أعداء الإسلام

19 مارس 2019

شموع ورسائل لأرواح ضحايا المسجدين في نيوزيلاندا (18/3/2019/فرانس برس)

+ الخط -
إذا أردنا أن نمسك برقبة المشكل بين الإسلاميين ومن سواهم في المجال العام فهي تحويل أي خلاف سياسي أو ثقافي أو اجتماعي إلى خلاف عقدي، نحاول أن نعالج مذبحة نيوزيلندا فنجد أنفسنا أمام خطاباتٍ أوْلى بالتناول والمعالجة، خطاباتنا، عشرات من الكتابات والتحليلات والمقاربات والبوستات تصف ما حدث بأنه استمرار للحروب الصليبية، وحقد الآخر المسيحي الصليبي على المسلمين، يتورّط في ذلك كتاب ومثقفون وإعلاميون، ويورّطون معهم آلاف الشباب، نترك الحدث الأصلي ونرتد إلى بديهيات، كان من المفترض أن نرضعها لأولادنا مع الحليب، لولا جفاف ضروعنا المعرفية.
لا يكرهنا اليمين لأننا مسلمون، إنما لأننا نزاحمه في بلاده، تلك التي يظن أنها له وحده، وكذلك يكره القاتل كل مهاجر، مسلما كان أو يعبد صرصور الحقل!
تصنيع العدو، واختراعه، جزء من لوازم استمرار التحكم والسيطرة على الجماعات الإنسانية، التهديد بعدو يتربص، يمنح السياسيين صلاحياتٍ كثيرة، يعرف ذلك من قرأ كتابين في التاريخ، أو حتى في التنمية البشرية، يعرف ذلك من يتابع الأخبار اليومية على مواقع التواصل من دون الحاجة لقراءة، فعلها عبد الفتاح السيسي مع "الإخوان المسلمين"، كما يفعلها ساسة الغرب مع الإسلام، لا السيسي يكره الإسلام ولا يعاديه، ولا هم. السيسي مسلم على طريقته، يؤمن بأنه ظل الله في الأرض، وأن طاعته شرع، وأن عصيانه يوجب القتل، وأنه الحاكم المتغلب الذي أقر له الفقهاء بالسمع والطاعة يضرب في المليان بفتاوى، يحتاج إلى شيخٍ بينه وبين دماء الناس، يؤسّس دولته على قراءة مستقرّة للدين، يصلي، ويتبنّى الحل الإسلامي في دراساته المبكرة وهو طالب. قوانين دولته في أغلبها إسلامية الجذور، وله من الإسلاميين الأقحاح من يؤيده ويسانده، ليس نفاقا، وإنما قراءة وتأوّل وترجيح بين المصالح والمفاسد. السبب الرئيس في عداء السيسي "الإخوان" أنهم ينافسونه على كرسيه، ولو لم يفعلوا لترك لهم مساجدهم ومنابرهم ودعوتهم وحزبهم وجريدتهم، مثلما فعل مع غيرهم.
أعداء الإسلام أنفسهم، هؤلاء الذين ورثنا سيرهم، وقرأناها ونحن نقرأ سيرة النبي الأكرم، وحكى عنهم القرآن، وكتب الحديث، والطبقات، وحتى كتب الأدب، أبو جهل، وأبو لهب، وعقبة بن معيط، والحكم بن أبي العاص، وبقية العصابة، لم يعادوا محمدا، صلوات الله عليه، لأنه مسلم، أو موحّد، بل عادوه في مكاناتهم الاجتماعية، ومصالحهم التجارية، اضطهدوه وآذوه وتعقبوه، ولم يفلحوا. وحين جلسوا للتفاوض، كان أول ما عرضوه عليه نصف دينهم: نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة!
حول الأديان المستقرة، تنشأ المصالح، الامتيازات، الطبقات، هم لا يريدون التضحية بذلك، ودعوة محمد خطر، فلنقتسم الدنيا، نصف لنا ونصف له، ولو أخبرهم النبي بأن يعبدوا إلهه أبد الدهر على أن يترك لهم كل ما يتمتعون به لوافقوا، فشل التفاوض المختبئ خلف العبادة، فبدأوا في التفاوض المباشر، اجعل لنا مكانةً مختلفةً عن أصحابك الفقراء. يرفض النبي، اطرد أصحابك من مجلسك، يرفض النبي، ويرفض الوحي ويحذّره من الاستجابة لهم، المكانة، الأموال، الطبقة، الأسياد والعبيد، على هذا يتنازع المترفون، حتى مع الأنبياء.
لم تكن الحروب الصليبية دينيةً، كانت حروب هيمنة، ومطامع إقطاعية، بابا يريد أن يجمع في يديه كنائس الأرض، وحكام يخشون حرمانه لهم من سلطتهم، وإقطاعيون خرجوا لمطاردة الأراضي والأموال، حتى إذا وجد الواحد منهم ضالته لم يفارقها إلى بيت المقدس، وجلس يحرسها، وليحترق أي بيت آخر غير بيته، وجنود وقواعد بالآلاف، خدعوهم بالمسيح فانخدعوا لهم. يمكنك أن تمد الخط على استقامته، إذا تحدثت عن أغلب الفتوحات الإسلامية، لا الصليب كان من وراء الحملات البربرية، ولا الإسلام كان قبلة الإمبراطوريات الأموية والعباسية والعثمانية، إنما الدنيا التي هي لمن غلب، أما الأفكار والعقائد فهي أقنعة التقديس التي يسير خلفها البسطاء نحو الموت يحدوهم الرضا.
إذا أردنا أن ننتصر لأنفسنا ولديننا، فالمعركة سياسية وثقافية، تبدأ بالربيع العربي وتنتهي بالديموقراطية، أما العقائد فمحلها القلب.