ دراسته في الطب العام في جامعة عين شمس في مصر، لكنّه وجد نفسه منذ 5 أشهر يبحث عن وسيلة هجرة إلى أحد البلدان الأوروبية بعدما تواصل مع عدد من أصدقائه في الخارج، واستطاع السفر في 11 يونيو/ حزيران الماضي، مستغلاً فتح معبر رفح.
وصل النجار إلى إسطنبول بعد رحلة معاناة على معبر رفح، (الجانب المصري)، وبدأ قبل أسبوع العمل في أحد المستشفيات الخاصة التركية في مدينة أزمير، وهو يتولى حالياً تجهيز أوراق السفر لزوجته وطفلته ليقيم في تركيا. يقول النجار: "لا تقدير للطبيب في غزة. الكل يعلم هذا الأمر، فقد كنت أتقاضى نصف راتب يصل إلى 300 دولار أميركي، فهل يعقل أن يخاطر طبيب بحياته يومياً مع مرضى وحالات صعبة مصابة بأسلحة إسرائيلية محرمة دولياً ولا يجد له حتى ما يؤمّن حاجاته الأساسية؟". يضيف النجار: "الطبيب الغزي لا يجد الراحة مطلقاً، فهو يعمل كلّ يوم بمشقة، والوفود الطبية التي جاءت من الأردن وقطر تشهد على ذلك، فعملنا يقع تحت ضغط نفسي واجتماعي واقتصادي أيضاً. بتّ مديوناً لتأمين حياتي فحسب، لذلك بحثت عن مستقبلي ومستقبل طفلتي في عمل مناسب في الخارج".
من جهته، أثار منشور لاستشاري أمراض القلب والأوعية الدموية، الطبيب منتصر إسماعيل (44 عاماً)، على "فيسبوك"، ضجة كبيرة، عندما تحدث عن غيابه لفترة قد تطول عدة سنوات، وسيعود عندما تتوفر للموظف عموماً وللطبيب خصوصاً فرصة الحياة الكريمة. كذلك، أعلن عن استعداده لتقديم مشورات طبية لمرضاه وهو في الخارج للعمل في قطر.
أما طبيب العظام أحمد نبيل (34 عاماً)، فقد أجرى آخر عملية جراحية له في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي، وسافر إلى ألمانيا التي تلقى منها دعوة لحضور مؤتمر للأطباء، لكنّه سرعان ما أعلن لأسرته عن استقالته من الخدمة في الوظيفة الحكومية كطبيب وتقديم اللجوء في ألمانيا. يقول نبيل لـ"العربي الجديد": "عملت في العدوان الثاني على غزة عام 2012، وعملت في العدوان الأخير عام 2014، وشاهدت الموت بعينيّ، وفي النهاية تحولت من طبيب له مكانته إلى طبيب لا يستطيع تأمين حاجاته اليومية وحاجات أطفاله. لا أنكر أنّي سافرت وتركت روحي في وطني، لكن أريد أن أحفظ مستقبل أطفالي".
مصدر من داخل وزارة الصحة، فضل عدم الكشف عن اسمه، يؤكد أنّه بنتيجة حاجة المستشفيات في غزة، جرى استقطاب عدد من الأطباء من الضفة الغربية ومن الأردن، إلى جانب الشروع في إنشاء مستشفى عسكري مغربي وسط القطاع.
نقيب الأطباء في قطاع غزة وعميد كلية الطب في الجامعة الإسلامية، الدكتور فضل نعيم، يؤكد أنّ الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن هجرة الأطباء مضخم، ويقول لـ"العربي الجديد": "قطاع غزة مجتمع متعلم ومصدّر للكفاءات من أطباء ومعلمين ومهندسين. هناك أطباء سافروا بدوافع مجتمعية، ومنهم من يريد الاطمئنان على مستقبل أولاده في مجتمع فيه فرص أفضل، وهو قرار شخصي عائد للأطباء، ولا تقتصر الهجرة عليهم، فهناك من هم يمتهنون اختصاصات أخرى".
