ويقول مسؤولون عراقيون وسياسيون، إنّ أكثر من مليون نازح موجودون في مخيمات النزوح، وآخرين يقيمون على نفقتهم الخاصة بمناطق أخرى في منازل مستأجرة، إذ تشترك عدة عوامل تمنعهم من العودة، أبرزها احتلال مليشيات مرتبطة بإيران بلدات ومدناً مختلفة ترفض الانسحاب منها منذ سنوات، أبرزها جرف الصخر ويثرب والعوجة وعزيز بلد والعويسات والنخيب والصينية وقرى البعاج وسنجار ومخمور والقراغول ومناطق أخرى شمال وغربي ووسط العراق، فضلاً عن أسباب تتعلق بتدمير منازلهم كما في الموصل والرمادي وبيجي، وأخرى تتعلق بمشاكل قبلية بسبب تورط أفراد من أسر النازحين بعمليات إرهابية لصالح تنظيم "داعش"، تسببت بمقتل ضحايا من عشائر أو عوائل مجاورة تهدد بالثأر بينما تسعى الحكومة إلى حل هذه الخلافات حالياً.
وكشف أخيراً، عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، عن وجود مليون نازح لا يزالون ينتظرون العودة الطوعية لمناطقهم، موضحاً، في بيان، أنّ "النازحين يعانون من ظروف إنسانية واقتصادية سيئة للغاية تمثلت في النقص الكبير في المواد الإغاثية وتأخر توزيعها وضعف الخدمات، وتردي الواقع الصحي للنازحين وانتشار الأمراض الجلدية والتنفسية بصورة كبيرة، إضافة إلى التخوف الكبير من انتشار فيروس كورونا في مخيمات النازحين، ناهيك عن تردي الواقع التعليمي للأطفال النازحين وتسربهم من المدارس وامتهانهم للتسول".
ووضع الغراوي سلسلة من التوصيات للحكومة في إطار "المبادرة الوطنية للعودة الطوعية" كما سماها، جاء فيها: "تحديد فترة زمنية مدتها 6 أشهر في هذا العام لإعادة النازحين لمناطقهم الأصلية وبصورة طوعية، مع السماح للنازحين بنقل خيامهم والأثاث الخاص بهم، وتوفير تخصيصات مالية كافية لمبالغ منحة العودة الطوعية ضمن موازنة عام (2020) أو عام (2021)، والإسراع في استكمال معاملات التدقيق الأمني للنازحين الراغبين بالعودة إلى مناطقهم الأصلية، إضافة إلى إعمار المناطق المحررة، وتوفير فرص العمل".
في السياق، قال مسؤول مقرب من رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، إنّ "الأخير سعى في الأسابيع الثلاثة الأولى لفتح ملف النازحين والسماح برجوع أعداد كبيرة منهم، وتحديداً الذين باتت مناطقهم آمنة أو أقل خطراً من السنوات السابقة، ولكنه اصطدم بإجراءات الوقاية من كورونا وفرض حظر التجول، ولذلك أرجأ الملف إلى وقت لاحق"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أنّ "الكاظمي قطع وعداً لبعض القوى السياسية العربية السنية بخصوص ملف النازحين، وإعادتهم لمنازلهم.
ولفت المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن "النازحين العراقيين في مخيمات النزوح أقل من مليون نازح، وذلك لأن العام الأخير من فترة حكم حيدر العبادي (يقصد 2018) شهد عودة كبيرة للنازحين إلى ديارهم، ولكن الإخفاق الذي حصل في وقتها، كان بطريقة تعويضهم من أجل إعادة تعمير منازلهم والبنى التحتية لمناطقهم، وذلك بسبب الأزمة المالية واتباع سياسة التقشف الذي فرضته تكاليف الحرب، كما شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من حكومة عادل عبد المهدي عودة لعشرات الآلاف من العراقيين إلى ديارهم"، لافتاً إلى أن "التحدي الذي يواجه الكاظمي حالياً لا يرتبط بتوقيت عودة النازحين، بل ببعض المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة مثل جرف الصخر الذي تمنع المليشيات عودة الأهالي إلى منازلهم فيه".
من جهته، قال عضو تحالف "القوى العراقية" ظافر العاني، إن "ملف النازحين في العراق تعرض لتسويفٍ كبير، لوجود جهات سياسية وأخرى مسلحة تجد نفسها أحياناً تمارس دور الوصي على الأهالي القابعين في المخيمات، وأن هذه الجهات أدرى بالمصلحة العامة، ولذلك فقد تأخرت عودة النازحين بالرغم من انتهاء الحرب على تنظيم "داعش" منذ ثلاث سنوات". وأوضح العاني، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "الملف بحاجة إلى حراك سياسي وإعلامي وضغط برلماني على الحكومة العراقية من أجل تحقيقه، ولا سيما مع بدء موجة الحر في فصل الصيف، والتهديدات الوبائية التي تفشت في عموم البلاد، ولابد من فتح ملفات المختفين قسرياً والمغيبين ومن قضوا في المقابر الجماعية، سواء تلك التي تم العثور عليها أم التي لا تزال تحت الأرض لا أحد يعرف عنها شيئاً".
وأكد أنّ "الجهات التي تمنع عودة النازحين إلى منازلهم، لديها مصالح في بقاء المناطق التي يسيطرون عليها غير قابلة للحياة، وهو ما طرحناه على الكاظمي في أكثر من مرة، وقد أعطى لنا الوعود الكافية بشأن فتح هذا الملف، وننتظر ما ستؤول إليه الأمور وتنفيذ وعوده"، لافتاً إلى أن "العمل الحكومي بشأن هذا الملف لحد الآن غير واضح، ولكن لابد من الإسراع به لأن المخاطر تزداد يوماً بعد يوم على النازحين، خصوصاً مع تسجيل حالات مصابة بفيروس كورونا في بعض المخيمات".
إلى ذلك، بيَّن المحلل السياسي العراقي مؤيد الجحيشي، لـ"العربي الجديد"، أن "النازحين في انتظار عودتهم، وأنهم ليسوا أقل من مليون نازح بل ربما أكثر من هذا الرقم، خصوصاً مع وجود تضارب دائم في بيانات وزارة الهجرة والمهجرين والدوائر المرتبطة بها"، مشيراً إلى أن "بعض المناطق مثل جرف الصخر والعوجة ويثرب وعزيز بلد والعويسات والعلم وغيرها، تسيطر عليها الجماعات المسلحة والمليشيات الموالية لإيران".
وأوضح أن "خيار عودة النازحين في تلك المناطق ليس بيد الحكومة العراقية بل بيد هذه المليشيات التي لديها تعليمات إيرانية بمنع أي عودة إليها، وتفيد التسريبات بأن في هذه المناطق تجري عمليات تصنيع صواريخ وبناء معسكرات تدريبية للمليشيات، إضافة إلى استغلال كافة مواردها، ناهيك عن وجود السجون السرية التي تخفي أسرار المغيبين من أبناء المناطق الشمالية والغربية الذين نزحوا خلال عمليات تحرير العراق من تنظيم داعش".
ولفت إلى أن "الكاظمي من المفترض أن يعرف ما يجري في تلك المناطق التي لم تسمح المليشيات بعودة أهلها إليها، على اعتباره عمل لسنوات رئيساً لجهاز المخابرات"، معتبراً أنّ "عدم فتح الملف خلال فترة حكومة مصطفى الكاظمي، يعني أن الأخير متورط مع هذه الجهات أو متغاض عن جرائمها وأفعالها"، بحسب قوله.