في خطوة هي الأولى من نوعها في الصومال، أنشأ نادي "بنايدر" لكرة القدم في العاصمة مقديشو، أول أكاديمية صومالية لتدريب الناشئين الموهوبين في كرة القدم من أجل النهوض بالقطاع الرياضي في البلد العربي، الذي تمزقه الحرب الأهلية منذ عام 1991، وصرف الصغار عن حمل السلاح، بحسب قائمين على الأكاديمية التي استقطبت نحو 500 ناشئ.
هؤلاء الناشئون، الذين تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات و17 سنة، يقضون أوقاتا كثيرة في هذه الأكاديمية "المجانية"، على أمل تحسين مستواهم عبر التعلم من مدربين أجانب محترفين.
ورغم محدودية إمكانات الأكاديمية، إلا أنها تسعى إلى صقل مهارات هؤلاء الصغار وإكسابهم قدرات رياضية جديدة تؤهلهم إلى أن يصبحوا نجوما ساطعة في عالم "الساحرة المستديرة".
إسماعيل صلاد (13 عاما) هو أحد هؤلاء الناشئين، يتوجه صباح يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، إلى أكاديمية "بنايدر" الرياضية، حيث يتدرب بجد هو وأربعون من زملائه في فئته العمرية.
ونادي "بنايدر" من أبرز الأندية الصومالية، وفاز بلقب بطولة الدوري الممتاز، الذي انطلقت نسخته الأولى عام 1963، أربع مرات منذ عام 2000، آخرها نسخة 2013-2014، واقتنص هذه البطولة دون أي هزيمة.
عن هذه التجربة غير المسبوقة في البلد الفقير، الذي يقطنه نحو 10.4 ملايين نسمة، يقول صلاد: "منذ فترة وأنا أحلم بإيجاد مساحة رياضية أمارس فيها مهاراتي الكروية.. الأكاديمية مكان مناسب، حيث أتعلم الكثير من المهارات".
وبعد تحكم بارع في الكرة برأسه، يمضي الصبي الصومالي قائلا: "أتمنى أن أكون لاعبا يتمتع بقدرات هائلة ومشهورا في الأندية الصومالية.. أحاول أن أقلد اللاعب الأرجنتيني الأسطورة ليونيل ميسي (المحترف في نادي برشلونة الإسباني).. حتى أن زملائي ينادوني بـ(ميسي الصغير)".
اقرأ أيضا:
صوماليون يقاومون غزو الرقصات الشعبية بإحياء التراث
عشق هذه "الساحرة المستديرة" هو الدافع الأكبر لانضمام هؤلاء الصغار إلى أكاديمية كرة القدم، على أمل أن يصبحوا يوما ما لاعبين محترفين في أندية محلية وإقليمية، بل ويمتد حلمهم إلى العالمية.
مثل زميله صلاد، يقول محمد أحمد، وهو ناشئ آخر، إن "الانضمام إلى الأكاديمية هو بداية مشواري الرياضي (رحلتي الرياضية) لتحقيق حلمي في أن أصبح لاعبا دوليا عبر التدريب الذي يقدمه المدرب إمام كفنايو".
وحول ما إن كان يشعر بتقدم في مستواه، يجيب أحمد: "لياقتي البدنية وقدراتي الكروية تتحسن وتتألق منذ انضمامي إلى الأكاديمية بفضل تركيزي في التدريبات، وأتمنى اللعب في نادي (إيلمان)"، وهو أحد أشهر الأندية الرياضية في الصومال، وفاز ببطولة الدوري الممتاز عشر مرات منذ عام 1998.
أكاديمية "بنايدر" تعمل يومي الخميس والجمعة، وتقدم تدريبات مكثفة عوضا عن الأيام الأخرى، التي يتفرغ فيها الصغار لتلقي دروسهم في المدارس والخلوات القرآنية، وهم أطفال يجمعهم حلم "النجومية".
