بالترافق مع الأزمة المعيشية الحادة، مدفوعة بالعمليات العسكرية المستمرة للجيش المصري في شبه جزيرة سيناء، يعيش أطفال مناطقها معاناة يومية قاسية.
ما زال الطفل عبد الله أبو مدين نصر الدين (12 عاماً) معتقلاً في قسم ثاني العريش، منذ أكثر من عام، بالرغم من صدور قرار قضائي بالإفراج عنه. اعتقل نصر الدين في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2017، ليصبح أبرز الضحايا الأطفال للحرب في سيناء، بالإضافة إلى عشرات الأطفال الذين اعتقلوا أو قتلوا أو على الأقل أصيبوا برصاص الأمن المصري على مدار الأعوام الخمسة الماضية، من دون أيّ رعاية أو اهتمام من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وهو ما يبعث القلق على مصير آلاف الأطفال في شبه الجزيرة، من إمكانية تسجيلهم في قوائم ضحايا الحرب في أيّ لحظة.
يقول مصدر من عائلة الطفل المعتقل لـ"العربي الجديد" إنّ مصير عبد الله بات مجهولاً بعد نقله من القاهرة إلى الإسماعيلية ومنها إلى قسم ثاني العريش تمهيداً للإفراج عنه، في الوقت الذي ماطل فيه ضباط القسم في الإفراج عن الطفل بالرغم من القرار القضائي بالإفراج عنه، لعدم توجيه تهمة إليه بالرغم من التعذيب الذي تعرض له، مضيفاً أنّ إدارة القسم باتت لا تعترف بوجوده لديها، بالرغم من أنّ عائلته تمكنت من لقائه في إحدى غرف القسم. يدعو كلّ مؤسسات حقوق الإنسان وحقوق الأطفال للتدخل الفوري لحلّ أزمة عبد الله أبو مدين في أقرب وقت ممكن، قبل أن يتحول إلى مختفٍ قسرياً حتى إشعار آخر كالآلاف ممن سبقوه.
حين تتجول في محافظة شمال سيناء بمدنها الرئيسية؛ رفح والشيخ زويد والعريش، ومدن وبلدات وسط سيناء من دون أن ترى متنزهاً مجهزاً لأطفال المحافظة، أو مركزاً يهتم بشؤون الأطفال، خصوصاً في ظلّ الظروف الأمنية السيئة التي تعيشها المنطقة، وتأثيراتها النفسية على الأطفال، وكذلك عدم توافر رياض الأطفال والمدارس في نواحٍ كثيرة، ما أفقد الأطفال أبسط حقوقهم في الحياة كالتعليم والترفيه والصحة، بالتزامن مع غياب مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالأطفال.
وشملت كشوف ضحايا العمليات العسكرية المصرية ضد "الإرهاب" في سيناء عشرات الأطفال الذين تعرضوا للقتل أو الجرح أو الإعاقة، كما تعرض المئات للتيتم في سن الطفولة، بعد مقتل آبائهم في عمليات الأمن المصري، والتي كان يتخللها قتل عشرات المواطنين من دون أي وجه حق وبلا توجيه تهم، فيما عانى كلّ أطفال سيناء من الجو النفسي الصعب الذي تسببت به عمليات الجيش التي تشمل أصوات قصف وإطلاق نار ليلاً ونهاراً، من دون أيّ مراعاة للأطفال أو النساء أو حتى المرضى.
بحسب مصدر طبي في مستشفى العريش العام، فإن ما لا يقل عن 50 طفلاً قتلوا خلال عمليات الأمن المصري خلال الأعوام الخمسة الماضية، خصوصا في الغارات الجوية التي يشنها الطيران الحربي المصري على أهداف بمدينتي رفح والشيخ زويد، وكذلك إطلاق النار العشوائي الذي حصد أرواح عشرات المواطنين في سيناء على مدار سنوات الحرب، مشيرا إلى أن هناك تجاهلا متعمدا للإحصائيات التي تتعلق بتفاصيل ضحايا الحرب في سيناء لما تشمله من أسماء أطفال ونساء وكبار في السن، قتلوا خارج إطار القانون، فيما أصيب عشرات الأطفال بعضهم بإعاقة دائمة نتيجة فقدانهم لأعضاء في أجسادهم نتيجة تعرضهم لرصاص أو شظايا قذائف وصواريخ، بالإضافة لفقدان البعض لحاسة السمع أو النظر نتيجة الإصابات.
