على شاطئ مدينة صور في جنوب لبنان، يستغل بعض الشبان الطقس المشمس ويفترشون الرمال الناعمة. كلّ منهم يحمل هاتفه الذكي ويغرق في نشاط ما عبره: لعبة إلكترونية، أو محادثة، أو تواصل اجتماعي، أو تصفح، أو غير ذلك. لكنّ أحدهم يدعوهم فجأة إلى مباراة لكرة القدم في الملعب الشاطئي، وينجح في إقناعهم بالفعل. يهبّون إلى الملعب وينقسمون إلى فريقين كلّ منهما يتألف من لاعبين، بينما يتولى أحدهم مركز حارس المرمى فيكون خصماً للفريقين معاً، في اللعبة المعروفة باسم "غولر (حارس) مشترك".
مثل هذا التلازم ما بين التقليدي والحديث حاصل في كثير من الأحيان في ألعاب اللبنانيين باختلاف أعمارهم، ولو أنّ الحالتين تسيران بالتوازي ولا تندمجان بالضرورة.
تتحدث الحاجة نعمت (73 عاماً) عن الألعاب التي كانت تعرفها قديماً. تقول لـ "العربي الجديد" إنّ عائلتها التي كانت تسكن في حي الصنائع في العاصمة بيروت، كانت محافظة جداً، لكنّها لم تمنعها من اللعب مع الفتيات والفتية في الحيّ: "كنا كعائلة واحدة تقريباً". أما الألعاب التي تعرفها من أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي فكثيرة. منها "الزقّط" أو "اللاقوط" وهي لعبة نقل حصوات صغيرة من باطن كف اليد إلى ظاهرها، بشرط عدم وقوعها، في تحدٍّ بين لاعبين أو أكثر. ومنها أيضاً "البلبل" و"البرجيس" وشدّ الحبل والأراجيح و"اللقّيطة" (الملاحقة)، و"الغمّيضة" (الاختباء والبحث). كما تشير إلى أنّ الذكور كانوا يلعبون "الكلل".
لعبة شدّ الحبل بالذات تستمر لكن تبتعد عن كونها لعبة شعبية. فحسام (24 عاماً) يؤكد أنّه لعبها قبل سنوات قليلة في الكشافة. هناك تعتبر تقليداً أساسياً مستمراً، حيث يتبارى فيها فريقان من 5 لاعبين أو 10 لكلّ منهما، يقف كلّ فريق عند طرف من الحبل العريض وبينهما خط مرسوم في المنتصف، ليحاول كلّ منهما جذب الفريق الآخر إلى جهته من الخط. يقول حسام لـ"العربي الجديد" إنّه كان فاشلاً في تلك اللعبة بالرغم من أنّه ضخم البنية: "لها تقنيات أخرى لا تعطي الكثير من الاعتبار للوزن، حتى أنّ شخصاً بنصف وزني قد يكون أقوى مني فيها".
لعبة الكلل ما زالت تظهر بين فترة وأخرى بشكل موجات موضة. يحبّ الصغار تلك الزجاجات الدائرية الملونة التي تتنوع أحجامها، فالأكبر منها الذي يوازي حجم حبة الجوز يسمّى "طحبوش". والأكثر رواجاً المتوسط الحجم يسمى "كلة"، أو "طس" إذا كان بلون واحد، أو "طس حلبي" إذا كان أبيض غير شفاف وفيه لونان أو ثلاثة. أما الأصغر فيوازي حجم بذرة الكرز، ويعرف باسم "زغلول".
يذكر أبو أحمد (48 عاماً) أنّه كان يلعب الكلل مع شباب الحي في أواخر الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990). للكلل ألعاب كثيرة، لكنّ لعبتهم بالذات كانت معروفة باسم "صفّية"، يوقف كلّ منهم عملة حجرية (ليرة لبنانية واحدة في ذلك الزمن)، على أرض ترابية قاسية، ويحاولون بمداورة متفق عليها أن يصيبوا الليرات، فمن يصب ليرة يأخذها. ومن يصب كلّة الآخر يخرجه ويأخذ كلّ ما معه من ليرات حتى لو كان الأول لا يملك شيئاً في لحظتها والآخر أصاب كلّ الليرات قبله.
مثل هذه الألعاب المرتبطة بالتراب تندر اليوم خصوصاً مع اختفاء الأراضي البور تدريجياً تحت وطأة التمدد الأسمنتي. يذكر خالد (33 عاماً) بعض تلك الألعاب: "كنّا نراشق بعضنا بالرمل المتحجر. ونستخدم في موسم الزنزلخت النقافة المصنوعة من قارورة بلاستيكية وبالون مطاطي ننقف بها حبوب الزنزلخت الخضراء على بعضنا". لكنّه يتحدث إلى "العربي الجديد" عن لعبتين مميزتين اختفتا. الأولى تستخدم فيها كرة تنس (مضرب)، واسمها "7 بلاطات". فيها تُصفّ أحجار مسطحة سبعة فوق بعضها، ويرمي أحد اللاعبين الكرة فإذا أوقع الحجارة هرب مع فريقه، ولحقهم الفريق الآخر محاولاً إصابتهم بالكرة لإخراجهم. الثانية هي "الشكّة". فيها تُرسَم دائرة قطرها متران تقسّم بحسب عدد اللاعبين إلى حصتين أو ثلاث. يقف كلّ واحد في أرضه ويحمل سكيناً أو خنجراً. ويضرب أرض الآخر، فإذا علقت السكين بترابها، اقتطع منها القسم بخط مستقيم وضمّه إلى حصته من الأرض.
من الألعاب الأكثر انتشاراً في العديد من المراحل تنس الريشة بالمضرب الخشبي. المميز فيها أنّ الكثير من الأشخاص الراشدين ما زالوا يمارسونها صباح كلّ يوم على كورنيش عين المريسة البحري في بيروت. والأكثر تميزاً أنّ نشاطهم بالذات يشهد مشاركة نسائية من مختلف الأعمار، وهي من رياضات الهواء الطلق النادرة في لبنان، التي تشهد مثل هذه المشاركة.