أحياناً، يعبّر معوزون عن استعدادهم لبيع كلاهم حتى يتمكّنوا من إعالة أولادهم. تستغل جهات الأمر، وتشجّعهم على ذلك. فيقدمون عليه غير مدركين بأنّهم ضحايا اتّجار بالأعضاء البشرية.
بلاغات بالجملة تلقّتها منظمات حقوقية وإنسانية في مصر خلال الساعات الماضية، تقدّم بها مواطنون وقعوا ضحايا عمليات نقل كلى إلى مرضى أثرياء في مقابل مبالغ مالية تراوحت ما بين 10 و15 ألف جنيه مصري (555 - 835 دولاراً أميركياً). أتى ذلك عقب الكشف عن منظمة دولية لنقل الأعضاء البشرية ضُبِطت أخيراً، بعدما أكّد الضحايا تعرّضهم لعمليات ابتزاز من قبل أطباء كبار وسماسرة، نتيجة حاجتهم إلى المال على خلفيّة الظروف المعيشية الصعبة التي يمرّون بها. وأشار هؤلاء في شكاويهم إلى تعرّضهم لأمراض مختلفة عقب عمليات الاستئصال التي خضعوا لها.
تلقّى "المركز المصري للحق في الدواء" وهو أحد المراكز المهتمة بحق المواطن في العلاج، أكثر من 250 بلاغاً من أهالي القاهرة الكبرى فقط (القاهرة - الجيزة - القليوبية) حول خضوعهم لعمليات نقل كلى إلى أثرياء مصريين وعرب عن طريق سماسرة تربطهم علاقات بعدد من الأطباء، خصوصاً في المناطق الفقيرة مثل شبرا الخيمة وقليوب طلخا في محافظة القليوبية، وبشتيل وإمبابة والوراق وأوسيم والحوامدية وبولاق الدكرور وصفط اللبن في الجيزة، وأحياء الشرابية وروض الفرج والزاوية الحمراء ومنشأة ناصر والمطرية وعين شمس في القاهرة. وقد عمد المركز إلى إحالة ملف بلاغ الأهالي إلى النائب العام لكشف تلك الجريمة، لافتاً إلى أنّ مراكز صحية ومستشفيات خاصة وحكومية وعيادات كثيرة تورّطت في تلك القضية الشائكة على مدى السنوات الماضية. وهذا أمر خطير يهدّد المجتمع المصري ككلّ.
يقول الباحث القانوني في المركز المصري للحق في الدواء، عبد المنعم محمد، إنّ "منظمات حقوقية مصرية عدّة تلقّت شكاوى مماثلة حول تلك الجريمة نفسها. وسوف نتعاون جميعاً لتقديم بلاغات إلى النيابة العامة". ويستهجن تحوّل أجساد الغلابة إلى "قطع غيار" تباع وتُشترى علناً من دون أيّ تدخّل من قبل الحكومة، مشدداً على أنّ "ثمّة مستشفيات حكومية كبرى متورّطة في مثل تلك العمليات". يضيف أنّ "الكلية تباع للمتلقّي بأكثر من 80 ألف دولار. وقد عُثر على ملايين الدولارات في حوزة الجناة أعضاء خليّة الإتجار بالأعضاء البشرية، كحصيلة لعمليات بيع الكلى لأثرياء كبار في الداخل والخارج".
ويطالب محمد الحكومة والنيابة العامة بضرورة الكشف عن تلك الجريمة كاملة، محذّراً من "إقدام النيابة على حظر النشر. فهذه القضية هزّت الشعب المصري كله وأكدت أنّ ثمّة خللاً، لا سيما مع وجود نسبة كبيرة من الفقراء يبيعون أجزاءً غالية من أجسادهم في مقابل العيش". ويسأل: "أين الحكومة من هذه الفئة؟ وأين تطبيق العدالة الاجتماعية التي نادت بها ثورة 25 يناير؟ استمرار هذا الوضع المأساوي سوف يكشف كثيراً من المستور خلال الأيام المقبلة".
على الرغم من أنّ الاتّجار بالأعضاء البشرية يأتي في سرية تامة داخل مصر، إلا أنّ ثمّة حالات كشف أصحابها أمرها أمام "المركز المصري للحق في الدواء" بعدما ندموا عمّا فعلوه أو تعرّضوا للنصب والاحتيال. يخبر خالد علي من منطقة شبرا الخيمة في القليوبية، أنّه تعرّف إلى سمسار في أحد المقاهي. "بعدما علم بظروفي الاقتصادية الصعبة نصحني ببيع كليتي في مقابل 10 آلاف جنيه (555 دولاراً). بالفعل أجريت العملية في أحد المستشفيات الخاصة بعد الانتهاء من التحاليل اللازمة. استلمت نصف المبلغ قبيل العمليّة، والنصف الآخر بعدها". ويلفت إلى أنّه التقى بالمريض المحتاج إلى كلية، "لكنّ أيّ حوار لم يدر بيننا طبقاً لتعليمات الأطباء". أمّا محمود عطيّة من صفط اللبن في الجيزة، فكانت الديون تثقله إلى حدّ أنّه فكّر في الانتحار. "لكنّ أحدهم أرشدني إلى طبيب قائلاً إنّ في إمكانه فكّ أزمتي المادية. التقيته، فأعاد لي الأمل. أتت التضحية في مقابل 12 ألف جنيه (666 دولاراً)، وأنا قبلت العرض من دون تردد إذ أردت حلّ مشاكلي المادية المتأزّمة". لكنّ إصابته بالمرض دفعه إلى الشكوى أمام المنظمة، آملاً أن يعود إليه حقّه.
وفي قصّة مختلفة، يروي علاء الأمين من منطقة بولاق الدكرور في الجيزة، أنّه اكتشف عن طريق الصدفة تعرّضه لسرقة كلية من كليتَيه، بعد خضوعه لعملية جراحية لإزالة الزائدة الدودية. "كانت الأمور تسير على ما يرام، إلا أنّني بدأت أشعر بمغص أو بآلام حادة في البطن فيما اصفرّ وجهي. اكتشف الطبيب الذي قصدته أنّني أعيش بكلية واحدة فقط، وأنّ جراحتي كانت لاستئصال كلية ليس إلا".
في سياق متّصل، يكشف مراقبون أنّ ثمّة جمعيات أهلية كثيرة تحتضن أطفال شوارع وأشخاص يعانون من تخلّف عقليّ، كانت قد عرضت هؤلاء على أطباء لأخذ كلاهم في مقابل مبالغ مالية تذهب لصالحها. كذلك، وصل الأمر إلى حدّ الاعتداء على الأفارقة المهاجرين الذين يصلون إلى القاهرة وهم في حاجة ماسة إلى المال، في ظلّ غياب القانون. من جهة أخرى، تنتشر يومياً في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعية إعلانات تطلب متبرّعين بأعضاء، على الرغم من أنّ هذه الإعلانات مجرّمة قانوناً، إذ تفتح الباب أمام الاتّجار في الأعضاء البشرية.
ويتحدّث مراقبون عن "عمليات إجرامية" و"سوق قذر لنقل الأعضاء"، ولا سيّما أنّ الأمر تحوّل إلى نشاط اقتصادي في السنوات القليلة الماضية بسبب الفقر المتفشّي وتربّح كثيرين من القائمين عليه.