أميركا و السيسي

14 يونيو 2014

السيسي وزيراً للدفاع مجتمعاً مع كيري (نوفمبر/2013/فرانس برس)

+ الخط -
أنهى المشير عبد الفتاح السيسي مراسم تنصيبه في قصر القبة في القاهرة، وسط حضور خليجي لافت، وعربي واسع، وافريقي حاضر، وإيراني ظاهر، وأوروبي مراقب، وأميركي حذر. اعتلى السيسي سدة الرئاسة، وسط توقعات بزيادة المساعدات الخليجية الاقتصادية في ظل غياب برامج إنقاذية لما تعانيه مصر من وضع اقتصادي واجتماعي صعب ودقيق. وقد سارع العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى الإعلان عن عقد مؤتمر للدول المانحة، من أجل مصر، لمساعدتها ودعمها على تجاوز المشكلات الاقتصادية، ومن أجل دعم السيسي في مسيرته، بعدما بلغ حجم المساعدات من السعودية والإمارات والكويت أكثر من 12 مليار دولار. وفي المقابل، أبدى صندوق النقد الدولي رغبته بالمساعدة في برامج اقتصادية محددة.
وسط هذا المشهد الذي وقفت فيه الولايات المتحدة لتراقب التطورات المصرية، بدا كلام الرئيس باراك أوباما في "وست بوينت" بشأن مصر متحفظاً، عندما قال: "نقرّ بأن علاقاتنا بمصر تستند إلى المصالح الأمنية، بدءاً من معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وحتى الجهود المشتركة ضد عنف المتطرّفين. ولم توقف الولايات المتحدة تعاونها مع الحكومة المصرية الجديدة، وستواصل الضغط المستمر عليها من أجل تنفيذ الإصلاحات التي طالب بها الشعب المصري".

لا يعني التعاطي مع الوقائع الانتخابية ونتائجها أن العلاقة بين أميركا ومصر في أحسن أحوالها، ما بدا واضحا في إرسال مستشار وزير الخارجية، السفير الأميركي توماس شانون، لتمثيلها في حفل التنصيب، وهو ما وصفه مراقبون عديدون رسالة تريّث في سياسة الانفتاح الأميركي باتجاه السيسي، تعكس تأثير حالة التراكم الذي خلفته العلاقة الجديدة، بعد إطاحة حكم الإخوان المسلمين، ووضعهم على لائحة المنظمات الإرهابية، كما جاءت رداً على حملات إعلامية أطلقت في مصر، لا سيما من مؤيدي السيسي، ضد الولايات المتحدة وسياساتها، بسبب دعمها مرحلة "الإخوان"، خصوصاً تلك التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي التي تشتم الإدارة الأميركية وأوباما، وهو ما تتخوف منه واشنطن من أن يؤثر في المستقبل على مجموعات إسلامية متشددة في مصر، ما قد يؤدي إلى حوادث شبيهة بما حصل في بنغازي، حيث قتل السفير الأميركي في ليبيا، وهو حادثٌ لا تزال إدارة أوباما تعاني من تداعياته، داخلياً وخارجياً.
تعدّ مصر دولة مهمة للولايات المتحدة، انطلاقاً من أنها الأكبر عربياً، من حيث عدد السكان، ومن مصلحة الولايات المتحدة إرساء علاقة جيدة على المستويين الأمني والاقتصادي، لضمان الاستقرار في هذا البلد، المهم بموقعه وكثافة سكانه، إلا أن الإدارة الأميركية تدرس، وبحذر، كيفية مقاربة المشهد المصري الجديد، في استمرار التنسيق مع الجيش والقوى الأمنية، وهي علاقة تاريخية، بدأت منذ أربعة عقود ولن تتوقف الآن. بل هناك حاجة للتعاون في مجالي الأمن ومكافحة الإرهاب، وهو ما كانت عبّرت عنه مباشرة سوزان رايس،  مستشارة الرئيس أوباما للأمن القومي في لقائها مع وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، في زيارته واشنطن قبيل الانتخابات المصرية، حيث "شددت على دعم الولايات المتحدة لمصر"، وحرصت على "تأكيد التزام أميركا باستمرار التعاون حول مصالح أمنية مشتركة، مثل مكافحة التطرف وتحقيق أمن المنطقة"، لكن التوجهات التي يتم البحث بها حالياً تتعلق بعدم تكرار تجربة الرئيس الأسبق، حسني مبارك، أي أن لا يبقى التعاون أمنياً فقط، بمعنى التعاطي مع الرئيس والجيش وتجاوز انتهاكات ممارسات السلطة الحكومية، باتجاه الشعب والتوجهات الديموقراطية، ما بدا واضحاً في تصريحات عديدة صدرت عن مسؤولين في وزارة الخارجية، ومنهم رايس، التي دانت حملات اعتقال عشرات آلاف المؤيدين للإخوان المسلمين، وأحكام الإعدام على مئات ممّن شاركوا في تظاهرات مناهضة للسيسي، وداعمة للإخوان وانتهاكات لحقوق الإنسان في الاعتقال السياسي.
ولم يَحُل ما أصاب العلاقة الأميركية ـ المصرية من تصدّع دون استئناف المساعدات الأميركية السنوية، كما التعاون العسكري، ولو بحدود وبشروط، ومصر لا تستطيع الاستغناء عن المساعدات العسكرية، حتى لو حاولت إرسال رسائل تعاون مع روسيا بسبب التقنيات والمعدات العسكرية التي يتم استخدامها منذ عقود، ومن الصعب تبديلها، إلا أن حالة الإرباك والتوتر التي تسود هذه العلاقة وسّعت الفجوة بين البلدين، فهل يمكن الاكتفاء بإعادة العلاقة الأمنية، كما في عهدها السابق، أم سيستمع أوباما إلى نصائح عديدة يتلقاها من المستشارين ومراكز الدراسات في واشنطن، بشأن ضرورة إعادة تركيز الجهود الدبلوماسية في اتجاه دعم الشعب المصري، بتوجيه جزء من المساعدات الأميركية إلى مشاريع تربوية وتنموية، يستفيد منها الشعب، والتوافق على مستقبل مصر السياسي والاقتصادي في عملية انتقال ديموقراطي، وحصر العلاقة مع السيسي على المصالح الأمنية الأساسية.