07 نوفمبر 2024
أميركا في سورية لاحتواء روسيا
تنطلق الاستراتيجية الأميركية عالمياً من مواجهة الصين واحتواء روسيا، والضغط على أوروبا. وضمن هذا الإطار، توزَّع "الغنائم" ويُقتسَم العالم بين دوله الأقوى. أميركا تتحرك في العالم على وقع مواجهتها مع الصين ومنذ أكثر من عقد، وهذا مما لم يتغير. كان الوجود الروسي في سورية بموافقة أميركية، وليس بتضادٍ معها، بل وجاء بعد الحلف الأميركي لمحاربة الإرهاب 2014. وبالتالي، هناك تنسيق مستمر بين الدولتين العظميين بخصوص سورية. والخلاف في السياسات والتكتيكات عبر السنوات السابقة، ومنها التصعيد العسكري، وضربات عسكرية هنا وهناك لقوات تابعة للدولتين العظميين، لا يُغير من حقيقة هذا التنسيق. أميركا بسياستها العالمية هذه إذًا، لا ترفض الاحتلال الروسي لسورية، لكنها تحدّد شكل التدخل للروس ولسواهم في سورية. ما زالت أميركا المهيمنة على العالم، وضمن ذلك نفهم استراتيجيات الدول العظمى والإقليمية في سورية.
لم يقل المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، جديداً عما كان يقوله مسؤولون أميركيون سابقون، أي إنهاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وإخراج إيران وإحداث تغيرات في النظام، ولكن جيفري حسم في قضية بقاء أميركا في سورية، ولا سيما بعد الانتهاء من قضايا طُرحت سابقاً، كتفكيك قاعدة التنف، وخروج إيران، ويقابله خروج أميركا من سورية؛ هذه القضايا انتهى الحديث عنها. يكرّر جيفري الآن ما قاله تيلرسون، ويضيف عليه ضرورة الانتهاء من مساري أستانة وسوتشي، والعودة إلى قرار مجلس الأمن 2254 وربما جنيف. وأيضا، يُمهل روسيا للانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية، وبغياب تحقق ذلك، فإن السياسة
الأميركية تريد وضع نهاية للعب الروسي ولمساراته ضمن أستانة وسوتشي، ومناطق خفض التصعيد والهدن والمصالحات، والتي سمحت لروسيا بفرض سيطرة كاملة على مناطق واسعة، وتشمل حلب ودمشق وغوطتيها ودرعا وأغلبية حمص وحماه وأجزاء واسعة من دير الزور، وبالتأكيد كلا من دمشق والسويداء واللاذقية وطرطوس؛ القصد من ذلك أن حدود روسيا الآن مرسومةٌ، وكذلك الأميركان وتركيا، وتُنافس إيران روسيا على مناطق الأخيرة!
كل ما سردناه أعلاه تمّ بالتوافق مع الأميركان، وليس فقط عبر التحالف بين روسيا وتركيا وإيران فقط؛ أميركا التي انفردت بشمال شرقي سورية، وبتحالفٍ وثيقٍ مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (البايادي)، وبنت قواعد عسكرية ونقاط مراقبة على الحدود مع تركيا والعراق، وأجرت توافقات "متعثرة" مع تركيا، أقول إن أميركا هي حجر الأساس في ذلك كله. ولهذا حينما يصرِّح جيمس جيفري بما يخص سوتشي وأستانة ومصير إيران في سورية، فإن روسيا وتركيا وإيران يجدون أنفسهم في "خانة اليك"، أي لا بد من حسم نهائي لقضية الوجود الإيراني في سورية، وحسم مصير إدلب، لجهة تثبيت الاتفاق الروسي التركي بخصوصها، وأيضاً التوافق مع تركيا بخصوص مصير شمال سورية.
تتبنّى أميركا الآن سياسة دقيقة، فشمال سورية لها، بكل خيراته وناسه، وبالتالي لم يعد لروسيا وحلفها الثلاثي تقرير مستقبل سورية، ولم يعد لخيار سوتشي وأستانة أهمية تذكر؛ فقد كان له ذلك لتصفية الفصائل المسلحة، وتقوية الوجود الروسي في سورية بالضد من إيران بالتحديد، وأيضاً لتقوية الوجود التركي في كل من عفرين وجرابلس وبقية المناطق، وتقاسم إدلب بين روسيا وتركيا.
