خلال العقود الثلاثة الماضية، شكّلت المرأة العراقية حالة مميزة داخل المجتمع العربي عموماً. فظروف الحرب ثم الحصار وما تلاه من أحداث وصولاً إلى احتلال العراق وموجات العنف والإرهاب، جعلت منها، حسب العراقيين، "ثلاثة أرباع المجتمع وزيادة". فهي تحمل أعباء أغلب مهام الحياة في ظل الحرب، بدءاً من التربية والرعاية وصولاً إلى العمل وتأمين الطعام.
أم حسن (40 عاما)، أم لثلاثة أطفال وتسكن في منزل مستأجر ببغداد. أقعد المرض زوجها عن العمل فخرجت لتعيل أسرتها، وتدفع أقساط مدرسة أبنائها، وثمن علاج زوجها أيضاً.
وصفها أحد المارة بالقول إنها "أخت الرجال"، وآخر قال إنها "بستّين رجلا".
تقول أم حسن: "تزايدت الصعوبات علينا، فالظروف الاقتصادية التي نمر بها صعبة جداً، الأمر الذي اضطرني للنزول إلى الشارع والعمل على عربة بسيطة، أكسب منها رزقاً حلالاً وأدفع الإيجار وأعيل أطفالي الثلاثة، وكلهم في المدارس، وفي موسم المدارس تزيد نفقاتنا. وأعيل زوجي المريض وأوفر ثمن أدويته المكلفة أيضاً".
وتؤكد أم حسن في حديثها لـ"العربي الجديد"، "أعمل يومياً نحو سبع ساعات على عربة اللبلبي (الحمص المسلوق) والباقلاء، بعدها أعود إلى المنزل لأكمل مشواري الآخر في رعاية أولادي وإطعامهم وتدريسهم وتنظيف المنزل ورعاية زوجي".
وتنصح أم حسن المرأة العراقية بأن تكون أكبر من الظروف، ولا تقهر، وتكون السند لأطفالها وبيتها في المحن.
ويمدح مصطفى العاني (30 عاماً)، أم حسن، ويعتبرها امرأة عراقية مكافحة استطاعت أن تصمد بوجه التحديات العصيبة التي واجهتها، ولم تثن الظروف عزيمتها. ويضيف العاني أنه من الزبائن المواظبين يومياً على تناول اللبلبي من يد أم حسن، لما يتميز به الطبق من طعم لذيذ ونظافة.
ويقول سلام الحديدي (46 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "أم حسن امرأة عراقية مكافحة حالها حال الكثير من العراقيات. تتميز بالدقة والنظافة وعفة اليد والكرامة التي تمتاز بها المرأة العراقية بصورة عامة. ورغم ظروفها نراها تعمل بنشاط وحرص، والابتسامة لا تفارقها. كسبت رضا وقبول الزبائن كونها امرأة. تجد الكثير من العوائل تحرص على الشراء منها، وكل منطقتنا في حي الجامعة بكرخ بغداد يعرف قصة أم حسن المعيلة لأطفالها وزوجها، إذ يبدأ عملها من الساعة الرابعة عصراً حتى العاشرة مساءً فتجد العائلات زبائن دائمين ومشجعين لها".
يبدي عبد الحميد الدليمي (37 عاماً)، إعجابه بالهمة العالية التي تتمتع بها أم حسن، ويقول: "أم حسن امرأة مثابرة كباقي العراقيات، تتميز بصبرها وثباتها في تحدي الزمن الذي قهرت صعابه بمثابرتها".