يعود الفضل في حفظ أغاني الحج وإنتاجها لجهتين: الأولى هي شركة الملاحة المصرية، إذْ كانت تدعم الإنتاج للدعاية والإعلان. والثانية هي الإذاعة المصرية التي تأسست عام 1934 والتي أصبحت منصة عرض لأغنيات الحج في الثقافة الشعبية مكانة كبيرة. ولعل أقدم إشارة في كتب التاريخ عن هذا النوع من الغناء، هو ما أورده ابن إياس في كتابه "بدائع الزهور"، حين وصف موكب خروج زوجة السلطان قايتباي إلى الحج سنة 1475م؛ فقال: "وقدّامها من الحداة أربعة". وتحدث ابن إياس أيضاً عن خروج المحمّل سنة 1504م، في زمان قنصوة الغوري، وكيف كان يرقُص العوام وهم يغنون، "بيع اللحاف والطرّاحة/ حتى أرى ذي الرماحة. بيع لي لحافي ذي المخمل/ حتى أرى شكل المحمل". (و"الرماحة" هم فرسان المماليك. و"المحمل"، هودج يُحمَل على ظهر فحل من الإبل، وتكون بصحبته كسوة الكعبة، وكان أول ظهور للمحمل في عهد الظاهر بيبرس سنة 1277م).
ومن البديهي أن يتوارث الناس الكثير من تلك الأغاني التي تعرف فولكلورياً باسم "التحنين"، وقد رصد منها الباحثون مؤخراً عدداً كبيراً. وكان الناس يألفون الاحتفال والاجتماع للاستماع إلى الأناشيد الدينية والابتهالات والأغاني الخاصة بالحج في موسم الرحيل إلى مكة. يقول محمد عمران في كتابه "الثابت والمتغير في الإنشاد الديني": "كان الحج في السابق، من المناسبات المهمة عند الناس، التي تستدعي فيها الفرحة التعبير بالموسيقى". غير أن المهتمين بتدوين الأغاني قبل عصر الإذاعة، لم يعتنوا كثيراً بتسجيل الأغاني المرتبطة بتلك المناسبة، وفقاً لنبيل حنفي في كتابه "هكذا غنى المصريون". وأشار حنفي إلى أنه بعد افتتاح الإذاعة المصرية سنة 1934، بدأت الإذاعة في تقديم أغان عن الحج مصحوبة بتنويه مفاده أن تلك الأغنيات تذاع بتصريح خاص من "شركة مصر للتمثيل والسينما".
ويُعزى الفضل في كثيرٍ من تراث الحج الغنائي لتلك الشركة التي أسسها بنك مصر سنة 1925، مع "شركة الملاحة المصرية". وكانت الثانية قد وفرت باخرتين هما "كوثر" و"زمزم" لنقل الحجاج من ميناء السويس إلى ميناء جدة. وسخرت "شركة مصر للتمثيل والسينما" إمكاناتها لإنتاج مجموعة من أغنيات الحج، واستعانت بمجموعة من الملحنين المشايخ لتنفيذ المهمة مثل: زكريا أحمد وأحمد عبد القادر ومحمد الكحلاوي. وكان الكحلاوي قد قام بمفرده بتأليف وتلحين وغناء واحدة من أشهر تلك الأغنيات بعنوان "اشتياق الحجيج" سنة 1936.
ووفقاً لمجلة "الراديو المصري"؛ كانت أول حفلة أنتجتها شركة مصر ونقلتها الإذاعة المصرية مباشرة، مساء الثلاثاء 5/1/1937 تحت عنوان "حفلة بنك مصر". وتضمنت الحفلة مجموعة من أغاني الحج للمطربة نجاة علي، وهي: أغنية "ذهاب الحجيج" وأنشودة "عودة الحجاج"، وكلاهما من تأليف بديع خيري، وتلحين زكريا أحمد، وموال "سيري يا زمزم"، وموال "يا اللي انت رايح تحج البيت". تقول كلمات أغنية "ذهاب الحجيج": صون يا نبي حجاجك/ نالوا الشفاعة بيك. ويا بحر هدّي أمواجك/ "زمزم" و"كوثر" فيك. مع السلامة ياللي صاريكي/ رافع رايتنا الخضرا لفوق. يا حتة من أوطان أهاليكي/ تهون الغربة والشوق". ومن الواضح، أن هذه الأغنية تضمنت دعاية للباخرتين "زمزم" و"كوثر" التابعتين لشركة الملاحة المصرية، مع الزج بعلم المملكة المصرية الأخضر في الأغنية، وذلك وفقاً لرغبات الإنتاج.
