أميركا تستعيد الملف السوداني من المحور السعودي الإماراتي

14 يونيو 2019
إدارة الملف السوداني عبر السعودية والإمارات أتت بنتائج كارثية(Getty)
+ الخط -
خلص تقرير موسع نشره موقع "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركي، يجمع بين المعلومات الخاصة والتحليل، إلى أن الفض الدموي لاعتصام الخرطوم من قبل عسكر السودان، حلفاء وكلاء أميركا في المنطقة، أي السعودية والإمارات، أدى ولا يزال إلى ظهور تشققات بين واشنطن من جهة، والرياض وأبو ظبي من جهة ثانية، وأن ذلك دفع بواشنطن إلى إعادة تسليم الملف السوداني لوزارة الخارجية وسحب الملف من القيادتين السعودية والإماراتية.

وبحسب التقرير الأميركي، فإن قمع المعسكر الديمقراطي المعارض في السودان، كشف اختلافاً في النظرة إلى التهديدات بين الطرفين (أميركا من جهة وشريكاها الخليجيان من ناحية أخرى)، ذلك أن واشنطن ينحصر قلقها في احتمال نمو التطرف و"الإرهاب المعادي لأميركا"، بينما هموم العاصمتين الخليجيتين تتمحور حول قمع أي نزعة ديمقراطية من شأنها أن تهدد نظاميهما. ونقل تايلور لوك، مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" من عمّان، عن دبلوماسيين عرب على علم بسياسات البيت الأبيض، أن وزارة الخارجية الأميركية استعادت الإشراف على الملف السوداني بسبب قلة اكتراث الرئيس دونالد ترامب والدائرة المحيطة فيه بهذا البلد. ويعتبر التقرير أن تعيين الإدارة الأميركية مبعوثاً خاصاً إلى السودان (هو الدبلوماسي السابق دونالد بوث) يوحي بأن زمن توجيه السعودية والإمارات للسياسات الأميركية في تلك المنطقة الأفريقية، قد أوشك على نهايته.

ويعتبر تقرير"كريستيان ساينس مونيتور" أن السعودية والإمارات فرضتا في السودان وصفتهما المتبعة في مصر وليبيا لوأد موجة التغيير الديمقراطي، أي ترفيع شخصية عسكرية ديكتاتورية تتكفل بقمع أي مطلب ديمقراطي، على غرار ما فعله كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر. وينقل التقرير الأميركي عن مدير مركز القدس للدراسات الاستراتيجية في عمان، عريب الرنتاوي قوله إن "هذه المجازر (فض الاعتصام) تحمل بصمات السعودية والإمارات بشكل كامل، والولايات المتحدة متورطة فيها بسبب توفيرها السلاح والدعم السياسي لكل من الرياض وأبو ظبي".


ويلفت التقرير إلى أنه غداة الفض الدموي للاعتصام، تقصدت وزارة الخارجية الأميركية في نشر خبر الاتصال الهاتفي الذي أجراه مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية دايفيد هايل مع مسؤولين سعوديين وإماراتيين، تحديداً مع نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان ووزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية أنور قرقاش، وهما اتصالان تمحورا حول السودان تحديداً.


وبحسب مصادر دبلوماسية أميركية، فإن الاتصالين أوصلا رسالة للرياض ولأبو ظبي مفادها أن واشنطن ترفض المبررات السعودية والإماراتية للحكم العسكري في الخرطوم. وقال السفير الأميركي السابق، المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، هرمان كوهن، إن الرسالة الأميركية التي تم إيصالها إلى العاصمتين الخليجيتين تفيد بأن أميركا تريد من الرياض وأبو ظبي وقف الدعم للحكم العسكري في السودان. حتى أن الموقع الأميركي ينقل عن دبلوماسيين أميركيين وجود أجواء عامة في واشنطن تعتبر أن هناك ضرورة لتدخل أميركي في الملف السوداني "ينظف الفوضى التي تسببوا بها" (في إشارة إلى المسؤولين السعوديين والإماراتيين)، نظراً للأهمية التي توليها الإدارات الأميركية لموقع السودان في الاستقرار الإقليمي في شمال أفريقيا ودول الساحل، من ضمنها إثيوييا ومصر وتشاد والصومال وصولاً إلى البحر الأحمر، وما قد يتسبب به أي تطور هناك من تهديد لأميركا ولمصالحها.

وهنا يكمن التضارب في المصالح بين أميركا من جهة، وكل من السعودية والإمارات من جهة ثانية، إذ إن المعسكر الخليجي ذاك، يعتبر أن نظاماً عسكرياً في الخرطوم، يكون تابعاً لهما، يضمن استمرار مشاركة السودان في حرب اليمن، ويوفر لبلديهما المنتوجات الزراعية رخيصة الثمن، وهو ما يؤكده جوني كارسن، السفير الأميركي السابق والمساعد السابق لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية في إدارة الرئيس باراك أوباما.

وربط تقرير "كريستيان ساينس مونيتور" ما بين استعادة وزارة الخارجية إدارة الملف السوداني من البيت الأبيض، وبين تسمية دونالد بوث مستشاراً خاصاً للشأن السوداني، وذلك في موازاة وصول مساعد وزير الخارجية الأميركية للشأن الأفريقي، تيبور ناج، إلى الخرطوم، يوم الأربعاء الماضي لحث المجلس العسكري على الدخول في مرحلة انتقال الحكم إلى المدنيين، وهو ما يترجم قناعة واشنطن بأن "دبلوماسية إدارة الملف السوداني عن بُعد من خلال الرياض وأبو ظبي جاءت بنتائج كارثية"، بحسب "كريستيان ساينس مونيتور".

المساهمون