أمسية عائليّة

29 اغسطس 2016
الأطباق على الطاولة كانت رائعة (فيسبوك)
+ الخط -

تعرفون كيف تبدو المناسبات العائلية.. خطيرة مليئة بالفخاخ. لم أفهم في يوم ما الذي يجعل الناس يفرحون بالأعياد. حاولت جاهدة في ذاك اليوم البليد التظاهر بالنوم، لكنّني لم أفلح. "كيف يمكنها البقاء نائمة؟". صوت من خلف الباب، قبل أن يُفتح الباب وتقف جامدة. كانت تقف واضعة يدَيها في جيبَي تنّورتها. "نايمة يا محروسة؟". كأنّها تبحث عن أسلوب جديد لتعذيبي. "يلا فقت".

"في هذا البيت، لا يُمنح الشخص فرصة للبقاء في السرير إذا رغب في ذلك". قلت في نفسي. "إنّها الأعياد وما تحمله من تفاهة". ارتديت وجهاً شجاعاً ودخلت الى الصالون. كانت أمي تصلي في قرارة نفسها "ألا أضرب بوز في الموجودين"، كما تقول دائماً. لقد كانت محقة. أنا لا أستطيع احتمال فكرة الجلوس مع أي شخص، أكثر من خمس دقائق.

قبلة، اثنتان، ثلاث، أربع، خمس على الخد الواحد. "يا إلهي ما هذا الضيق؟". حول مائدة الطعام، اجتمع أفراد العائلة. الخالة سعاد وابنتها سهى. لطالما ظننت أنّ سهى تعاني طرفاً من الجنون بسبب أمها. لقد كانت الأخيرة تطارد ابنتها بعينَيها كيفما تلفتت. كأنّها تريد أن تبقيها محبوسة فيهما.. لها وحدها. إلى جانبهما، ابن خالي حبيب وخطيبته هند. لحبيب وهند قصة أخرى. هند كما يعرف الجميع، تغار غيرة شديدة على خطيبها. تقدّمت نحو ابن خالي وطبعت قبلة على خدّه. أعترف بخساسة ما فعلت، إلا أنّني كنت في حاجة ملحة إلى بعض التسلية. اصفرّ وجه هند، رأيته يشدّها من قميصها، طالباً منها أن تهدأ. لكنّها انتفضت متمتمة أشياء غير مفهومة.

على كرسي صغير، جلست ليا، ابنة الأعوام الستة. تقدّمت نحوها، كانت عيناها متسمّرتين في صحنها. حاولت مداعبتها، إلا أنها لم تكن تسمعني ولا تشعر بوجودي. كم هي محظوظة! إلى جانبها، كانت تجلس والدتها، الخالة زينة. زينة هي خالتي الصغرى، وأقرب خالاتي إليّ. لقد كانت جميلة جداً وهادئة، بعكسهنّ جميعاً. كانت أقلهنّ قلقاً، وكانت تنظر إلى الجميع بلا مبالاة. ربما لأنها في قرارة نفسها، تدرك جيداً أنّها لا تنتمي إلى أيّ من الفئات الموجودة. ابتسمت لي، فغمزت لها. كانت تلك طريقتنا لإلقاء التحية، نحن المفعمتان بالأمل بطريقة يائسة.

في الجهة المقابلة، خالي فؤاد. هو متديّن، يكره الأغاني والتبرّج. إلى جانبه، زوجته محاسن. أذكر أنّه في مرّة، حلف عليها يمين الطلاق حين سمعها تدندن أغنية لعبد الحليم. في الجوار، الخالة فرح الملقبة بـ"الكئيبة". لخالتي فرح قدرة عجيبة على إضفاء الكآبة إلى أي حديث. يسحرها الكلام عن الأمراض والكوارث والحوادث. ترى المآسي في كل قصة، وتختلق بعضها. لم تعد أخبارها تزعج الآخرين، لأن أحداً لم يعد يصدّقها.

الأطباق على الطاولة كانت رائعة، أكلت يومها دجاجة كاملة.


دلالات