10 ابريل 2019
أفريقيا وتحديات قمّة أديس أبابا
ما يجعل أعمال القمة الأفريقية الثلاثين التي انعقدت، أخيراً، في أديس أبابا بمشاركة 55 دولة، مميزة إلى حدٍّ ما، إعلان الدول الأفريقية فيها الانتصار في معركة مكافحة الفساد نهجاً مستداماً. جاء ذلك بعد عامين من اقتراح مماثل لإيجاد حلول للخسائر الناجمة عن الفساد (نحو 50 بليون دولار سنوياً). وأغلب البيانات الواردة من المنظمات الدولية للسنوات الماضية بشأن التعامل مع الفساد، أثبتت أنّ الدول الأفريقية، خصوصاً جنوب الصحراء، حققت أقل النقاط بين كل المناطق النامية، بسبب مساهمة احتكار السلطة في تفشي المحسوبية والفساد، وبالتالي إعاقة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أُثير الخلاف في القمة حول عدد من القضايا قبل حسمها، وهي انتخاب رئيس رواندا، بول كاغامي، الذي استلم رئاسة الاتحاد الأفريقي للدورة الجديدة. ومشروع إصلاح الاتحاد الأفريقي الذي تقدم به كاغامي، حيث تم التوافق على أن يقوم الإصلاح على ثلاث نقاط: عقلنة مجال تدخل الاتحاد الأفريقي، سيما بشأن السلم والأمن والشؤون السياسية والتكامل الاقتصادي، ووسائل تمكين أفريقيا من إيصال صوتها إلى الساحة الدولية. إعادة تعديل مؤسسات الاتحاد وتحسين تقسيم العمل بين الاتحاد الأفريقي والمنظمات والمؤسسات الإقليمية. التمويل الذاتي للاتحاد الأفريقي، والذي يتضمن أن تدفع كل دولة 0.2% من دخلها القومي سنوياً له، ليتسنى له القيام بمهامه المختلفة.
أما البنود التي لم يتم تنفيذها في القمم السابقة، وتم ترحيلها إلى القمة الأخيرة فهي: مكافحة
الإرهاب، وتنفيذ رؤية الاتحاد الأفريقي الاقتصادية الكبيرة (أجندة 2063)، والتي تتمثل في خطة على مستوى القارة لتسريع التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بالتوازي مع التعبير عن صوت أفريقيا على الصعيد العالمي. وجهود إقامة منطقة للتجارة الحرة في القارة، وبعض أمنيات الوحدة في وضع بند تسهيل التنقل بين دول القارة بدون تأشيرة.
في سياق مكافحة الإرهاب في أفريقيا، هناك ثلاثة مسارات، لابد وأن تتحقق في أقرب وقت ممكن. يتمثل الأول في العمل وفقاً لمعايير مشتركة، فما زالت دول أفريقية عديدة في حاجة إلى تحسين دفاعاتها وتنفيذ اتفاقيات مكافحة الإرهاب الست عشرة التي أبرمتها الأمم المتحدة، بما في ذلك المعاهدة الخاصة بعدم تمويل الإرهاب. المسار الثاني، تقليص احتمالات نجاح الإرهابيين في الحصول على أسلحة الدمار الشامل، ما يتطلّب قدراً أعظم من التعاون الدولي. ولتحقيق هذه الغاية، يعتزم الاتحاد الأفريقي على نحو وثيق مع شركائه، تقديم الدعم إلى مركز مكافحة الإرهاب التابع للاتحاد الأفريقي في الجزائر. المسار الثالث، على المجتمع الدولي بذل مزيد من الجهد فيما يتصل بمعالجة النزاعات التي يسعى الإرهابيون إلى استغلالها. فما زالت مناطق النزاعات الأفريقية تشكل خطاً أمامياً حرجاً في مكافحة الإرهاب.
