16 نوفمبر 2024
أميركا لروسيا: لدرعا حساب آخر
انتهى زمن الحروب السهلة في سورية، التي كانت تقرّرها الأطراف المحلية، وتلك التي كانت تديرها الأطراف الإقليمية، وحتى التي أدارتها روسيا منفردة. هي مرحلة وانتهت. ولأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان يعرف هذه الحقيقة، استدعى وكيله في سورية، بشار الأسد، ليطلب منه الاستعداد للبدء في مرحلة جديدة، إطلاق عملية السلام.
لكن، ماذا عن جنوب سورية، درعا والقنيطرة، وعن إدلب وأجزاء من شمال سورية، وعن كامل شرقها؟ ماذا عن المعابر مع الأردن وتركيا وحقول النفط والغاز والقمح والقطن في الجزيرة السورية، ألا تستحق تلك المناطق والبقاع أن يجرّد نظام الأسد الحملات العسكرية لإخضاعها، وإذا بقيت خارج حدود سيطرته، فما الذي ستكون حققته انتصاراته، بمساعدة كل جيوش إيران البرية في المنطقة، وكامل سلاح الجو والصواريخ لثاني قوّة عسكرية في العالم؟
ليس خافياً أن الأسد وبوتين غير راضيين عن هذه النتائج، بعد أن خلصا إلى حكم عاصمةٍ، وبضعة مدن ليس لديها ما تقدمه لهما سوى المطالبة بميزانيات إنفاق لتسيير شؤونها اليومية، وإصلاح الأعطاب الهائلة في بناها التحتية، من دون أن يكون في استطاعتها المساهمة في توفير الموارد التي يحتاجها نظامٌ يعيش على قنوات التغذية التي تمدّها له إيران، في مقابل بيعها أصول سورية الاقتصادية، وجزءا كبيرا من ثروتها التاريخية.
لكن، وبما أن بوتين لم يكن بمقدوره السيطرة على المساحة التي يقف عليها الآن، من دون
إجراء شبكة معقّدة من الترتيبات والوعود للأطراف الإقليمية، بما تضمّنه ذلك من تفاهماتٍ شفوية واتفاقات مكتوبة في أحيان كثيرة (مناطق خفض التصعيد)، وبما أن الدول ليست ساذجةً بالقدر الذي يجعلها تتنازل بالسياسة عمّا حصّلته تحت ضغط النيران، فإن بوتين يدرك مدى صعوبة المرحلة، وخطورة أي حساباتٍ خاطئة.
جرّب، في مرّة سابقة، تغيير المعادلات والخروج عن التوافقات، فكانت مذبحة دير الزور التي قتل فيها مئاتٌ من المرتزقة الروس، ثم لم يستطع إعلام روسيا، بكل قدرته على التحريف والتلفيق، إخفاء الفضيحة، وصمتت الدبلوماسية الروسية في هذا الشأن، ووحدهن أمهات القتلى وزوجاتهم من كشفوا فظاعة الكارثة.
واليوم يبدو أن بوتين يحاول اختبار طريقة مختلفة في درعا، باتباع أسلوب التهويل والوعيد، على فصائل المعارضة. وكانت النية أن يتم إفراغ اتفاق خفض التصعيد من داخله، من دون حاجة إلى إعلان صادم مع القوى الراعية، فقد أرادت روسيا دفع فصائل الجنوب إلى الاستسلام، عبر آلية إجراء المصالحات وتسوية أوضاع الراغبين في البقاء في مناطقهم، وترحيل غير الراغبين إلى إدلب. وعند ذلك الحين، لن تبقى لأميركا، الراعي اتفاق خفض التصعيد، ذريعةً للدفاع عن هذا الاتفاق، ما دام أصحاب الأرض قبلوا بالحل الذي اقترحه الروس عليهم.
واشتغلت مكائن الروس ونظام الأسد لإنجاز الأمر، قبل أن يعي الطرف الأميركي حقيقة ما يجري، واجتمع ضباط قاعدة حميميم، برفقة مخابرات الأسد، مع عشرات الوفود من درعا والقنيطرة وأريافهما، ووضعوا على الطاولة ما حصل في الغوطة الشرقية بكل تفاصيله، من التدمير الذي تنقّل من حي إلى آخر، إلى الضربة الكيميائية، وصولاً إلى التهجير، وكيف أن العالم لم يستطع فعل شيء لفصائل الغوطة وسكانها. كما ضربوا لهم أمثلة القلمون وريف حمص الشمالي، داعين الوفود إلى الاتعاظ بما حصل للغوطة، وتقليد فصائل القلمون وريف حمص الشمالي، والاستفادة من الفرصة المتاحة التي تتضمن ضمانة روسيا اتفاق المصالحة وتسوية الأوضاع.