هذه الروح الدعائية استمرت في عدد من الأغاني الأخرى بصورة أكثر وضوحاً. فتقول أغنية حياة محمد عن عودة الحجاج، من كلمات يونس القاضي وألحان عبده بقطر، والتي أذيعت على موجات الإذاعة مساء يوم 19/3/1937: "ما احلى وقوفنا يوم عرفات/ ودخولنا في روضة الهادي. ورحنا ويانا حاجات/ واليسر في الركب يحادي. الحمد لك يا رب/ وفقت "طلعت حرب". أنشأ بواخر مصرية/ "كوثر" و"زمزم" في الميه. يمشوا على كفوف الراحة/ والشيلة دايماً مرتاحة".
وفي سنة 1938، كلفت الإذاعة المصرية المطرب الشاب فريد الأطرش، بأن يقوم بتلحين أغنية "محمل الحج" لبديع خيري. فقام الأطرش بتلحينها على مقام البياتي، ثم غناها بنفسه في الإذاعة لأول مرة في مساء 12/11/1938. وقد ضاع هذا التسجيل الصوتي فيما ضاع من ثروة هائلة، ولم يُحفَظ هذا العمل، مثل غيره، إلا إشارة في مجلة "الراديو المصري"/ ثم تسجيل صوتي للأغنية ذاتها بصوت شقيقته الفنانة أسمهان، حيث تعد "أغنية المحمل" حتى الآن من أروع أغاني الحج، ويقول مطلعها: "عليك صلاة الله وسلامه/ شفاعة يا جد الحسنين. دا محملك رجعت أيامه/ هنيه واتهنت به العين".
اقــرأ أيضاً
وفي أربعينيات القرن الماضي، كثرت الأغاني التي أشرفت الإذاعة على إنتاجها بصورة كبيرة، وكان الملحن والمطرب، أحمد عبد القادر، صاحب النصيب الأكبر من المشاركة في تلك الأعمال. بينما أطرف أعمال هذا العصر، هو اشتراك مؤلف مسيحي وملحنة مطربة مسيحية في تقديم أغنية عن الحج إلى مكة، فقصيدة "هذا الحجيج أقبل" نظمها شاعر يدعى جبران كويني، وقامت الفنانة اللبنانية لور دكاش، بتلحينها وغنائها.
وفي أواخر 1949، غنت نجاة علي ثلاثة عشر بيتاً من قصيدة "إلى عرفات"، من كلمات أحمد شوقي، وألحان عبد الفتاح بدير. وضاع تسجيلها، وهي التي غنتها أم كلثوم سنة 1951، من ألحان رياض السنباطي، ويقول مطلعها: "إلى عرفات الله يا خير زائرٍ/ عليك سلام الله من عرفات".
أما فترة الخمسينيات؛ فقد خلدت السينما المصرية بعض أغنيات الحج، ففي سنة 1950 عرض فيلم "أفراح"، وفيه غنت الفنانة اللبنانية، ألكسندرا بدران، الشهيرة بنور الهدى، أغنية من كلمات حسن توفيق، وألحان عبد العزيز محمود، وتقول: "مبروك يا حاج وعقبالنا/ نحجها ويرتاح بالنا. يا مسعدك زرت الكعبة/ وطفت بالصفا والمروة. يا ريتنا كنا معاك صحبة/ ومن عيون زمزم تروى".
اقــرأ أيضاً
ويُعزى الفضل في كثيرٍ من تراث الحج الغنائي لتلك الشركة التي أسسها بنك مصر سنة 1925، مع "شركة الملاحة المصرية". وكانت الثانية قد وفرت باخرتين هما "كوثر" و"زمزم" لنقل الحجاج من ميناء السويس إلى ميناء جدة. وسخرت "شركة مصر للتمثيل والسينما" إمكاناتها لإنتاج مجموعة من أغنيات الحج، واستعانت بمجموعة من الملحنين المشايخ لتنفيذ المهمة مثل: زكريا أحمد وأحمد عبد القادر ومحمد الكحلاوي. وكان الكحلاوي قد قام بمفرده بتأليف وتلحين وغناء واحدة من أشهر تلك الأغنيات بعنوان "اشتياق الحجيج" سنة 1936.
