تُشكّل قوانين العمل والهجرة المعمول بها حالياً في ألمانيا، عائقاً أساسياً أمام اللاجئين، وهي تحول دون حصول طالبي اللجوء على فرصة عمل مناسبة خلال فترة قصيرة، لا سيما أنّ البتّ بطلباتهم يمتد أحياناً لأشهر عدّة، وهو الأمر الذي أدى إلى رفع بعض الأصوات المطالبة بتعديل قوانين العمل والهجرة لتسهيل عملية الدمج في سوق العمل والمجتمع.
وقد وضعت لهذا الهدف اقتراحات عدّة، منها تلك التي تقدّم بها عدد من الأحزاب، وعلى رأسها حزب الخضر واليسار والاشتراكي الديمقراطي. وترتكز الاقتراحات على اعتماد قانون هجرة يسمح بالاستعانة بقوى عاملة متخصصة تعتمد على نظام النقاط، شبيه بنظام الهجرة الكندي، وتشمل هذه النقاط السن والمؤهلات العلمية والخبرة المهنية، ومن الممكن أن يستفيد منها اللاجئون السوريون من أصحاب الكفاءات، خصوصاً أن من بين الوافدين أعداداً كبيرة من جيل الشباب، وحملة الشهادات الجامعية، وذوي الخبرة في العديد من المجالات.
ومن الأسباب التي تدفع للحث على تعديل القوانين الخاصة بالعمل أيضاً، هو أن وكالة العمل الاتحادية، تقوم وعند توفر فرصة عمل، بالبحث أولاً عن المواطن الألماني ومن ثم الأوروبي، قبل مواطني الدول الأخرى أو طالبي اللجوء، وهذا ما يُفترض تعديله، وإلغاء مدة الـ15 شهراً التي تُعطى فيها الأولوية للمواطن الأوروبي، إضافة إلى تخفيف العقبات البيروقراطية بشكل تدريجي وتسهيل شروط الهجرة، علماً أن التقارير تشير إلى إمكانية استيعاب نحو 6 ملايين شخص حتى عام 2030، أي بمعدل 400 ألف شخص سنوياً.
ويؤكد العديد من رجال الأعمال وممثلي غرف التجارة والصناعة أهمية إدماج المهاجرين في سوق العمل، خصوصاً في قطاعات الخدمات أو تلك التي تتطلب أعمالاً يدوية أو حرفية أو زراعية، لا سيما أن هذه القطاعات تشهد نقصاً هائلاً في عدد المتقدّمين إليها، بعدما أحجم غالبية الألمان عن ممارستها، وتحوّلوا نحو قطاعات أخرى مع التطور الذي شهدته البلاد على مر السنوات الماضية، وحالياً يتم الاعتماد على بعض الأجانب والعمال من دول أوروبا الشرقية، مع ما اصطلح على تسميتها بـ"العمالة الموسمية".
ويشير عدد من الأكاديميين إلى أن إدماج اللاجئين سيساهم في تعزيز اللحمة الاجتماعية أيضاً، لا سيما أن نظام التدريب المهني، والذي يقوم على الدمج بين النظري والعملي لم يعد كذلك يجتذب الألمان من طالبي العمل، وهناك الآلاف من نوع "وظيفة متدرب" شاغرة، بعدما أصبح هناك توجه شبه كلي نحو التعليم الأكاديمي، علماً أن هؤلاء وخلال فترة التدريب يحصلون على مخصصات مالية.
اقرأ أيضاً: ألمانيا تجد طريقها لنادي الكبار من بوابة السياسة والاقتصاد...واللاجئين
ويؤكد معنيون في هذا المجال أن إدماج اللاجئين في سوق العمل سيساهم في سد جزء من النقص الموجود حالياً من خلال متدربين متعطشين للتعلم والعمل وتأمين مستقبل أفضل لهم، شرط التصرف بسرعة، وهذا ما شددت عليه وزيرة العمل الألمانية اندريا نالس خلال مناقشة موازنة عام 2016 في البرلمان. وطالبت موظفي الوكالة الاتحادية للعمل بالتوجه إلى مراكز اللاجئين من أجل إطلاعهم على احتياجات سوق العمل والمؤهلات التكميلية اللازمة لذلك. إلا أن المتابعين يؤكدون أن أولى الخطوات يجب أن تكون بتنظيم دورات لتعليمهم اللغة الألمانية مع التنبه إلى طريقة توزيعهم، والعمل على توطينهم في المناطق التي تسمح لهم بالحصول على فرص عمل ثابتة وليس عزلهم في المناطق البعيدة، لا سيما أن ثلث طالبي اللجوء هم من جيل الشباب ولا تتجاوز أعمارهم 18 عاماً، بحسب ما سبق أن أعلنت وزيرة التعليم الألمانية يوهانا فانكه.
وتشير الأرقام إلى أن معدلات البطالة تراجعت إلى 106 آلاف شخص بالمقارنة مع هذه الفترة من العام الماضي، وفق ما أعلنت الوكالة الاتحادية للعمل بداية هذا الشهر، وذلك مع بدء اللاجئين الذي قدموا خلال الأعوام الأخيرة بالانخراط في سوق العمل، ونتيجة النقص في اليد العاملة الألمانية، وهذا ما أشاد به مدير وكالة العمل يورغن فايزي قائلاً: "نحن نعتقد أننا في وضع يتميز بتطور جديد، وهذا ما يدعو إلى التخلي عن التحفظ تجاه اللاجئين".
في المقابل، ذكرت تقارير صحافية أن ألمانيا ستنفق هذا العام عشرة مليارات يورو (أكثر من 11 مليار دولار) على اللاجئين، بالمقارنة مع ما تم إنفاقه العام الماضي على 203 آلاف لاجئ قدموا إلى البلاد، وقدرت حاجة حكومات الولايات بنصف مليار يورو لتغطية مصاريف تعيين هيئات تعليمية إضافية. كما يشير خبراء إلى أن عدد الوافدين الجدد إلى المدن سيرتفع إلى 150 ألف لاجئ أي بزيادة ثلاثة أضعاف عن الوضع الحالي، علماً أن أكثر من عشرين ألف لاجئ كانوا لا يزالون يسكنون الخيم قبل بدء توافد أفواج اللاجئين من المجر. وبحسب التقديرات التي أُعلن عنها في برلين، فإن تكلفة معيشة كل لاجئ قد تصل إلى 13 ألف يورو (نحو 15 ألف دولار) في الفترة التي يقضيها في البلاد قبل قبول طلب لجوئه، وهي تشمل المأوى والرعاية الصحية والمصاريف الشخصية. وعلى الرغم من هذه الالتزامات المادية، أكدت المستشارة أنغيلا ميركل أن باستطاعة برلين التفوّق على هذا التحدي المادي من دون إضافات على الضرائب لهذا العام بفضل الميزانية المريحة.
اقرأ أيضاً: "هيومن رايتس ووتش" تحدد خمس خطوات لحل أزمة اللاجئين