يعمل يحيى ابن الثانية عشرة في ستوديو للتصوير حيث يقوم بنقل بطاقات الذاكرة والصور من الطابعات وإليها، بأجر أسبوعي 35 ليرة (16 دولارا) بعد أن حصل على علاوة في الفترة الأخيرة، ويقول يحيى إنه يحن لأيام المدرسة في سوريا حيث كان الدين أحب مواد الدراسة إلى قلبه "لأنه يعلمنا الاستقامة."وقال يحيى -بشيء من الحرج- "بابا اشتغل يومين لكن الآن ما عنده شغل. نحنا خمسة أولاد وبنتان، أربعة منا يشتغلون لإعالة الأسرة."
ويشكو يحيى من عدم وجود مكان له في المدارس التركية، كما أنه لا يعرف ما إذا كانت مؤهلاته الدراسية من خلال التعليم في المدارس السورية ستحتسب له في المستقبل أم لا، وهو هاجس يلازم الأمهات السوريات من الطبقة المتوسطة.
يحيى وغيره من الأطفال السوريين الذين تعج بهم منطقة السوق التي لا تهدأ فيها الحركة ببلدة كيليس في جنوب شرق تركيا، يعملون في مهن مختلفة من إصلاح الأجهزة المنزلية وبيع البقلاوة والحلي، حيث هم العائل الرئيسي لأسرهم التي يعجز أربابها عن العثور على عمل.
ويعمل يحيى إلى جانب حسن ابن الثالثة عشرة، الذي أصبح نابغة في استخدام برنامج "فوتوشوب" أثناء عمله في الاستديو.
و"حسن" رقيق الصوت، حسن الهندام، من عائلة متعلمة، والده مدرس وأمه نجلاء كانت من الناشطات في درعا قرب الحدود الأردنية، وكانت تشجع النساء على الانضمام للثورة على حكم الرئيس بشار الأسد والتي بدأت تتبلور في مارس/ آذار 2011.
انتقلت الأسرة من درعا عندما سجنت بعض صديقات نجلاء وزميلاتها من المحتجات، وقالت الأم إنها ترسل حسن للعمل بعد انتهاء اليوم الدراسي لإبعاده عن المشاكل.
وفي حديثه لوكالة رويترز، قال "حسن" برأس مطرق وعينين مصوبتين على الأرض "الجو هنا مختلف، أكيد أنا عملت أصدقاء لكني عملت أعداء أكثر."
الكل يبحث عن عمل
أمام واجهة متجر تتلألأ فيها الأنوار، في حارة مغطاة تمتلئ بمحال الحُلي، وقف شقيق يحيى البالغ من العمر 17 عاما يترجم للمتحدثين بالعربية.
قال رئيسه في العمل "سيف الدين كوزأغلو" إن مبيعاته تضاعفت في العامين الأخيرين بفضل اللاجئين السوريين.
وأضاف وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة أمام واجهة متجره التقليدية "في السنة الأولى لم يعرفوا ماذا يفعلون، فالأسر السورية لديها في الغالب ستة أو سبعة أطفال يخرجون للعمل، وهذا قد يحقق لكل منهم دخلا يبلغ 50 ليرة في الأسبوع."
وتابع وهو يربت على رأس فتى سوري آخر يدعى عبد الرحمن عمره 13 عاما وأتقن اللغة التركية بسرعة "الأتراك الذين يحققون دخلا يدخرونه، أما السوريون فينفقونه على الذهب."
ويقول عبد الرحمن إن جميع أقاربه يبحثون عن عمل، وإنه لو كان في سوريا لعاش حياة عادية يذهب فيها للمدرسة التي كان يفضل فيها مادة اللغة العربية.
تسببت الحرب الدائرة في سوريا المجاورة في سقوط أكثر من 140 ألف قتيل ونزوح 2.5 مليون سوري للخارج، منهم 700 ألف على الأٌقل مسجلون رسميا في تركيا في إطار سياسة "الباب المفتوح" التي تعكس تأييدها للانتفاضة السورية.
لكن من المعتقد أن العدد الاجمالي للسوريين في تركيا أعلى من ذلك بكثير. وقد غير طوفان اللاجئين شكل منطقة الحدود الجنوبية فظهرت محال بقالة سورية كثيرة تبيع المنتجات السورية وارتفعت أسعار العقارات إلى مستويات فلكية.
وأصبح هذا الطوفان عبئا على نظام التعليم المحلي مع توالي شكاوى الآباء من عجز المدارس عن استيعاب أعداد أكبر من التلاميذ.
وإتمام التعليم الثانوي في تركيا إلزامي، ويكون هذا عادة في سن السابعة عشرة، ويرفض أغلب الناس مناقشة مسألة تشغيل الأطفال، رغم أن من غير الواضح ما إذا كان شرط إتمام الدراسة ينطبق على السوريين الذين يوصفون رسميا بأنهم "ضيوف".
ويعيش أكثر من 220 ألف سوري في مخيمات تركية، لكن أغلبية اللاجئين يعيشون خارج هذه المخيمات بلا تصريح رسمي بالعمل، وهؤلاء ليس عليهم الالتزام بحظر التجوال المعمول به في المخيمات، وينجح البعض في اقتناص فرص عمل على نحو غير رسمي في الحقول أو مواقع البناء، ويقبلون عادة أجورا أقل مما يتقاضاه نظراؤهم الأتراك.
ولا يذهب للمدارس من بين من يعيشون خارج المخيمات سوى 14 بالمئة من الأطفال السوريين -وفقا لبيانات هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية- إذ إن غالبيتهم يخرجون للعمل مهما كان ما يتقاضونه زهيدا حتى يساهموا في دخل الأسرة.
وبشيء من الحزن يتذكر الأطفال حياتهم في سوريا وهم يخدمون الزبائن بابتسامة على الوجوه وشعور بالامتنان لصاحب العمل التركي.
ويقول يحيى "مهما كانت الحياة هنا فسوريا هي بلدنا".
يذكر أن المنظمة الدولية للطفولة (اليونيسيف) كانت حذرت -في تقرير تفصيلي عن معاناة الأطفال السوريين- من: "أن مرور عام آخر من الخسائر قد يعني ضياع جيل كامل - وذلك له عواقب وخيمة على مستقبل سوريا والمنطقة".
ورصدت المنظمة تسارع أعداد الأطفال السوريين الذين يعانون في ظل الصراع الدائر هناك من نصف مليون طفل في مارس/آذار 2012 ، إلى 2.3 مليون طفل في مارس 2013، وتضاعف خلال السنة الأخيرة ليصل إلى 5.5 مليون طفل في مارس 2014، من بين هؤلاء 4.3 مليون طفل داخل سوريا، و1.2 مليون طفل لاجئ. وقالت المنظمة إن قرابة 10 آلاف طفل فقدوا حياتهم في الأحداث، فيما ولد 37.498 طفل لاجئ، وأصبح 3 مللايين بدون مدارس، وإن هناك 323 ألف طفل يوجدون في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها، كما وصل 8 آلاف طفل إلى حدود سوريا دون والديهم.
* تقرير اليونيسيف "أطفال سوريا جيل ضائع"