لا يمكن قراءة الموقف الأميركي الجديد كاستراتيجية تتوخى أميركا من ورائها إخراج روسيا من سورية؛ فهذا خطأ كبير في قراءة استراتيجيتها العالمية، وكذلك خطأ في قراءة سياسة الرئيس دونالد ترامب ذاته، حيث يعتمد على فَرضَ سياسات عالمية غير مُكلفة، وإحداث صراعات متعددة في العالم، ثم إن سورية بلدٌ ضعيف، ويمكن استغلال ضعفه في إنشاء قواعد عسكرية ثابتة، وتكون مُكملةً أو بديلة في حال حصلت خلافات واسعة مع تركيا، لكنها مكملة للقواعد العسكرية الموجودة في الخليج خصوصا.
إذاً، أصبح الأميركان ضاغطين أكثر على روسيا، من أجل الانتقال إلى إنهاء الوضع السوري، ومزيد من الضغط على إيران لتحجيم نفوذها، وتفكيك مليشياتها، وتأهيل النظام السوري نفسه
ليتقبل التغيير. تنطلق أميركا من أن ما حدث في سورية عبر ثماني سنوات يسمح لروسيا بفرض سيطرة واسعة على النظام، وأنها قادرةٌ على الضغط عليه ليتقبل التغيير، وإجراء تغييرات جذرية فيه. الرهان هنا الآن، فليس من مبررٍ لاستمرار مسار أستانة واقعياً، ولم يعد مقبولاً استمرار مسار سوتشي أيضاً، وبالتالي، هناك ضرورة لإنهاء موضوع التغيير في سورية والوجود الإيراني فيها. وقد أصبحت أميركا حاسمة في الفكرة الأخيرة، وهناك ضغط أميركي مستمر بخصوصها، وكذلك بخصوص الحل في اليمن واستمرار الضغوط في العراق. وتضاف إلى ذلك كله العقوبات الأميركية على إيران والوضع الاقتصادي المتدهور جداً. تريد أميركا بذلك تهيئة الأجواء العربية من أجل محاصرة إيران.
لا جديد في القول إن الاتفاق بين روسيا وأميركا بشأن سورية هو الذي يُنهي هذا الملف، والتخوف هنا أن تكون الورقة السورية جزءا من أوراق عالمية مختَلَف عليها بين الدولتين. ولكن، هل يمكن لروسيا الاستجابة للشروط الأميركية المذكورة أعلاه؟ وهل يمكن لتركيا التوافق مع أميركا بخصوص قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي والقواعد العسكرية الأميركية الحامية لها؟ غياب تحقق هذه الشروط أعلاه يعني استمرار غياب التوافق بين هذه الدول، وبالتالي: ما هي الاحتمالات المستقبلية في سورية؟
هذا عن التوافقات، وتتضمن أن الجغرافيا السورية مقسمة حاليا بين الدول المحتلة لسورية، وهذا هو واقع سورية حالياً، ولكن هناك مشكلات بين الدول المحتلة هذه، ولم يتم الانتهاء منها بعد، وتتمثّل في خرقٍ مستمر من النظام وإيران لاتفاق إدلب وبتغطيةٍ روسية. وهناك رفض تركي للتوافقات الأميركية مع الأكراد، فبالنسبة لتركيا يُشكل تسليح الأكراد خطراً أمنياً مستمراً ومستقبلياً؛ وأيضاً هناك توافقاتٌ بين إيران وروسيا بخصوص سورية، وتشمل مصالح في سورية وإيران، وليس من السهولة التخلي عنها لصالح إخراج إيران من سورية.
