تقول الحكاية إنّ مؤسسي دولة إسرائيل لم يشعروا يوماً بدفء خاص تجاه حكام الولايات المتحدة الأميركية، خلال تحضيرهم لتأسيس كيانهم أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، تماماً مثلما لم يتحمس الحكام الأميركيون آنذاك لفكرة إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. بل إن مؤسّسي دولة الاحتلال وجدوا مأواهم وسندهم في دول القارة العجوز. حتى في السنوات الأولى من عمر إسرائيل، لم تكن الدولة العبرية الطفل المدلل لأميركا، لدرجة أن العدوان الثلاثي عام 1956 حصل بالضد من إرادة واشنطن التي هددت رسمياً أطراف العدوان الفرنسي البريطاني الإسرائيلي. شيء ما حصل لتنقلب الحكاية الأصلية، فتصبح إسرائيل خطاً أحمر أميركياً، أمنها القومي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي، وهو ما يمكن أن يبقى موضوع دراسات طويلة لمحاولة الإجابة عن السؤال الأكبر: ما الذي حصل؟
بغض النظر عن لغز انقلاب المشاعر الأميركية تجاه إسرائيل، من حذر شديد إلى ما يشبه التماهي بشكل تصبح أميركا إسرائيلية أكثر من إسرائيل نفسها، فإنّ لنا، كفلسطينيين بالجنسية أو بالهوية القومية أو بالشعور الأممي الرافض للظلم وللاحتلال عموماً، أن ننظر إلى علاقة الدولة الأقوى في العالم، بقضيتنا، من منظارين: إما الاستمرار بالسير في ما لا يجدي إلا بترسيخ مأساتنا العربية وتخلفنا، على نحو ترداد أهازيج "الشيطان الأكبر" و"الموت لأميركا"، أو الاعتراف بأن أميركا هي العالم المصغَّر، وفيه من كل شيء، الصالح كما الطالح؛ فيه دونالد ترامب وفيه إدوارد سعيد، وفيه خصوصاً ما يضني العقل إن حاول فهم شبكة اللوبيات وجماعات الضغط والتكتلات والمصالح المعقدة التي أدركتها الصهيونية باكراً، وعملت بموجبها بشكل تكون النتيجة ما نعرفها اليوم. في الإعلام والثقافة والاقتصاد والفنون، بُذل جهد هائل من يهود أقاموا في الولايات المتحدة بهاجس رئيسي: كيف نصبح جنوداً لكياننا في قلب العالم الجديد؟ كيف نسوّق لروايتنا بشكل حديث وذكي ولا ينفر منه المستهدَف من قبلنا في مركز القرار العالمي؟ كيف نقنع العالم بأن القضية هي فعلاً مسألة تخلف ضد حداثة؟ نموذج غربي ليبرالي وسط الصحراء، لا استعمار كولونيالياً ولا احتلال؟ كيف نقنع سيدة أميركية من أبوين هنديين، اسمها نيكي هايلي، صارت اليوم سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، بأن تكون صهيونية إلى درجة أنها لا تصدق كيف يقول العالم بقرار دولي رقمه 2334، إنه يجدر وقف سياسة الاستيطان؟
في مقابل جيش "المناضلين" اليهود، ظل مهاجرونا العرب في بلاد العم سام بفعالية نضالية تدنو من الصفر. فقد تمكن اليهود الموزعون إلى كل أصقاع الأرض، أن يمزجوا بين الأهداف الاقتصادية لهجراتهم، والغايات السياسية التي تجعل من كل صهيوني سفيراً أصيلاً. أما الهجرات العربية، فكانت غالباً خالية من أي حمولة سياسية، وعندما قرر الجيل الثاني والثالث من العرب الانخراط سياسياً، وجدتَهم، بنسبة كبيرة منهم، في معسكرات أقرب ما تكون إلى الصهيونية، لا بل منظرة لها أحياناً.
اليوم، مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، مع جيش من المساعدين ممن لا تنقصهم الوقاحة واللادبلوماسية في التباهي بصهيونيتهم الصلفة، يحق لأهل فلسطين داخلها وخارجها أن يتحسسوا ما تبقى لديهم من أرض ومن نتف حقوق، وأن يشعروا بحجم الكارثة المقبلة من دون أن ينسوا كيف كانت ولايتا باراك أوباما الأكثر كرماً على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل عسكرياً ومالياً. تأخر الوقت ربما بالنسبة للعرب وللفلسطينيين خصوصاً لكي يعولوا على ممارسة فعل ضاغط من شأنه تغيير قرارات متخذة في إدارة ترامب. العدوان الترامبي اليوم مصيري، في ظل هرولة عربية باتجاه الرئيس الأميركي، يوم أصبحت فلسطين، حرفياً، عبئاً ثقيلاً على معظم الأنظمة العربية التي صارت تعلن تطبيع العلاقات الرسمية مع إسرائيل بلا خجل. ربما يكون الأجدى إعادة فلسطين إلى جدول الأعمال العربي، قبل تفكيك خيوط الشيطان الصهيوني في قلب أميركا.