أما قضية الوحدة فعلى الرغم من اسم المنظمة الموحي، إلّا أنّ موضوعها الذي يطرأ في عالمٍ
يتجه نحو التشرذم يجعل منها موضوعاً خلافياً. فقد أدى تفكك الوحدة الوطنية إلى تدعيم نمط الصراعات، لتتسم بها دول القارة في توصيفها في الأدب السياسي العالمي. وخلال القرن العشرين، وعلى أزمنة متفاوتة، مثّلت دولٌ أفريقية بؤراً للصراعات المسلحة، ما أعاق استثمارات أجنبية ومحلية كثيرة، وعطّل تشكيل المؤسسات اللازمة لنجاح التنمية الاقتصادية.
وليس الحاضر وحده، وإنّما التاريخ أيضاً، يحفظ كثيراً من أسباب الفُرقة بين شمال القارة وجنوبها، فمطبات الانقسام البارزة وما يفرّق منها أكثر مما يجمع. ظلّ إرث الحدود المرسومة من قِبل الاستعمار، والمركزية السياسية المحدودة، من الأسباب التي أدت إلى استمرار التشرذم في أفريقيا، مدعومة بالتنوع اللغوي والتقسيمات العرقية. ونتيجة لذلك استمرت التبعية القبلية في إعاقة نشوء هويات وطنية موحدة. فضلاً عن احتكار السلطة حتى بين زعماء التحرير الذين ناهضوا الاستعمار، فكثيراً ما كانوا يستأثرون بالسلطة عقوداً طويلة، بناءً على حشد مناصريهم وتعاطفهم.
وفي مواجهة الأزمة نفسها، هناك خصومة غير مرئية بين السود المنتمين إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء وسكان القارة في الشمال تعّقد من احتمالات قيام أي اتحاد بين الجانبين. والفكرة التي كانت تراود كثيرين داخل المنظمة، وعبّر عنها رئيس الكونغو الراحل، موبوتو سيسيكو، هي المطالبة باستبعاد دول الشمال الأفريقي، والتي تتباهى بأصولها العربية، من منظمة الوحدة الأفريقية. وأشار موبوتو في مطالبته إلى إعلان جمال عبد الناصر مصر جمهورية عربية، في نكران حقيقة أنّ الفراعنة والملكات الذين حكموا مصر ثلاثة قرون قبل الميلاد كانوا من "أرض كوش" التي تبدأ من السودان الحالي جنوباً وحتى جنوب مصر. كما أنّ المغرب الذي كان يحلم بعضوية الاتحاد الأوروبي ترك منظمة الوحدة الأفريقية في 1984، قبل أن يعود إليها أخيراً.
وإن كانت الوحدة في ظلّ هذا التنوع مصدراً للثراء وليس الخصومة، إلّا أنّ الزعماء الأفارقة، وأغلبهم ديكتاتوريون، لا يؤيدون بشكلٍ جاد الوحدة الأفريقية الحقيقية، حيث لا مصلحة لهم في ذلك، وإنّما يستمدون قوتهم واستمراريتهم من الانقسام الذي تعاني منه القارة. ولذلك، لا بد وأن ينبع حلم أفريقيا الموحّدة من القاعدة الشعبية، ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني القائمة.
أُثير الخلاف في القمة حول عدد من القضايا قبل حسمها، وهي انتخاب رئيس رواندا، بول كاغامي، الذي استلم رئاسة الاتحاد الأفريقي للدورة الجديدة. ومشروع إصلاح الاتحاد الأفريقي الذي تقدم به كاغامي، حيث تم التوافق على أن يقوم الإصلاح على ثلاث نقاط: عقلنة مجال تدخل الاتحاد الأفريقي، سيما بشأن السلم والأمن والشؤون السياسية والتكامل الاقتصادي، ووسائل تمكين أفريقيا من إيصال صوتها إلى الساحة الدولية. إعادة تعديل مؤسسات الاتحاد وتحسين تقسيم العمل بين الاتحاد الأفريقي والمنظمات والمؤسسات الإقليمية. التمويل الذاتي للاتحاد الأفريقي، والذي يتضمن أن تدفع كل دولة 0.2% من دخلها القومي سنوياً له، ليتسنى له القيام بمهامه المختلفة.
