وانطلقت مفاوضات الائتلاف، منذ أكثر من شهر، بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل، وضمت حزبها "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الليبرالي الحر" و"الخضر" (يتعارف عليه باسم الائتلاف الجامايكي).
ويعول على شتاينماير ليبرز حنكته السياسية كما الدبلوماسية في وقت سابق، خلال توليه منصب وزير الخارجية، للعمل على تدوير الزوايا بين الأحزاب الألمانية المتصارعة ودفعها للجلوس على طاولة المفاوضات من جديد، وتفادي خيار الانتخابات المبكرة.
وسيعقد الرئيس الاتحادي لهذه الغاية سلسلة من اللقاءات مع رؤساء الأحزاب بين اليوم والغد، بهدف التوصل إلى حل للأزمة الحكومية، التي لم تشهدها البلاد منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية في العام 1949.
وتبرز الحاجة، في هذا الوقت، لضبط المهارات والقدرات لتعزيز الاستقرار الداخلي، والحرص على سمعة ألمانيا على المستوى الأوروبي، كونها ركيزة للاستقرار السياسي والاقتصادي في وسط أوروبا والعالم، بعد أن باتت المستشارة أنغيلا ميركل بالنسبة لكثيرين رمزاً للحكم الرشيد ومرساة للأمان في الأوقات العصيبة.
وفي هذا السياق، يجمع خبراء في الشؤون السياسية الألمانية، أن هناك مسؤولية أكبر من العناد السياسي الآن، على الرغم من التسليم بمبدأ الديمقراطية السائدة في البلاد، ويرون أن على الجميع التصرف بمسؤولية بمعزل عن الطموحات المستقبلية للأحزاب الصغيرة، ويعول هؤلاء على المخرج الذي يمكن أن يصل إليه الرئيس شتاينماير للأزمة، وذلك بإقناعه رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مارتن شولتز، عند لقائه، غداً الأربعاء، في القصر الرئاسي بيلفيو في برلين.
ويعتبر الخبراء أن الرئيس الجدير بالثقة شتاينماير الاشتراكي، الذي شارك في مفاوضات أكثر الملفات سخونة حول العالم، منها اتفاق مينسك وأزمات الشرق الأوسط، بوسعه استنباط الحلول الوسط والتوصل إلى اتفاق يفضي لتشكيل حكومة ائتلافية، من الممكن أن تعيد الائتلاف الكبير "غروكو" إلى الحكم من جديد.
ويبدو أن هناك يقيناً لدى الكثير من الأطراف بأن إعادة الانتخابات قد تكبد الأحزاب الرئيسية المزيد من الخسائر بفعل الاختلاف في وجهات النظر داخل الحزب الواحد حول العديد من الملفات وطريقة التعاطي مع الأزمات، بينها أزمة الحكومة الحالية.
كما يدور حديث عن وجود من يطالب داخل الاشتراكي بالحد من الخسائر التي تتكبدها البلاد والعودة للمشاركة في الحكم، إضافة إلى الخوف من أن يستفيد البديل اليمين الشعبوي من الأزمة بعد أن بينت مفاوضات الجامايكي الطروحات التي تتبناها الأحزاب، والتي يصفها بعضهم بغير المسؤولة وبعيدة كل البعد عن هموم المواطنين ومطالبتهم بالعدالة الاجتماعية.
ولا يخفى أن حزبي الخضر والاشتراكي الديمقراطي، اللذين ارتأيا الخروج إلى صفوف المعارضة سوف يكسبان بعض النقاط، مقابل خسارة الاتحاد المسيحي بزعامة ميركل والاجتماعي المسيحي، الذي اهتزت صورة زعيمه هورست زيهزفر، وسط مطالب بالتنحي لصالح وزير ماليته في ولاية بافاريا ماركوس سودر، إضافة إلى الليبرالي الحر بزعامة ليندنر، المتهم بإفشال مفاوضات الجامايكي.
الجميع ما زال تحت الصدمة لما وصلت إليه الأمور في برلين، بعد أن كان هناك خشية في بداية سنة 2017 في أوروبا من نتائج الانتخابات في هولندا وفرنسا والنمسا، فيما بدا وقتذاك الوضع في ألمانيا أكثر استقراراً، بتوقع أن الفوز سيكون حليفاً للمستشارة ميركل، إلا أنه ما لم يكن متوقعاً أن تصل نتيجة الانتخابات البرلمانية الاتحادية إلى ما وصلت إليه، وأن يدخل حزب البديل إلى البوندستاغ (البرلمان)، ناهيك عن انخفاض مستوى التأييد للأحزاب التقليدية، المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي، مما جعل البلاد تعيش أزمة حكومية حقيقية ربما لا يمكن تصورها في عواصم أوروبا.