يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كُتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، وندخل سويّاً إلى الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.
لم تسر الأمور على ما يرام في دوري الأبطال دائما بالنسبة لي. بدأنا الدوري في ذلك الموسم وركبتي تحسنت كثيرا، وبدأت أسجل الأهداف الجميلة الواحد تلو الآخر. تولّد لدينا إحساس مبكر بأننا سوف نحصل على "الأسكوديتو" أيضا في هذا الموسم، لكن يجب أن تفهموني، الأمر لم يعد شيئا كبيرا بالنسبة لي. لقد حققت لقب الدوري أربع مرات على التوالي، وحصلت على جائزة أفضل لاعب في عدة مناسبات. شعرت بأن دوري الأبطال هي المسابقة الأكثر أهمية. لم يسبق لي أن ذهبت بعيدا في تلك المسابقة، وفي تلك الأيام كنا نستعد لمواجهة مانشستر يونايتد في دوري الستة عشر. اليونايتد كان واحداً من أفضل الفرق الأوروبية في ذلك الوقت، كان يحمل لقب المسابقة وكان يملك لاعبين مثل كريستيانو رونالدو وواين روني وجيجز وبول سكولز ونامانيا فيديتش، وبالرغم من تواجد هذا الكم من النجوم في الفريق، إلا أنه لم يكن أحد منهم هو اللاعب الأهم، ولاعب الحسم في النادي، بل على العكس، تشعر بأن اليونايتد كان يلعب كفريق أكثر من اعتماده على نجم واحد.
لا يوجد نجم أكبر من النادي في اليونايتد، ولا أحد يعتمد على هذه الفلسفة أكثر من أليكس فيرغسون، أو لنقُل السير أليكس فيرغسون، شُبّه بإله في إنجلترا. السير بهذا لا يحجب نجومه، لكنهُ يقوم بمداورتهم. بدأ كطفل من القاع في إسكتلندا، وعندما جاء إلى مان يونايتد في 1986 لم يكن يبدو بأن اليونايتد يعيش أياما جميلة، كان يبدو بأن سنوات المجد قد مضت بالنسبة للنادي. جميع الأمور كانت متشابكة، اللاعبون كانوا في الحانات يتناولون الشراب، كانوا يعتبرون ذلك الأمر شيئا رائعا، لكن فيرغسون قام بشن حرب ضد تلك التصرفات، وبعد ذلك حقق مع اليونايتد 21 لقبا، وتم تكريمه بعد ثلاثية العام 1999 في دوري الأبطال، كأس إنجلترا والدوري الإنجليزي الممتاز. لهذا الأمر أصبح مفهوما، خاصة مع العداوة الخاصة بينه وبين مورينيو.
كانت هناك العديد من الأحاديث المتبادلة، وأصبح اللقاء: مورينيو ضد فيرغسون، وكريستيانو رونالدو ضد زلاتان. كنت أنا ورونالدو بمثابة الواجهة لشركة نايكي. كان هُناك حمل كبير علينا، كنا نقوم بعمل بعض الإعلانات الرياضية، التي نقوم بالتنافس فيها من خلال المراوغات والتسديدات. كان أمرا ممتعا مع تواجد إريك كانتونا كمقدم للبرنامج، لكنني لم أعرف رونالدو بشكل خاص، ولم ألتقِ به أثناء التصوير. كان التصوير يتم بشكل منعزل ولم أكن مهتما بملاحقة أضواء الإعلام، كنت مُتحفّزا، رأيت بأن لدينا فرصة جيدة بالتأهل، ومورينيو قام بإعدادنا بشكل جيد لتلك الموقعة، لكن المباراة الأولى في سان سيرو كانت خيبة أمل. انتهى اللقاء بالتعادل السلبي، ولم أظهر بشكل جيد، لهذا كتبت الصحف الإنجليزية بالتأكيد القذارة المعتادة مجددا. على كل، كانت تلك مشكلتهم ولم تكن مشكلتي، فهم لا يستطيعون سوى كتابة هذه التفاهات، لهذا تجاهلتهم وكنت حقا أريد الفوز في لقاء العودة في أولد ترافورد، لكي نتقدم أكثر في المسابقة.