بغض النظر عن لغز انقلاب المشاعر الأميركية تجاه إسرائيل، من حذر شديد إلى ما يشبه التماهي بشكل تصبح أميركا إسرائيلية أكثر من إسرائيل نفسها، فإنّ لنا، كفلسطينيين بالجنسية أو بالهوية القومية أو بالشعور الأممي الرافض للظلم وللاحتلال عموماً، أن ننظر إلى علاقة الدولة الأقوى في العالم، بقضيتنا، من منظارين: إما الاستمرار بالسير في ما لا يجدي إلا بترسيخ مأساتنا العربية وتخلفنا، على نحو ترداد أهازيج "الشيطان الأكبر" و"الموت لأميركا"، أو الاعتراف بأن أميركا هي العالم المصغَّر، وفيه من كل شيء، الصالح كما الطالح؛ فيه دونالد ترامب وفيه إدوارد سعيد، وفيه خصوصاً ما يضني العقل إن حاول فهم شبكة اللوبيات وجماعات الضغط والتكتلات والمصالح المعقدة التي أدركتها الصهيونية باكراً، وعملت بموجبها بشكل تكون النتيجة ما نعرفها اليوم. في الإعلام والثقافة والاقتصاد والفنون، بُذل جهد هائل من يهود أقاموا في الولايات المتحدة بهاجس رئيسي: كيف نصبح جنوداً لكياننا في قلب العالم الجديد؟ كيف نسوّق لروايتنا بشكل حديث وذكي ولا ينفر منه المستهدَف من قبلنا في مركز القرار العالمي؟ كيف نقنع العالم بأن القضية هي فعلاً مسألة تخلف ضد حداثة؟ نموذج غربي ليبرالي وسط الصحراء، لا استعمار كولونيالياً ولا احتلال؟ كيف نقنع سيدة أميركية من أبوين هنديين، اسمها نيكي هايلي، صارت اليوم سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، بأن تكون صهيونية إلى درجة أنها لا تصدق كيف يقول العالم بقرار دولي رقمه 2334، إنه يجدر وقف سياسة الاستيطان؟
في مقابل جيش "المناضلين" اليهود، ظل مهاجرونا العرب في بلاد العم سام بفعالية نضالية تدنو من الصفر. فقد تمكن اليهود الموزعون إلى كل أصقاع الأرض، أن يمزجوا بين الأهداف الاقتصادية لهجراتهم، والغايات السياسية التي تجعل من كل صهيوني سفيراً أصيلاً. أما الهجرات العربية، فكانت غالباً خالية من أي حمولة سياسية، وعندما قرر الجيل الثاني والثالث من العرب الانخراط سياسياً، وجدتَهم، بنسبة كبيرة منهم، في معسكرات أقرب ما تكون إلى الصهيونية، لا بل منظرة لها أحياناً.
اليوم، مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، مع جيش من المساعدين ممن لا تنقصهم الوقاحة واللادبلوماسية في التباهي بصهيونيتهم الصلفة، يحق لأهل فلسطين داخلها وخارجها أن يتحسسوا ما تبقى لديهم من أرض ومن نتف حقوق، وأن يشعروا بحجم الكارثة المقبلة من دون أن ينسوا كيف كانت ولايتا باراك أوباما الأكثر كرماً على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل عسكرياً ومالياً. تأخر الوقت ربما بالنسبة للعرب وللفلسطينيين خصوصاً لكي يعولوا على ممارسة فعل ضاغط من شأنه تغيير قرارات متخذة في إدارة ترامب. العدوان الترامبي اليوم مصيري، في ظل هرولة عربية باتجاه الرئيس الأميركي، يوم أصبحت فلسطين، حرفياً، عبئاً ثقيلاً على معظم الأنظمة العربية التي صارت تعلن تطبيع العلاقات الرسمية مع إسرائيل بلا خجل. ربما يكون الأجدى إعادة فلسطين إلى جدول الأعمال العربي، قبل تفكيك خيوط الشيطان الصهيوني في قلب أميركا.