ووفقاً لمجلة "الراديو المصري"؛ كانت أول حفلة أنتجتها شركة مصر ونقلتها الإذاعة المصرية مباشرة، مساء الثلاثاء 5/1/1937 تحت عنوان "حفلة بنك مصر". وتضمنت الحفلة مجموعة من أغاني الحج للمطربة نجاة علي، وهي: أغنية "ذهاب الحجيج" وأنشودة "عودة الحجاج"، وكلاهما من تأليف بديع خيري، وتلحين زكريا أحمد، وموال "سيري يا زمزم"، وموال "يا اللي انت رايح تحج البيت". تقول كلمات أغنية "ذهاب الحجيج": صون يا نبي حجاجك/ نالوا الشفاعة بيك. ويا بحر هدّي أمواجك/ "زمزم" و"كوثر" فيك. مع السلامة ياللي صاريكي/ رافع رايتنا الخضرا لفوق. يا حتة من أوطان أهاليكي/ تهون الغربة والشوق". ومن الواضح، أن هذه الأغنية تضمنت دعاية للباخرتين "زمزم" و"كوثر" التابعتين لشركة الملاحة المصرية، مع الزج بعلم المملكة المصرية الأخضر في الأغنية، وذلك وفقاً لرغبات الإنتاج.
هذه الروح الدعائية استمرت في عدد من الأغاني الأخرى بصورة أكثر وضوحاً. فتقول أغنية حياة محمد عن عودة الحجاج، من كلمات يونس القاضي وألحان عبده بقطر، والتي أذيعت على موجات الإذاعة مساء يوم 19/3/1937: "ما احلى وقوفنا يوم عرفات/ ودخولنا في روضة الهادي. ورحنا ويانا حاجات/ واليسر في الركب يحادي. الحمد لك يا رب/ وفقت "طلعت حرب". أنشأ بواخر مصرية/ "كوثر" و"زمزم" في الميه. يمشوا على كفوف الراحة/ والشيلة دايماً مرتاحة".
وفي سنة 1938، كلفت الإذاعة المصرية المطرب الشاب فريد الأطرش، بأن يقوم بتلحين أغنية "محمل الحج" لبديع خيري. فقام الأطرش بتلحينها على مقام البياتي، ثم غناها بنفسه في الإذاعة لأول مرة في مساء 12/11/1938. وقد ضاع هذا التسجيل الصوتي فيما ضاع من ثروة هائلة، ولم يُحفَظ هذا العمل، مثل غيره، إلا إشارة في مجلة "الراديو المصري"/ ثم تسجيل صوتي للأغنية ذاتها بصوت شقيقته الفنانة أسمهان، حيث تعد "أغنية المحمل" حتى الآن من أروع أغاني الحج، ويقول مطلعها: "عليك صلاة الله وسلامه/ شفاعة يا جد الحسنين. دا محملك رجعت أيامه/ هنيه واتهنت به العين".
وفي أربعينيات القرن الماضي، كثرت الأغاني التي أشرفت الإذاعة على إنتاجها بصورة كبيرة، وكان الملحن والمطرب، أحمد عبد القادر، صاحب النصيب الأكبر من المشاركة في تلك الأعمال. بينما أطرف أعمال هذا العصر، هو اشتراك مؤلف مسيحي وملحنة مطربة مسيحية في تقديم أغنية عن الحج إلى مكة، فقصيدة "هذا الحجيج أقبل" نظمها شاعر يدعى جبران كويني، وقامت الفنانة اللبنانية لور دكاش، بتلحينها وغنائها.
وفي أواخر 1949، غنت نجاة علي ثلاثة عشر بيتاً من قصيدة "إلى عرفات"، من كلمات أحمد شوقي، وألحان عبد الفتاح بدير. وضاع تسجيلها، وهي التي غنتها أم كلثوم سنة 1951، من ألحان رياض السنباطي، ويقول مطلعها: "إلى عرفات الله يا خير زائرٍ/ عليك سلام الله من عرفات".
أما فترة الخمسينيات؛ فقد خلدت السينما المصرية بعض أغنيات الحج، ففي سنة 1950 عرض فيلم "أفراح"، وفيه غنت الفنانة اللبنانية، ألكسندرا بدران، الشهيرة بنور الهدى، أغنية من كلمات حسن توفيق، وألحان عبد العزيز محمود، وتقول: "مبروك يا حاج وعقبالنا/ نحجها ويرتاح بالنا. يا مسعدك زرت الكعبة/ وطفت بالصفا والمروة. يا ريتنا كنا معاك صحبة/ ومن عيون زمزم تروى".