عند معبر بيت حانون في مدينة غزّة، يجلس منهكاً. يحمل علم الوطن وقد عقص كوفيته على رأسه، ويستريح. قبل دقائق وساعات، كان يُحيي مع مواطنين له في القطاع المحاصر الذكرى الأربعين لـ"يوم الأرض".
أربعون عاماً. كأنه الأمس. هو لم يفوّت أيّ ثلاثين من شهر مارس/آذار، مذ بدأ أهل الأرض يحيون ذكرى يومها. عندما صادر الاحتلال في 29 مارس/آذار من عام 1976 تلك المساحات الشاسعة بهدف تهويد منطقة الجليل شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة.. وعندما اندلعت في اليوم التالي - 30 مارس/آذار - المواجهات ما بين أهل الأرض المسبيّة وأصحاب القدم الهمجيّة، كان هو في أولى سنيّ مراهقته.
لا ينسى. كأنه الأمس. كيف ينسى، "وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض.. في شهر آذار تنتشر الأرض فينا.. مواعيد غامضة.. واحتفالاً بسيطاً (...) في شهر آذار قالت لنا الأرض أسرارها".
عند معبر بيت حانون في مدينة غزّة، يجلس منهكاً. لم ينهكه تحرّك هذا الثلاثين (يوم أمس). لم ينهكه أيّ ثلاثين خلال كلّ تلك العقود المنصرمة. حاله تنهكه. عجزه ينهكه. غضبه ينهكه. فقره ينهكه. أحلامه تنهكه. الحصار الخانق ينهكه. ظلم أهل القربى ينهكه...
منهك هو، لكنّه لن ينكّس علم الوطن ولن يخلع كوفيّته ولن يخلف بوعده تجاه أرضه في يومها. "أنا الأرض.. والأرض أنت. خديجة! لا تغلقي الباب.. لا تدخلي في الغياب. سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل.. سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل.. سنطردهم من هواء الجليل".