أميركا بعد القمة الخليجية الفرنسية
وجّهت عاصفة الحزم ضربة موجعة لإيران وروسيا معاً، بينما تدرك السعودية أن الولايات المتحدة في حالة تردد بين الجانبين، بسبب مصالح واستراتيجيات، من أهمها توقيع الاتفاقية النهائية للنووي الإيراني. وعلى الرغم من تصريحات علنية للدبلوماسية الأميركية بتحميل إيران والحوثيين ونظام بشار الأسد مسؤولية أزمات المنطقة، لكن هناك تدخلات أميركية تحت حجج الوضع الإنساني في اليمن، على الرغم من أنها لم تستخدم الحجج نفسها في سورية من قبل، فقط من أجل وقف عاصفة الحزم في اليمن، بحجة أن أميركا تخشى من تهديد إيران بقيام حرب بحرية شاملة، قد يكون هذا التحجج ظاهرياً، لكن فعلياً، خدمة من أجل الحليف الإيراني.
في الحقيقة، ترى الولايات المتحدة أن لإيران ثقلاً إقليمياً، ومكانة جيوستراتيجية، وقد حسمت أمرها في دمج إيران في الاستراتيجية الكبرى، مع نأي أميركا نفسها عن الصراعات الإقليمية، على الرغم من أنها التي صنعتها، ما يسمى بالفراغ الاستراتيجي المدروس، وستترك القوى الإقليمية تتصارع فيما بينها، ولكن، ضمن حدود تضعها لها، من دون أن ينتصر طرف على طرف آخر. لكن، تبقى أميركا مسؤولة عن حماية الممرات المائية، شرياناً للتجارة العالمية.
وفق هذه الاستراتيجية الجديدة، لا تريد أميركا انتصارا كاملا لعاصفة الحزم، وفي الوقت نفسه، لا تريد استسلاما كاملا من الحوثيين وعلي عبد الله صالح، حتى لا تشعر إيران بأنها مهزومة. لذلك، نجد أن الولايات المتحدة تمرر سياساتها عبر الأمم المتحدة، فديمستورا، مبعوث الأمين العام للمنظمة الدولية إلى سورية، صرح أنه سيدعو إيران إلى جنيف 3. والمبعوث إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، طالب بأن يكون حراً في الذهاب إلى طهران.
بعد رفض أوباما توقيع اتفاقية أمنية مع دول الخليج، لحمايتها من أي عدوان خارجي، عندما زار واشنطن ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، خصوصاً بعد رفع موسكو الحظر عن صفقة الصواريخ لإيران، لما له من تأثير على التوازنات العسكرية في المنطقة، من أجل أن تجعل موسكو طهران لاعباً مركزياً في الشرق الأوسط، وحتى لا تترك واشنطن بمفردها في المنطقة، وبروز قوة الكتلة الخليجية حليف الولايات المتحدة في المنطقة على حساب قوة إيران، ما تمثل بمثابة دخول موسكو حرباً باردة جديدة، حتى تتوقف واشنطن عن التدخل في الحديقة الخلفية لروسيا في أوكرانيا وفي شرق أوروبا، وتود أن تقول موسكو لواشنطن ها نحن نتدخل في حديقتكم الخلفية، الشرق الأوسط، عن طريق الحليف الإيراني، وهو ما يمثل إرباكاً للمشهد في البيت الأبيض الذي بصدد توقيع اتفاقية مع طهران حول النووي الإيراني.
على الرغم من ذلك، اكتفى أوباما بتقديم مزيد من التطمينات لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد المبعوث الخليجي، وإرسال سفن حربية لحماية دول الخليج، لكنه لم يقنع دول الخليج، ما جعل الملك سلمان بن عبد العزيز يتجه مباشرة إلى خيارات أخرى، على الرغم من أن تلك الخيارات لا تمثل استدارة خليجية، لكنها تمثل ضغطاً على واشنطن.
يدرك الملك سلمان التوازنات الجيوستراتيجية، وأن أميركا لا تريد لطهران أن تنضم لدول بريكس ومنظمة شنغهاي، ما يخلق حلفا آسيوياً، سيكون خنجراً في خاصرة أميركا، كما يدرك الملك سلمان أن الولايات المتحدة ستحتضن إيران، حتى تقطع على موسكو أحلامها، ويدرك كذلك أن إيران دولة ثورية تصر على بقاء توسعها الإقليمي، بعد استئناف علاقتها مع الولايات المتحدة، بعد توقيع الاتفاقية النهائية مع الغرب حول النووي الإيراني، تكون فيها دول الخليج الخاسر الأكبر، فعقد الملك سلمان قمة خليجية تشاورية بحضور الرئيس الفرنسي، لأول مرة يحضر فيها رئيس أجنبي، لكنها كانت رسالة ضغط على واشنطن.
خرجت القمة الخليجية الفرنسية بتصريح هولاند عندما قال إن التهديدات التي تواجه الخليج تواجه فرنسا، وقال "علينا التنبه لتصرفات إيران"، و"تجاوزنا تعاون الدفاع إلى تعاونات أخرى، وما مشاركتي في الاجتماع الخليجي إلا علامة على الثقة التي تحظى بها فرنسا"، وأكد أن زيارته السعودية اكتسبت طابعاً استثنائياً، يشمل جميع الجوانب، بينما أكد الملك سلمان في القمة التشاورية أن الأطماع الخارجية تتركز في توسيع النفوذ، وزرع الفتنة الطائفية، ولم يذكر إيران بالاسم.
كما أرادت أميركا، بعد إغضاب حليفها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عندما أكد أوباما لرئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، الذي زار أميركا، وطالب بموافقة أميركا على استقلال كردستان، بينما أصر أوباما على أن العراق فيدرالي ديمقراطي موحد، على الرغم من أن البرزاني وصف اللقاء بأنه ناجح جداً، وأكد أن الاستقلال آت. وقبل هذا اللقاء، أطاح الكونغرس الأميركي مبدأ التوافق في البرلمان العراقي، عندما صوت التحالف الوطني ضد قرار الكونغرس تسليح السنّة والأكراد، والذي أدى إلى انسحاب الأكراد والعرب السنّة.
القمة الخليجية التشاورية بحضور الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قد تكون أفشلت اللعبة الأميركية في اللعب على حبال اليمن وسورية لإرضاء إيران. وقد أعقبها حضور وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى الرياض، وتأكيد القيادة المركزية الأميركية دعمها شركاء الولايات المتحدة في الخليج، وهناك الإعداد لتعاون عسكري أميركي – خليجي غير مسبوق لإقراره في قمة كامب ديفيد، فهل نجح الضغط الخليجي، وانتزع توازنات إقليمية أمنية في ظل التغيرات الجديدة؟
بعد تلك الضغوط، لجأ أوباما إلى استخدام خطط جديدة، يسعى فيها إلى استرضاء دول الخليج بدرع صاروخية لحماية المنطقة من إيران، من أجل تهدئة مخاوف دول الخليج من أي اتفاق نووي مع طهران، خصوصاً وأن الاتفاق هو تقييد وليس وقف البرنامج، الذي يسمح لطهران السعي إلى امتلاك القنبلة النووية، وما تخشاه دول الخليج أن يغلف أوباما أي تعهدات أمنية جديدة بالغموض، بينما تريد دول الخليج ترجمة ذلك إلى خطوات ملموسة.