وتأسس الاتحاد الصومالي لكرة القدم عام 1963، لكن البعض في الصومال يقولون إن الجنوب الصومالي شهد مباريات كرة قدم منتظمة خلال الاستعمار الإيطالي لجنوب الصومال في القرن الماضي.
وانضم الاتحاد الصومالي إلى الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) عام 1968، ويُلقب منتخب الصومال بـ"نجوم المحيط"، ولضعف مستواه، لم يتأهل مطلقا إلى بطولة الأمم الأفريقية ولا كأس العالم.
وجراء الحرب الأهلية التي يشهدها الصومال، الواقع في منطقة القرن الأفريقي، منذ الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري عام 1991، يلعب المنتخب الصومالي مبارياته خارج البلاد.
ولم يكن ثمة حديث في الصومال عن كرة القدم سوى اللعب في الشوارع خلال أوقات الفراغ، في ظل معارك دموية بين القوات الحكومية، تدعمها قوات أفريقية لحفظ السلام، وبين مقاتلي حركة "الشباب المجاهدين"، التي تقول إنها تريد تطبيق "الشريعة الإسلامية".
لكن مع التحسن الأمني، ودحر قوات "الشباب" في عدة مدن، بدأ القطاع الرياضي بالتعافي، حيث ينظم الاتحاد الصومالي لكرة القدم، وللعام الثاني على التوالي، بطولة الدوري في استاد (ملعب) "بنايدر"، الذي يستوعب أكثر من 15 ألف مشجع.
ومنذ عامين، يشهد القطاع الرياضي في جمهورية الصومال، التي استقلت عام 1960 عن الاستعمارين البريطاني والإيطالي، انتعاشا مع تزايد عدد اللاعبين الأجانب في الأندية الصومالية، حيث يقدر عددهم بـعشرين لاعبا، أغلبهم من كينيا وأوغندا.
اقرأ أيضا:
اختفاء الأطفال.. مهاجرون صغار تستغلهم عصابات التهريب
إمام كفنايو، هو أحد اللاعبين الأجانب في نادي "بنايدر"، والمدرب الأول في الأكاديمية، يقول إن "ما أشاهده الآن من جيل صومالي ناشئ يهوى الكرة أمر مختلف تماما عن الصورة النمطية التي كانت في مخيلتي قبل سنوات، حيث كانت قصص الحرب والصراع الدموي هي حديث المجالس، بينما لا حديث عن دوري رياضي، فقد تحولت البلاد إلى ساحات حرب تنتهي مبارياتها بالخراب والدمار".
كفنايو (37 عاما)، الأوغندي الجنسية، يضيف، لوكالة الأناضول، أن "اللاعبين الصغار لديهم مهارات وقدرات تفوق الكثير من اللاعبين الكبار نظرا لاستيعابهم وسرعة فهمهم للتدريبات".
و"في ظل عدم تحقيق الصومال أية بطولات قارية أفريقية وكثرة اللاعبين الذين يغادرون الملاعب لتقدمهم في العمر أو تحت وطأة الحرب الأهلية، تسعى أكاديمية بنايدر جاهدة إلى إخراج لاعبين موهوبين لملء هذا الفراغ الكروي"، بحسب رئيس الأكاديمية، علي عبد القادر.
وعن إنشاء أكاديمية الناشئين، يوضح عبد القادر، أن "القرار جاء بعد أن شعرنا بتراجع كبير في عدد اللاعبين في الأندية المحلية، حيث سقط الكثيرون منهم في الصراع الدموي المحتدم في البلاد، ولصرف الصغار عن احتمال حملهم السلاح، جهزنا هذه الأكاديمية الرياضية لتهتم بالمواهب الكامنة لدى الأجيال الناشئة وتصنع من الشبان الواعدين نجوما وليس مقاتلين".
ويتوقع رئيس الأكاديمية أن "تصبح في السنوات المقبلة محل اهتمام الأندية الصومالية لاستقطاب لاعبين موهوبين، ونحن نشجع باقي الأندية على إنشاء أكاديميات لتدريب الناشئين الموهوبين".