خلص مسح جديد في بريطانيا إلى أنّ أكثر من ألف طبيب يخطّطون للتخلّي عن العمل لدى خدمات الصحة العامة، وذلك بسبب طريقة تعامل الحكومة مع جائحة كورونا، وشعورهم بالإحباط بشأن رواتبهم.
ويفكّر هؤلاء الأطباء إمّا في السفر إلى الخارج، أو أخذ فترة استراحة وظيفية، أو الانتقال إلى العمل في المستشفيات الخاصة، أو الاستقالة والعمل كطبيب احتياط أو بديل. ويأتي ذلك، وسط قلق متزايد حول الصحة العقلية ومستويات التوتر في المهنة.
وفي هذا الشأن، تقول سامانثا بات راودن، رئيسة "جمعية الأطباء في المملكة المتحدة"، التي أجرت البحث، إنّ أطباء خدمات الصحة العامة خرجوا من هذا الوباء منهكين ومحبطين. وأضافت أنّ العدد الكبير من الأطباء الذين يقولون إنهم سيغادرون خدمات الصحة العامة، في غضون سنة أو ثلاث سنوات، يفعلون ذلك، نتيجة فشل الحكومة المروّع في تقدير الأطباء في البلاد. وتكمل: "هؤلاء متخصّصون متفانون، وضعوا حياتهم على المحك مراراً وتكراراً للحفاظ على سلامة المرضى في خدمات الصحة العامة. وربما نكون على وشك فقدانهم".
وقد استجاب 1،758 طبيباً في جميع أنحاء المملكة المتحدة، للاستطلاع الذي أجرته جمعية الأطباء في المملكة المتحدة، عبر الإنترنت بين أعضائها. وسألت: "هل أثّر الوباء والعلاج الحكومي لأطباء الخطوط الأمامية أثناء الوباء على قرارك بالبقاء أو مغادرة خدمات الصحة العامة؟"
وبحسب ما أوردت صحيفة "ذا غارديان"، اليوم، فإنّ ما يقرب من 69% قالوا إنّ ذلك جعلهم يفكرون أكثر في ترك الخدمات الصحية، بينما قال 26% إنّ ذلك لم يؤثّر عليهم.
وعندما سُئلوا: "أين ترى نفسك تعمل في غضون سنة أو ثلاث سنوات؟"، قال ما يقرب من 65% إنّهم سيغادرون خدمات الصحة العامة.
وقد أثار هذا الاستطلاع قلقاً متجدداً بشأن نقص الموظفين في خدمات الصحة العامة، إذ إنّ هناك وظائف شاغرة لهذه الخدمة في إنكلترا، يصل عددها إلى 8278 طبيباً، وفقاً لأحدث الأرقام الرسمية.
وبحسب جمعية الأطباء في المملكة المتحدة، فإنّ السبب الرئيسي للتخطيط للاستقالة من خدمات الصحة العامة، والذي أشار إليه 74 في المائة من المشاركين، هو عدم توفّر الشروط الفعلية لزيادة الأجور. مع العلم أنّ الحكومة أعلنت مؤخراً عن زيادة في الأجور بنسبة 2.8 في المائة، للعديد من الأطباء في إنكلترا، بما في ذلك الاستشاريون، بيد أنّ هذه الزيادة لا تشمل الأطباء المتدرّبين ومعظم الأطباء العامين، أي العاملين في قطاع خدمات الصحة العامة.
أمّا العوامل الرئيسية الأخرى فتضمنّت الافتقار إلى معدّات الحماية الشخصية 65%، وعدم السماح للأطباء بالتحدث علناً إلى الناس 54%، وإلغاء الوعود المقدّمة لموظّفي خدمات الصحة العامة أثناء الوباء، مثل مواقف مجانية للسيارات 46%، فضلاً عن تأثير الأزمة على صحتهم النفسية 45%.
وقال أحد الأطباء: "أشعر بأنّ الحكومة تعتبر عمّال خدمات الصحة العامة بمثابة علف للمدافع بشكل عام. رواتب رديئة، ظروف سيئة، معدّات الوقاية الشخصية غير كافية، وعود واهية قدّمت لتحقيق مكاسب سياسية. بعد أكثر من 20 عاماً في الخطوط الأمامية، أصبحت منهكاً ومريضاً".
وقال طبيب آخر، من إحدى دول الاتحاد الأوروبي، إنهم يخطّطون للعودة إلى ديارهم نتيجة الفشل الذريع، بشأن الضرائب المرتفعة المفروضة على معاشات أطباء خدمات الصحة العامة، وكراهية الأجانب، والاستهزاء الأسبوعي على الأقل بلهجتي (من قبل الزملاء الاستشاريين وغيرهم من الموظفين). وأضاف: "أنا متأكد تماماً من أنني أتّخذ القرار الصحيح، ولكنني حزين أيضاً لترك النظام الذي على الرغم من كل شيء، لا يزال يوفّر مثل هذه الرعاية الكبيرة. لكنني انتهيت من التضحية بصحتي العقلية والجسدية من أجل ذلك".
بدوره، قال جاستن ماديرز، من حزب العمال، وهو وزير الصحة في حكومة الظل: " ليس غريباً أن يدفع تعامل الحكومة السيئ مع الوباء بالعديد من الأطباء إلى التفكير في المغادرة. على خلفية سنوات من ضبط الأجور، يبدو أنّهم يشعرون بأنّ جهودهم الأخيرة في مكافحة فيروس كورونا لا تحظى بالتقدير ".
في المقابل، قالت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إنها: "فخورة للغاية بموظفي خدمات الصحة الوطنية، وإنّها تريد أن يتمكن جميع الموظفين من العمل بمرونة والوصول إلى الدعم العملي والعاطفي الذي يحتاجون إليه لرعاية صحتهم الجسدية والعقلية". وأضافت أنّ خطة العاملين في خدمات الصحة الوطنية، التي نُشرت الشهر الماضي، تبيّن التزامها بجعل خدمات الصحة الوطنية المكان الأفضل للعمل.
وقال المتحدّث باسم وزارة الصحة: "لقد عملنا بلا كلل لتقديم معدات الوقاية الشخصية لحماية الأشخاص في الخطوط الأمامية، وسلّمنا أكثر من 3.1 مليارات عنصر، وأكثر من 31 مليار طلب من الشركات المصنّعة في المملكة المتحدة والشركاء الدوليين لتوفير إمدادات مستمرة".