كنت أنا ومورينيو من استقبلا النصيب الوافر من صافرات الاستهجان من الجماهير. كانت تزداد شيئا فشيئا، لكن بقيت حقيقة أن تسجيل هدف واحد يكفينا للتأهل. نتيجة 1-1 سوف تعني انتصارنا في المواجهتين. بدأت أتألّق في اللقاء، تحسنت كثيرا، وبعد مرور 30 دقيقة من عمر اللقاء وصلتني كرة طويلة ضربتها بالرأس بقوة، اصطدمت بالأرض ومن ثم في العارضة ومن ثم خرجت، كنا على مقربة من التأهل، مثلما اقتربت هذه الكرة من الدخول، شعرت بالأمر، سوف نسجل بأي حال من الأحوال، سنحت لنا الفرصة تلو الأخرى. أدريانو سدد كرة طائرة واصطدمت أيضا بالقائم، لكنها لم تدخل، في حين بعد ذلك بقليل روني راوغ خارج منطقة الجزاء ومن ثم أرسل كرة عرضية لرونالدو الذي سددها برأسه وسجل الهدف الثاني. حينها شعرت بالاستياء حقا. كانت دقائق ثقيلة علينا لم نتمكن من استغلالها وتقليص الفارق، وقبل نهاية اللقاء، الملعب كلهُ كان يُغني: "باي باي مورينيو، لقد انتهت"، حينها شعرت برغبة كبيرة بركل العشب، وكسر شيء ثمين.
أتذكر في غرف الملابس مورينيو حاول مواساة اللاعبين وتحدث عن أهمية التركيز على بطولة الدوري حاليا. خفضت رأسي ونظرت إلى قدمَي وقلت لنفسي "لا يمكن أبدا أن أفوز بدوري الأبطال مع الإنتر، الفريق ليس جيدا بما فيه الكفاية". تم توجيه سؤال عن الأمر لي بعد الهزيمة، وأجبته بصدق، بعيدا عن تلك الدبلوماسية المعتادة:
- حسنا، خسرنا الآن، وأعتقد أننا سنفوز في السنة المُقبلة.
- "زلاتان، هل بإمكانك أن تفوز بدوري الأبطال إذا بقيت في الإنتر؟".
- "لا أعلم، سوف نرى".
هكذا كانت إجابتي، وبالتأكيد الجماهير تحسّست من هذا الأمر حينها. كانت بداية التوتر، اتصلت بمينو رايولا وقلت له "أريد أن أنتقل، أتمنى أن أنتقل إلى إسبانيا"، مينو فهم الأمر: إسبانيا تعني الريال أو برشلونة، فهما ناديا القمة هُناك، الريال بكل تأكيد خيار مغرٍ، النادي لديه تقاليد عريقة ولعب له رونالدو وزيدان وفيغو وروبيرتو كارلوس وراؤول، لكنني كنت أميل لخيار برشلونة، النادي الذي لعب بصورة رائعة في ذلك الموسم ولديه نجوم مثل ميسي وتشافي وأنيستا، لكن الآن كيف يمكننا أن نتصرف؟ الأمر لم يكن سهلا.
ليس لأن هذا الأمر سيكون كارثيا لسمعتي في الإنتر، لكن هذا يعني أيضا أنني مستعد للّعب مجانا! لأنني عرضت نفسي على النادي الجديد، سيأتي المدير الرياضي ويتعاقد معك بأقل سعر ممكن، لا! يجب أن تأتي إدارة النادي لك، وتعرف بأنها تريدك مهما كلّف الأمر، لكن المشكلة لم تكن هُنا، المشكلة كانت في قيمتي ووضعيتي في إيطاليا، كنت لاعباً بسعر مرتفع جدا، وغير قابل للانتقال أبدا.