ولم يتم الاكتفاء بذلك، بل شغّل نظام الأسد منظومة عملائه وخلاياه النائمة في الجنوب، وهم بقايا البعثيين وعملاء المخابرات، بالإضافة إلى أثرياء الحرب الجدد، لتوهين نفسية البيئة
الجنوبية، وتشكيك الأهالي في قدرات الفصائل على مواجهة النظام، ودفعهم إلى البحث عن خياراتٍ بديلة، مثل قبول المصالحة بشروطها المجحفة، وعودة نظام الأسد إلى السيطرة على الجنوب، من منطلق أنها عودة متحقّقة برضى أهل المنطقة أو من دونه، لكن الفارق يبقى في تجنّب درب الآلام أو خوض مخاض عسير يمكن تجنبه.
وأخيراً، جاءت مناورة إخراج المليشيات الإيرانية من مناطق في الجنوب، في محاولةٍ بدا غرضها سد ذرائع أميركا وإسرائيل، والالتفاف على اعتراضهما على أي تحرّك في جنوب سورية. وكانت روسيا ترغب في طرح القضية في قالبٍ جديد، قضية محلية وترتبط بالسيادة، طالما أن أميركا لا تعترض على المسألة، وطالما أن إسرائيل ترحب ببقاء الأسد، وترسيخ سيطرته على جنوب سورية، ما دامت إيران خارج اللعبة.
بيد أن الفيتو الأميركي أعاد الأمور إلى مربعها الأول، فالمسألة أعقد بكثير من حسابات الروس، وأكبر من ألعاب وكيلهم السوري الساذجة. إنها مرتبطةٌ بدرجة كبيرة بمصير سورية والإقليم والتشكّلات الجديدة والمعادلات المرتسمة، والتي وافقت عليها روسيا التي تتلطى خلف حشود الأسد الذاهبة إلى الجنوب، وحصلت في مقابل ذلك على تسهيلاتٍ ساعدتها في السيطرة على حلب والغوطة، بل والقضاء على جزءٍ مهم من جسم فصائل المعارضة.
إلى ذلك، تدخل درعا في خانة المناطق التي لها حساب خاص ومختلف، تماما كما تم تصنيف شرق سورية وشمالها، وهنا تصبح القوّة الروسية محدودة، وفعاليتها ليست كاملة. وفي وقت تصبح فيه أوزان القوى الدولية على المحك، تطلق صفارات الإنذار في وجه الحشود المتجهة جنوباً، معلنةً عن وجود حالة تسلل واضحة.
لكن، ماذا عن جنوب سورية، درعا والقنيطرة، وعن إدلب وأجزاء من شمال سورية، وعن كامل شرقها؟ ماذا عن المعابر مع الأردن وتركيا وحقول النفط والغاز والقمح والقطن في الجزيرة السورية، ألا تستحق تلك المناطق والبقاع أن يجرّد نظام الأسد الحملات العسكرية لإخضاعها، وإذا بقيت خارج حدود سيطرته، فما الذي ستكون حققته انتصاراته، بمساعدة كل جيوش إيران البرية في المنطقة، وكامل سلاح الجو والصواريخ لثاني قوّة عسكرية في العالم؟
ليس خافياً أن الأسد وبوتين غير راضيين عن هذه النتائج، بعد أن خلصا إلى حكم عاصمةٍ، وبضعة مدن ليس لديها ما تقدمه لهما سوى المطالبة بميزانيات إنفاق لتسيير شؤونها اليومية، وإصلاح الأعطاب الهائلة في بناها التحتية، من دون أن يكون في استطاعتها المساهمة في توفير الموارد التي يحتاجها نظامٌ يعيش على قنوات التغذية التي تمدّها له إيران، في مقابل بيعها أصول سورية الاقتصادية، وجزءا كبيرا من ثروتها التاريخية.
