يقول حمدان إنّ "السوافير الشرقية اشتهرت بزراعة الحبوب والخضروات، وفيها مدرسة وجامع. كان لوالدَي منزلَان وأرض كبيرة. عاش أهلي باكتفاء ذاتي من خلال زرع الخضروات والبقوليات، فضلاً عن إنتاج العسل، واللبن، وغيرها الكثير. كانت الحياة جميلة، والكل مشغول بالزراعة، والتعشيب، والحصاد، والتخزين". ويوضح حمدان أنّه "في العام 1948، قام الإنجليز بتقسيم الأرض، إلّا أنّ العرب واليهود لم يقبلوا بذلك. تدخّل شخص وسيط يدعى الكونت بدرادولد، فقام اليهود بقتله. قام الجيش الإنجليزي، حينها، بإعطاء عشر ورقات وصندوق ذخيرة لكل قرية، فيما أعطوا اليهود مدافع، وذخيرة، ورشاشات، وأسلحة مختلفة".
قبل خروج حمدان وعائلته من بلدة السوافير الشرقية الواقعة على الخط الشرقي بين يافا وغزة، بدأ الإسرائيليون بالتقدم نحو مستعمرة آبار تعبية القريبة من بيت عفا، والتي كانت مجاورة لمستعمرة أخرى أطلق عليها في ذلك الحين "نقبة"، وكانت القوات البريطانية في ذلك الوقت تحمي التجمعات والقوافل الإسرائيلية. يضيف الرجل التسعيني أنه "عندما دخل اليهود هاجموا بيت دراس، فتوتّرت الأجواء، وتمكّنا من الانتصار عليهم، حتى عاودوا الهجوم. كانت الروح المعنوية عالية لدى الفلسطينيين، لكنهم اكتشفوا حينها أنهم لا يقاتلون الإسرائيليين فقط، بل القوات البريطانية التي ساندتهم، عندها بدأ الناس بالرحيل". ويلفت حمدان إلى أنّ "البلدة لم تعد قادرة على المجابهة، في الوقت الذي كان فيه الإسرائيليون مدربين على السلاح والدبابات قبل النكبة. أما نحن، فكان يُعدَم أي واحد منّا في حال وُجد معه رصاصة صغيرة".
ويشير حمدان إلى أنّ "مَن خرج من أرضه في ذلك الوقت، اعتقد أنه عائد بعد أسبوع، عند هدوء الأوضاع والأحداث الجارية. توزّعنا في المدن، وتمكّن الإسرائيليون من احتلال القرى. خرجنا إلى مدينة الفالوجا ومكثنا لأشهر، ومن ثم إلى هربيا، ولم نكن نعلم أين ستنقلنا أقدامنا بعدها". ويتابع "سمعنا أنباء في ذلك الوقت عن تقدم الجيش المصري بمساعدة المناضلين، ووصوله إلى المجدل، وأسدود، والفالوجا، وبيت لحم، والقدس. لكن بعد اشتداد الأزمة، امتطينا الدواب، وانتقلنا إلى غزة، مكثنا في مخيم جباليا، وبعدها في مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة."
يتحدث حمدان عن المعاناة التي مروا بها خلال اللجوء من مدينتهم حتى وصولهم لغزة والعذاب الذي عاشوه في التشرد، إلى أن قدّم لهم الجانب المصري خيماً بيضاء، ومنح اللاجئين الدقيق والخضروات، مبيناً أنها كانت الفترة الأقسى في حياته وحياة أسرته. وعلى الرغم من تزايد الألم في قلب التسعيني زرع حب الأرض وأمل العودة في أذهان أحفاده الذين يستمعون ويستمتعون طيلة الوقت بحديثه عن جمالها وخيراتها التي أفقدهم إياها الاحتلال الإسرائيلي، حتى باتوا يؤمنون بالمثل الفلسطيني، "الكبار يموتون لكن الصغار لا ينسون".