ألف باء.. طبقيّة

20 سبتمبر 2014
يحمل الطفل على ظهره وطأة "أخطاءٍ طبقية" (AFP)
+ الخط -

ثقيلٌ بدل المدارس الخاصة في لبنان. هذه ليست فرادة على الأرجح. نكبة محلية وعربية وربما عالمية.

في اللحظة التي يُقرّر فيها أي ثنائي إنجاب طفل، يتراءى أمام عينيه يوم المدرسة الأوّل. أو هكذا يواسي نفسه. فأوّل ما يراه هو القسط. ذلك الذي يجعل ملامح الوجه مادة لرسامي الكاريكاتور.

قد ينعقد الحاجبان، ومعهما اللسان. وربما تفرغ العينان من البؤبؤين. الخيارات الأخرى مُتاحة. المدارس الرسمية (الحكومية) موجودة وجاهزة لاستقبال الطلاب.

اللوح الأخضر المسنود إلى الحائط شهد على تخريج الكثير من المتفوقين. حالف بعضهم الحظ في الخارج أيضاً.

لكنها أخبارٌ لا تُفرجُ قلوب الأهالي. فجميع الأخبار الإيجابية هذه في مقابل إدراك تعرضهم للسرقة طوال 15 عاماً، لا تقنعهم بضرورة تعديل مواقفهم، أو ربما التريث أكثر.

يختارون الاسم الذي يفتح أبواب الجامعات. ذلك الذي له وقع عبارة "افتح يا سمسم". قد يكون في الأمر طبقية أو ثقة أو كلاهما معاً. للاسم سحره وبيئته.

يُلاحق الأهل الأخيرة أيضاً خلال بحثهم عن المدرسة الأفضل لأبنائهم. هي "البيئة" الحاضنة التي يريدون لها أن ترسم ملامح مستقلة، لا طائفية، متحررة، لا تشبه بيئات الحرب الأهلية، أو بيئات تداعياتها المستمرة حتى اليوم. و"كلّه بحقّه".

والصحيح في كثير من الأحيان، أنهم "يحشرون" أطفالهم في طبقات اجتماعية لا تستوي معهم، ظناً منهم أنهم يفعلون خيراً لأجلهم. ليشعر صغارهم أنهم في حالة صعود على درج طوال الوقت. لكنه لا ينتهي. أو أنهم لن يصلوا إلى قمته أبداً.

حشرٌ كفيلٌ بجرّ ويلات كثيرة على الأطفال، لا ينفع فيها اسم المدرسة أو صيتها في الحد منه. بل تسقط هاتان الصفتان لصالح الصفة الثالثة التجارية.

أما الطفل، فيحمل على ظهره وطأة "أخطاءٍ طبقية" تجاوزتها المدرسة لإيمانها بها ربما. فتترك حقداً في النفوس وتُشوّه ادراك الطفل للعالم.

ذات يوم، نهره الأب مدير المدرسة أمام زملائه في الصف. هذا الطفل الذي كان ينتظر فرصة الظهيرة للعب، وتناول الفطيرة التي أعدّتها له والدته لعجزه عن شراء "منقوشة"، عوقب لأن والده تأخر عن تسديد القسط.

طُرد من الصف. ووقف على قدميه الصغيرتين إلى جانب مكتب المدير طوال ثلاث ساعات.

حادثةٌ "مذلّة" كان هو ضحية للطبقية فيها، ظلّت تطارده. واليوم، بعدما غدا رجلاً وأباً، هو مصر على الاشتراك بـ "الكانتين" (اختياري)، أي وجبات الطعام التي تعدها المدرسة، حتى لا يسأله أحد الأطفال ابنه: لماذا لا تأكل مثلنا؟ ويكون السبب عجز الوالد عن دفع بدل الطعام، علماً أن الطعام الذي تعده والدته أشهى!

المساهمون