لكن، وبما أن بوتين لم يكن بمقدوره السيطرة على المساحة التي يقف عليها الآن، من دون
جرّب، في مرّة سابقة، تغيير المعادلات والخروج عن التوافقات، فكانت مذبحة دير الزور التي قتل فيها مئاتٌ من المرتزقة الروس، ثم لم يستطع إعلام روسيا، بكل قدرته على التحريف والتلفيق، إخفاء الفضيحة، وصمتت الدبلوماسية الروسية في هذا الشأن، ووحدهن أمهات القتلى وزوجاتهم من كشفوا فظاعة الكارثة.
واليوم يبدو أن بوتين يحاول اختبار طريقة مختلفة في درعا، باتباع أسلوب التهويل والوعيد، على فصائل المعارضة. وكانت النية أن يتم إفراغ اتفاق خفض التصعيد من داخله، من دون حاجة إلى إعلان صادم مع القوى الراعية، فقد أرادت روسيا دفع فصائل الجنوب إلى الاستسلام، عبر آلية إجراء المصالحات وتسوية أوضاع الراغبين في البقاء في مناطقهم، وترحيل غير الراغبين إلى إدلب. وعند ذلك الحين، لن تبقى لأميركا، الراعي اتفاق خفض التصعيد، ذريعةً للدفاع عن هذا الاتفاق، ما دام أصحاب الأرض قبلوا بالحل الذي اقترحه الروس عليهم.
واشتغلت مكائن الروس ونظام الأسد لإنجاز الأمر، قبل أن يعي الطرف الأميركي حقيقة ما يجري، واجتمع ضباط قاعدة حميميم، برفقة مخابرات الأسد، مع عشرات الوفود من درعا والقنيطرة وأريافهما، ووضعوا على الطاولة ما حصل في الغوطة الشرقية بكل تفاصيله، من التدمير الذي تنقّل من حي إلى آخر، إلى الضربة الكيميائية، وصولاً إلى التهجير، وكيف أن العالم لم يستطع فعل شيء لفصائل الغوطة وسكانها. كما ضربوا لهم أمثلة القلمون وريف حمص الشمالي، داعين الوفود إلى الاتعاظ بما حصل للغوطة، وتقليد فصائل القلمون وريف حمص الشمالي، والاستفادة من الفرصة المتاحة التي تتضمن ضمانة روسيا اتفاق المصالحة وتسوية الأوضاع.
ولم يتم الاكتفاء بذلك، بل شغّل نظام الأسد منظومة عملائه وخلاياه النائمة في الجنوب، وهم بقايا البعثيين وعملاء المخابرات، بالإضافة إلى أثرياء الحرب الجدد، لتوهين نفسية البيئة
وأخيراً، جاءت مناورة إخراج المليشيات الإيرانية من مناطق في الجنوب، في محاولةٍ بدا غرضها سد ذرائع أميركا وإسرائيل، والالتفاف على اعتراضهما على أي تحرّك في جنوب سورية. وكانت روسيا ترغب في طرح القضية في قالبٍ جديد، قضية محلية وترتبط بالسيادة، طالما أن أميركا لا تعترض على المسألة، وطالما أن إسرائيل ترحب ببقاء الأسد، وترسيخ سيطرته على جنوب سورية، ما دامت إيران خارج اللعبة.
بيد أن الفيتو الأميركي أعاد الأمور إلى مربعها الأول، فالمسألة أعقد بكثير من حسابات الروس، وأكبر من ألعاب وكيلهم السوري الساذجة. إنها مرتبطةٌ بدرجة كبيرة بمصير سورية والإقليم والتشكّلات الجديدة والمعادلات المرتسمة، والتي وافقت عليها روسيا التي تتلطى خلف حشود الأسد الذاهبة إلى الجنوب، وحصلت في مقابل ذلك على تسهيلاتٍ ساعدتها في السيطرة على حلب والغوطة، بل والقضاء على جزءٍ مهم من جسم فصائل المعارضة.
إلى ذلك، تدخل درعا في خانة المناطق التي لها حساب خاص ومختلف، تماما كما تم تصنيف شرق سورية وشمالها، وهنا تصبح القوّة الروسية محدودة، وفعاليتها ليست كاملة. وفي وقت تصبح فيه أوزان القوى الدولية على المحك، تطلق صفارات الإنذار في وجه الحشود المتجهة جنوباً، معلنةً عن وجود حالة تسلل واضحة.