ويشير المصدر لـ"العربي الجديد" إلى أنّ جميع أطفال سيناء في حاجة إلى رعاية نفسية نتيجة الحرب القائمة، لما يتعرضون له من صدمات يسببها القصف والاعتداءات، وفقدان الأقارب، بالإضافة إلى أنّ المصابين من الأطفال بحاجة إلى اهتمام صحي من نوع خاص، لما يتضمنه من تأهيل نفسي وجسدي للاستمرار في الحياة، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها سيناء. ويؤكّد المصدر عدم وجود أيّ لجنة أو جهة مختصة في شؤون أطفال سيناء خصوصاً المصابين منهم، ما يشير إلى إهمال واضح لملفهم من قبل الجهات الحكومية على الأقل. يتابع: "لا يمكننا الحديث عن تقصير مؤسسات المجتمع المدني في ظل تقصير الجهات المسؤولة بالدرجة الأولى والمتمثلة بالوزارات ذات العلاقة".
تعاني قرى عديدة في مدينتي رفح والشيخ زويد من ضآلة أعداد المؤسسات التعليمية والصحية والترفيهية منذ سنوات، إما لعدم بنائها من الأصل، أو تعرضها للتدمير على يد الجيش المصري خلال حملاته العسكرية، فيما تعاني المؤسسات المتبقية من انعدام الاهتمام الحكومي بها، بعدم توافر طواقم عاملة ذات كفاءة عالية، أو إمكانات ذات مستوى متوسط على الأقل، وفقاً لأحد مشايخ مدينة الشيخ زويد، مشيراً إلى أنّ ذلك يأتي بالرغم من الحديث الإعلامي عن التنمية في سيناء بما يشمل فئة الأطفال. يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ جيلاً كاملاً بات فاقداً لحقه في أبسط الحقوق التي كفلها القانون المصري، والشرائع الدولية والقانونية، في ظلّ تدمير غالبية مدارس مدينتي رفح والشيخ زويد والتي كان آخرها مدرسة في قرية ياميت، شمالي رفح أخيراً، ما أدى إلى حرمان مئات الطلاب من سكان المدينتين من حقهم في التعليم. ومن المعروف أنّ لدى أهالي سيناء على مدار التاريخ الحديث رغبة جامحة لتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات، وما أفرزته هذه الرغبة من نماذج يحتذى بها في قطاعات التعليم والصحة بالرغم من التهميش المتعمد ضد خريجي سيناء في الوظائف المرموقة وذات المستويات العليا في شتى المجالات والمؤسسات الحكومية، إذ لا ينال الأهالي من كثير من المسؤولين غير نظرة فوقية منذ عقود.
يشير الشيخ القبلي إلى أنّ عشرات من أطفال سيناء قتلوا أو أصيبوا أو باتوا معتقلين من دون أيّ وجه حق، ولم يجرِ التحقيق في حوادث تعرضهم للإيذاء من قوات الأمن، بالرغم من الانتهاك الواضح لحقوق الإنسان وحقوق الطفل، موضحاً أنّ عدداً من أطفال سيناء قتل خلال عمليات الجيش خصوصاً في مدينتي رفح والشيخ زويد، وجرى دفنهم من دون إبلاغ الجهات الحكومية الرسمية، لخوف أهاليهم من ضغوط الأمن بتغيير سبب الموت، وكذلك بعد المسافات بين أماكن سكنهم في قرى رفح والشيخ زويد، ومستشفى العريش العام، خصوصاً أنّ معظمهم قتل في خضم العمليات العسكرية التي كانت تتزامن مع إغلاق شامل للطرقات من العريش وإليها، وهو ما يمثل مؤشراً إلى غياب الإحصاءات الدقيقة لأعداد القتلى والمصابين من الأطفال.
يبيّن الشيخ القبلي أنّ أحلام أطفال سيناء تتلخص في انتهاء العمليات العسكرية وما يرافقها من قصف وإطلاق نار بما يسبب الفزع الدائم لهم، بالإضافة إلى توفير أبسط مظاهر الحياة كرياض الأطفال والمدارس والمتنزهات والملاهي التي يمكن أن تخفف الضغوط النفسية عنهم، بالإضافة إلى توفير مؤسسات صحية ونفسية مختصة بالأطفال، وفتح مجال السفر والرحلات إلى خارج سيناء، ليتعرفوا بـ"العالم الآخر" الذي باتوا مفصولين عنه تماماً.