اقــرأ أيضاً
يشير نعيم إلى تخريج 100 طالب من كليات الطلب في قطاع غزة سنوياً، لكن لا يجدون فرصاً أمامهم، فيقرر بعضهم السفر للعمل في الخارج أو دراسة اختصاص طبي. يضيف: "لا ألوم الأطباء الباحثين عن عمل في الخارج، فلديهم في النهاية ظروفهم الخاصة".
يفضل نعيم للأطباء الحصول على دورات طبية ودراسة اختصاصات فرعية ورئيسية في الخارج، في ظل حاجة المرضى الغزيين للخبرات، لكنّه يشعر بالأسف في ظل عدم تمكنهم من الحصول على عقود رسمية في وزارة الصحة وعدم تأمين راتب جيد يليق بمستواهم الاجتماعي، وهو دافع من دوافع السفر والهجرة للأطباء.
تزداد أعداد الغزيين الباحثين عن وسائل للهجرة إلى الخارج بشكل ملحوظ مع استمرار فتح معبر رفح البري للشهر الثاني على التوالي، لكنّ المؤسف في ذلك، هجرة العقول والخبرات الغزية والخريجين، والتي زادت خصوصاً بعد عيد الفطر. الأكثر إثارة للصدمة في كشوف المسافرين أسماء أطباء كفوئين، منهم أصحاب اختصاصات مهمة، ولديهم خبرة في العمليات الجراحية. ينضم هؤلاء إلى قوائم المهاجرين الباحثين عن فرص عمل في الخارج.
أظهرت كشوف وزارة الداخلية في غزة للمسافرين عبر معبر رفح عن أسماء عدد كبير من الأطباء الغزيين تجاوز 100 طبيب، وشملت الكشوف أسماءهم وأسماء أفراد أسرهم.
أحدث هذا الكشف ضجة كبيرة عند الغزيين، فعبر كثيرون عن غضبهم من خطوة الأطباء، وبعضهم اعتبر أنّهم أحرار في ظل عيشهم أزمات نفسية ومجتمعية، خصوصاً أنّهم لا يتلقون حوافز توافق عملهم ضمن برامج الأزمات.
تعد هجرة الأطباء في غزة الأخطر بالنسبة للمجتمع، في ظل حاجة القطاع الصحي لكفاءات الأطباء في تغطية الحالات المرضية المتدفقة، خصوصاً مع زيادة عدد المصابين خلال مسيرات العودة الكبرى المستمرة منذ 30 مارس/ آذار الماضي. وكان تقرير سابق لـ"العربي الجديد"، نشر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قد كشف عن توافر 2000 طبيب في قطاع غزة فقط لأكثر من 2 مليون مواطن معرضين للأمراض والكوارث الطبيعية والاعتداءات الإسرائيلية.
تزداد الأزمة تفاقماً مع غياب آلية توظيف الأطباء منذ أكثر من 3 أعوام في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، من دون تطبيق للمصالحة الفلسطينية على أرض الواقع.
الطبيب العام أحمد النجار (30 عاماً)، عمل منذ 4 أعوام في ثلاثة مستشفيات حكومية، لكنّه لم يكن موظفاً رسمياً بل يعمل بعقد مؤقت يجري تجديده سنوياً. وكان قد أتمّ دراسته في الطب العام في جامعة عين شمس في مصر، لكنّه وجد نفسه منذ 5 أشهر يبحث عن وسيلة هجرة إلى أحد البلدان الأوروبية بعدما تواصل مع عدد من أصدقائه في الخارج، واستطاع السفر في 11 يونيو/ حزيران الماضي، مستغلاً فتح معبر رفح.