أما البنود التي لم يتم تنفيذها في القمم السابقة، وتم ترحيلها إلى القمة الأخيرة فهي: مكافحة
في سياق مكافحة الإرهاب في أفريقيا، هناك ثلاثة مسارات، لابد وأن تتحقق في أقرب وقت ممكن. يتمثل الأول في العمل وفقاً لمعايير مشتركة، فما زالت دول أفريقية عديدة في حاجة إلى تحسين دفاعاتها وتنفيذ اتفاقيات مكافحة الإرهاب الست عشرة التي أبرمتها الأمم المتحدة، بما في ذلك المعاهدة الخاصة بعدم تمويل الإرهاب. المسار الثاني، تقليص احتمالات نجاح الإرهابيين في الحصول على أسلحة الدمار الشامل، ما يتطلّب قدراً أعظم من التعاون الدولي. ولتحقيق هذه الغاية، يعتزم الاتحاد الأفريقي على نحو وثيق مع شركائه، تقديم الدعم إلى مركز مكافحة الإرهاب التابع للاتحاد الأفريقي في الجزائر. المسار الثالث، على المجتمع الدولي بذل مزيد من الجهد فيما يتصل بمعالجة النزاعات التي يسعى الإرهابيون إلى استغلالها. فما زالت مناطق النزاعات الأفريقية تشكل خطاً أمامياً حرجاً في مكافحة الإرهاب.
أما قضية الوحدة فعلى الرغم من اسم المنظمة الموحي، إلّا أنّ موضوعها الذي يطرأ في عالمٍ
وليس الحاضر وحده، وإنّما التاريخ أيضاً، يحفظ كثيراً من أسباب الفُرقة بين شمال القارة وجنوبها، فمطبات الانقسام البارزة وما يفرّق منها أكثر مما يجمع. ظلّ إرث الحدود المرسومة من قِبل الاستعمار، والمركزية السياسية المحدودة، من الأسباب التي أدت إلى استمرار التشرذم في أفريقيا، مدعومة بالتنوع اللغوي والتقسيمات العرقية. ونتيجة لذلك استمرت التبعية القبلية في إعاقة نشوء هويات وطنية موحدة. فضلاً عن احتكار السلطة حتى بين زعماء التحرير الذين ناهضوا الاستعمار، فكثيراً ما كانوا يستأثرون بالسلطة عقوداً طويلة، بناءً على حشد مناصريهم وتعاطفهم.
وفي مواجهة الأزمة نفسها، هناك خصومة غير مرئية بين السود المنتمين إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء وسكان القارة في الشمال تعّقد من احتمالات قيام أي اتحاد بين الجانبين. والفكرة التي كانت تراود كثيرين داخل المنظمة، وعبّر عنها رئيس الكونغو الراحل، موبوتو سيسيكو، هي المطالبة باستبعاد دول الشمال الأفريقي، والتي تتباهى بأصولها العربية، من منظمة الوحدة الأفريقية. وأشار موبوتو في مطالبته إلى إعلان جمال عبد الناصر مصر جمهورية عربية، في نكران حقيقة أنّ الفراعنة والملكات الذين حكموا مصر ثلاثة قرون قبل الميلاد كانوا من "أرض كوش" التي تبدأ من السودان الحالي جنوباً وحتى جنوب مصر. كما أنّ المغرب الذي كان يحلم بعضوية الاتحاد الأوروبي ترك منظمة الوحدة الأفريقية في 1984، قبل أن يعود إليها أخيراً.
وإن كانت الوحدة في ظلّ هذا التنوع مصدراً للثراء وليس الخصومة، إلّا أنّ الزعماء الأفارقة، وأغلبهم ديكتاتوريون، لا يؤيدون بشكلٍ جاد الوحدة الأفريقية الحقيقية، حيث لا مصلحة لهم في ذلك، وإنّما يستمدون قوتهم واستمراريتهم من الانقسام الذي تعاني منه القارة. ولذلك، لا بد وأن ينبع حلم أفريقيا الموحّدة من القاعدة الشعبية، ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني القائمة.