وعلى الرغم من كل الأسئلة أعلاه: هل نضجت الطبخة الروسية الأميركية بخصوص سورية والدول المتدخلة فيها؟ هذا ما ننتظر دخانه الأبيض في الأشهر المقبلة؟
لم يقل المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، جديداً عما كان يقوله مسؤولون أميركيون سابقون، أي إنهاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وإخراج إيران وإحداث تغيرات في النظام، ولكن جيفري حسم في قضية بقاء أميركا في سورية، ولا سيما بعد الانتهاء من قضايا طُرحت سابقاً، كتفكيك قاعدة التنف، وخروج إيران، ويقابله خروج أميركا من سورية؛ هذه القضايا انتهى الحديث عنها. يكرّر جيفري الآن ما قاله تيلرسون، ويضيف عليه ضرورة الانتهاء من مساري أستانة وسوتشي، والعودة إلى قرار مجلس الأمن 2254 وربما جنيف. وأيضا، يُمهل روسيا للانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية، وبغياب تحقق ذلك، فإن السياسة
كل ما سردناه أعلاه تمّ بالتوافق مع الأميركان، وليس فقط عبر التحالف بين روسيا وتركيا وإيران فقط؛ أميركا التي انفردت بشمال شرقي سورية، وبتحالفٍ وثيقٍ مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (البايادي)، وبنت قواعد عسكرية ونقاط مراقبة على الحدود مع تركيا والعراق، وأجرت توافقات "متعثرة" مع تركيا، أقول إن أميركا هي حجر الأساس في ذلك كله. ولهذا حينما يصرِّح جيمس جيفري بما يخص سوتشي وأستانة ومصير إيران في سورية، فإن روسيا وتركيا وإيران يجدون أنفسهم في "خانة اليك"، أي لا بد من حسم نهائي لقضية الوجود الإيراني في سورية، وحسم مصير إدلب، لجهة تثبيت الاتفاق الروسي التركي بخصوصها، وأيضاً التوافق مع تركيا بخصوص مصير شمال سورية.
تتبنّى أميركا الآن سياسة دقيقة، فشمال سورية لها، بكل خيراته وناسه، وبالتالي لم يعد لروسيا وحلفها الثلاثي تقرير مستقبل سورية، ولم يعد لخيار سوتشي وأستانة أهمية تذكر؛ فقد كان له ذلك لتصفية الفصائل المسلحة، وتقوية الوجود الروسي في سورية بالضد من إيران بالتحديد، وأيضاً لتقوية الوجود التركي في كل من عفرين وجرابلس وبقية المناطق، وتقاسم إدلب بين روسيا وتركيا.
لا يمكن قراءة الموقف الأميركي الجديد كاستراتيجية تتوخى أميركا من ورائها إخراج روسيا من سورية؛ فهذا خطأ كبير في قراءة استراتيجيتها العالمية، وكذلك خطأ في قراءة سياسة الرئيس دونالد ترامب ذاته، حيث يعتمد على فَرضَ سياسات عالمية غير مُكلفة، وإحداث صراعات متعددة في العالم، ثم إن سورية بلدٌ ضعيف، ويمكن استغلال ضعفه في إنشاء قواعد عسكرية ثابتة، وتكون مُكملةً أو بديلة في حال حصلت خلافات واسعة مع تركيا، لكنها مكملة للقواعد العسكرية الموجودة في الخليج خصوصا.
إذاً، أصبح الأميركان ضاغطين أكثر على روسيا، من أجل الانتقال إلى إنهاء الوضع السوري، ومزيد من الضغط على إيران لتحجيم نفوذها، وتفكيك مليشياتها، وتأهيل النظام السوري نفسه
لا جديد في القول إن الاتفاق بين روسيا وأميركا بشأن سورية هو الذي يُنهي هذا الملف، والتخوف هنا أن تكون الورقة السورية جزءا من أوراق عالمية مختَلَف عليها بين الدولتين. ولكن، هل يمكن لروسيا الاستجابة للشروط الأميركية المذكورة أعلاه؟ وهل يمكن لتركيا التوافق مع أميركا بخصوص قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي والقواعد العسكرية الأميركية الحامية لها؟ غياب تحقق هذه الشروط أعلاه يعني استمرار غياب التوافق بين هذه الدول، وبالتالي: ما هي الاحتمالات المستقبلية في سورية؟
هذا عن التوافقات، وتتضمن أن الجغرافيا السورية مقسمة حاليا بين الدول المحتلة لسورية، وهذا هو واقع سورية حالياً، ولكن هناك مشكلات بين الدول المحتلة هذه، ولم يتم الانتهاء منها بعد، وتتمثّل في خرقٍ مستمر من النظام وإيران لاتفاق إدلب وبتغطيةٍ روسية. وهناك رفض تركي للتوافقات الأميركية مع الأكراد، فبالنسبة لتركيا يُشكل تسليح الأكراد خطراً أمنياً مستمراً ومستقبلياً؛ وأيضاً هناك توافقاتٌ بين إيران وروسيا بخصوص سورية، وتشمل مصالح في سورية وإيران، وليس من السهولة التخلي عنها لصالح إخراج إيران من سورية.
وعلى الرغم من كل الأسئلة أعلاه: هل نضجت الطبخة الروسية الأميركية بخصوص سورية والدول المتدخلة فيها؟ هذا ما ننتظر دخانه الأبيض في الأشهر المقبلة؟