وصل النجار إلى إسطنبول بعد رحلة معاناة على معبر رفح، (الجانب المصري)، وبدأ قبل أسبوع العمل في أحد المستشفيات الخاصة التركية في مدينة أزمير، وهو يتولى حالياً تجهيز أوراق السفر لزوجته وطفلته ليقيم في تركيا. يقول النجار: "لا تقدير للطبيب في غزة. الكل يعلم هذا الأمر، فقد كنت أتقاضى نصف راتب يصل إلى 300 دولار أميركي، فهل يعقل أن يخاطر طبيب بحياته يومياً مع مرضى وحالات صعبة مصابة بأسلحة إسرائيلية محرمة دولياً ولا يجد له حتى ما يؤمّن حاجاته الأساسية؟". يضيف النجار: "الطبيب الغزي لا يجد الراحة مطلقاً، فهو يعمل كلّ يوم بمشقة، والوفود الطبية التي جاءت من الأردن وقطر تشهد على ذلك، فعملنا يقع تحت ضغط نفسي واجتماعي واقتصادي أيضاً. بتّ مديوناً لتأمين حياتي فحسب، لذلك بحثت عن مستقبلي ومستقبل طفلتي في عمل مناسب في الخارج".
من جهته، أثار منشور لاستشاري أمراض القلب والأوعية الدموية، الطبيب منتصر إسماعيل (44 عاماً)، على "فيسبوك"، ضجة كبيرة، عندما تحدث عن غيابه لفترة قد تطول عدة سنوات، وسيعود عندما تتوفر للموظف عموماً وللطبيب خصوصاً فرصة الحياة الكريمة. كذلك، أعلن عن استعداده لتقديم مشورات طبية لمرضاه وهو في الخارج للعمل في قطر.
أما طبيب العظام أحمد نبيل (34 عاماً)، فقد أجرى آخر عملية جراحية له في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي، وسافر إلى ألمانيا التي تلقى منها دعوة لحضور مؤتمر للأطباء، لكنّه سرعان ما أعلن لأسرته عن استقالته من الخدمة في الوظيفة الحكومية كطبيب وتقديم اللجوء في ألمانيا. يقول نبيل لـ"العربي الجديد": "عملت في العدوان الثاني على غزة عام 2012، وعملت في العدوان الأخير عام 2014، وشاهدت الموت بعينيّ، وفي النهاية تحولت من طبيب له مكانته إلى طبيب لا يستطيع تأمين حاجاته اليومية وحاجات أطفاله. لا أنكر أنّي سافرت وتركت روحي في وطني، لكن أريد أن أحفظ مستقبل أطفالي".
مصدر من داخل وزارة الصحة، فضل عدم الكشف عن اسمه، يؤكد أنّه بنتيجة حاجة المستشفيات في غزة، جرى استقطاب عدد من الأطباء من الضفة الغربية ومن الأردن، إلى جانب الشروع في إنشاء مستشفى عسكري مغربي وسط القطاع.
نقيب الأطباء في قطاع غزة وعميد كلية الطب في الجامعة الإسلامية، الدكتور فضل نعيم، يؤكد أنّ الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن هجرة الأطباء مضخم، ويقول لـ"العربي الجديد": "قطاع غزة مجتمع متعلم ومصدّر للكفاءات من أطباء ومعلمين ومهندسين. هناك أطباء سافروا بدوافع مجتمعية، ومنهم من يريد الاطمئنان على مستقبل أولاده في مجتمع فيه فرص أفضل، وهو قرار شخصي عائد للأطباء، ولا تقتصر الهجرة عليهم، فهناك من هم يمتهنون اختصاصات أخرى".
يشير نعيم إلى تخريج 100 طالب من كليات الطلب في قطاع غزة سنوياً، لكن لا يجدون فرصاً أمامهم، فيقرر بعضهم السفر للعمل في الخارج أو دراسة اختصاص طبي. يضيف: "لا ألوم الأطباء الباحثين عن عمل في الخارج، فلديهم في النهاية ظروفهم الخاصة".
يفضل نعيم للأطباء الحصول على دورات طبية ودراسة اختصاصات فرعية ورئيسية في الخارج، في ظل حاجة المرضى الغزيين للخبرات، لكنّه يشعر بالأسف في ظل عدم تمكنهم من الحصول على عقود رسمية في وزارة الصحة وعدم تأمين راتب جيد يليق بمستواهم الاجتماعي، وهو دافع من دوافع السفر والهجرة للأطباء.