للعام الخامس على التوالي، يقضي السوريون شهر رمضان وسط الحرب. عمليات القتل والتشريد ما زالت مستمرة، في وقت يعاني كثيرون في مناطق عدة من الحصار منذ أكثر من عامين، وقد مات العشرات منهم، بينهم أطفال ومسنون، بسبب الجوع.
هذا العام أيضاً، استقبل أهالي هذه المناطق شهر رمضان بقليل من الأمل. يتناول غالبيتهم وجبة واحدة في اليوم إن توفرت، معتمدين على بعض الحشائش التي تنمو في الحي، والقليل من المساعدات التي تدخل بين الحين والآخر، بالإضافة إلى ما تقدمه بعض مطابخ الخير، التي
توزع وجبات غذائية على العائلات المحاصرة.
ويقول الناشط الإعلامي في جنوب دمشق ثائر الدمشقي لـ "العربي الجديد" إن "الحصار أنهك المدنيين في جنوب دمشق. وخلال العامين الماضيين، مات العشرات جوعاً. واليوم، فإن حياة كثير من الأطفال وكبار السن في خطر جراء سوء التغذية"، لافتاً إلى أن "قدوم شهر رمضان يبعث الأمل لدى كثيرين بأن يجدوا ما يسدون به جوعهم. يسألون عن عناوين المطابخ الخيرية وأوقات توزيع الطعام، ويخشون ارتفاع الأسعار، علماً أنها تعد مضاعفة في المناطق المحاصرة".
يضيف أن "في ريف دمشق الجنوبي ثلاثة مطابخ رئيسية تابعة للمكتب الإغاثي، ويقدّم كل مطبخ ألف وجبة في حال توفر الدعم لشراء المواد الأساسية، أي بمعدل وجبة إفطار واحدة في اليوم للعائلات الأشد فقراً ضمن القوائم الموثقة"، لافتاً إلى أن "الوجبات تتألف أساساً من الرز والبرغل. أما الأكلات الأخرى، فرهن المواد التي يُسمح بإدخالها إلى المنطقة، وتبلغ كلفة الوجبة الواحدة دولاراً واحداً". ويوضح أن أهالي جنوب دمشق يعتبرون المطابخ بمثابة ملاذهم الوحيد، لعدم قدرتهم على شراء المواد الغذائية بسبب ارتفاع أسعارها.
اقرأ أيضاً: دمشق تفقد بهجة رمضانها
بدوره، يقول الناشط أحمد مصطفى في مخيم اليرموك لـ"العربي الجديد" إن "هذه المطابخ أنقذت حياة الناس خلال الفترة الماضية، وكان لها دور إيجابي في توفير الطعام للعائلات العاجزة عن تأمين احتياجاتها، في وقت وصلت نسبة البطالة في جنوب دمشق إلى 90 في المائة". ويلفت إلى أنه "في جنوب دمشق نحو 12 مطبخاً رئيسياً، لكنها لا تعملُ بشكل متواصل بسبب مشاكل الدعم". ويوضح أنه "خلال شهر رمضان، يزداد عمل المطابخ والجهات الخيرية، ويزداد عدد المتبرعين"، موضحاً أن "كلفة الوجبات في المطابخ أقل مما هي عليه في المنازل". يضيف أن "جزءاً كبيراً من الذين يقصدون المطابخ هم العائلات المهجرة من المناطق المجاورة كالذيابية والحسينية وغيرها"، مشيراً إلى أنه "بعد نحو عامين من الحصار، ساء وضع المطابخ لناحية نوعية الطعام والسعي إلى الربح وطريقة التعامل مع الناس". ويتطرق إلى مشكلة أخرى تتعلق بانتقائية العمل لدى المنظمات الإنسانية الي لا تتواجد في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ما يزيد من مأساة الناس، علماً أن جميع الفصائل الجهادية لديها مخزون كبير من المواد الغذائية يكفيها لسنوات".
وعلى بعد كيلومترات عن المناطق المحاصرة في جنوب دمشق، تعاني غوطة دمشق الشرقية من الحصار أيضاً، علماً أنه يقطنها نحو 600 ألف مدني. في السياق، يقول مدير مكتب شبكة شام الإخبارية في دمشق وريفها ثائر الدمشقي، لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع الإنساني في الغوطة المحاصرة سيئ جداً. لم يعد القصف يهدد حياة الأهالي، بل عجزهم عن الحصول على الطعام". يضيف أنه "في رمضان، ينتظر الناس الفرج في ظل زيادة عمل المطابخ الخيرية جراء ازدياد عدد المتبرعين". يضيف أن "العديد من المؤسسات الخيرية جهزت مطابخ رئيسية وفرعية، ويقدّر عدد المطابخ الرئيسية بنحو 25 مطبخاً، علماً أن الإمكانات تختلف بحسب الدعم الذي تتلقاه".
يتابع أن جميع الأهالي في الغوطة بحاجة إلى مساعدة اليوم، "حتى المقتدرون منهم صرفوا مدخراتهم خلال الحصار"، معرباً عن تخوفه من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما سينعكس سلباً على وضع الأهالي والمطابخ. أما الناشط الإعلامي في الغوطة الشرقية حسان تقي الدين، فيقول لـ"العربي الجديد" إنه "سيكون هناك عدد كبير من المطابخ الخيرية، لكن الأهم أن يكون التوزيع عادلاً، ولا يخدش كرامة الأهالي". يضيف أنه خلال "الفترة الماضية، أقدمت بعض المؤسسات على توزيع الوجبات بطريقة مؤذية. وكانوا يصورون طوابير الناس، وخصوصاً الأطفال الذين يحصلون على الوجبات، بالإضافة إلى كبار السن وهم يمدون أيديهم لاستلام الطعام. أيضاً، يجرون المقابلات مع المحتاجين، ويضعون شعارات تمجد الداعمين، وهو أمر مزعج جداً".
ويقول تقي الدين إنه "صار هناك دعاية لهؤلاء الداعمين الموجودين في الخارج"، لافتاً إلى أن "المؤسسات الداخلية تقبل شروط الداعمين، ولو كانت تمس كرامتهم. يريدون فقط الحصول على المال وتنفيذ المشاريع". يضيف: "في وقت سابق، اقترحنا وضع ضوابط للعمل الإغاثي، فيما تعمل رابطة الإعلاميين في الغوطة بشكل جدي لوضع أسس وقواعد للداعمين من دون إذلال الأهالي".
اقرأ أيضاً: رمضان اللاجئين في تركيا... وأمل العودة للوطن