ضد ريجينا على سبيل المثال، قمت بعمل رائع، راوغت وتجاوزت ثلاثة مدافعين على التوالي. كان ذلك إنجازاً بحد ذاته، الجماهير كانت تعتقد بأنني سوف أقوم بإنهاء الهجمة بتسديدة قوية، لكنني لاحظت الحارس متقدما بعض الشيء، لهذا قمت بإسقاط الكرة من فوقه بقدمي اليسرى. لم يكن بالإمكان أن يتم الأمر بمثالية أكبر، الكرة ذهبت بشكل مثالي من تحت العارضة لتسقط في الشباك. الملعب كلهُ بدأ يصفق ويصرخ، الكل كان في ذلك الملعب يحتفل ما عدا مورينيو، كما هي العادة، كان يقف هُناك بدون أي حراك، ببذلته الرمادية وبعلكته، وبوجهٍ متجهّم قليلاً. كان أمرا ثابتا في كل مرة، إنْ أمكننا القول، لكن ذلك الهدف كان أجمل من معظم أهدافي، ومن خلاله، تصدّرت هدافي البطولة حينها مع ماركو دي فايو.
الفوز بلقب هداف الدوري الإيطالي كان أمرا عظيما. شيئاً فشيئاً أصبحت أركز على الفوز بذلك اللقب، أردته كتحدٍ جديد لي. أصبحت أكثر شراسة أمام المرمى من أي وقت سابق، ولا أحد يحب تسجيل الأهداف أكثر من الجماهير الإيطالية، ولا أحد بإمكانه أن يكون مكروها أكثر من هداف ينوي ترك فريقه، لهذا لم تكن الأمور أكثر سهولة عندما تحدثت بعد اللقاء وقلت "في هذا الموسم أركز على تحقيق لقب الدوري مع إنتر، وفي الموسم المقبل سنرى"، التوتر استمر في التزايد: ما هي مشكلة إبرا؟ إلى ماذا يُخطط؟ كان ذلك على الرغم من أن الموسم لم ينتهِ، لكن التكهنات بدأت بشكل مبكر: زلاتان من إنتر، أو كريستيانو من اليونايتد، أحدهم سوف ينتقل للريال، الكثير من الشائعات ظهرت، وأحدها تحدث حتى عن إمكانية عمل صفقة مبادلة بيني وبين نجم الريال غونزالو هيغواين.
ومع زيادة الشائعات، الألتراس الذين كتبوا "مرحبا ماكسمليان" وكانوا قادرين على إظهار الحب لي، كانوا أيضا قادرين على إظهار العداء والكره، ليس فقط للفريق الخصم، بل أيضا للاعبي فريقهم، وهذا شيء عرفته عندما دخلت السان سيرو، وكان الملعب يغلي. طوال الأسبوع كان الحديث عن رغبة زلاتان في الرحيل وخوض تجربة جديدة، كل إيطاليا علمت بذلك، لهذا في بداية اللقاء، واجهت بعض الصعوبات في منطقة جزاء لاتسيو، لم أتمكن من فعل الكثير بسبب المحاصرة، وعادة في وضعيات مثل هذه، الجماهير كانت تصفق لي: محاولة جيدة، وغيرها من الأحاديث التشجيعية، لكن في هذه المباراة سمعت جماهير الألتراس في كل مرة أفقد فيها الكرة تصفّر ضدي! اللعنة! نحن هُنا نقاتل ونتصدّر الدوري، وأنتم تقومون بهذا! من أنتم لتقوموا بهذا التصرف؟ لهذا أشرت لهم بإصبعي: اصمتوا، لم تتحسن الأمور، أبدا، انتهى الشوط الأول بنتيجة 0-0، حينها الجماهير لم تكن تصفر ضدي فقط، كانت تصفر ضد الفريق بأكمله، لهذا انفجر شيء ما بداخلي، الأدرينالين دب فجأة في جسدي.
"سأريهم من أنا"، وكما قلت مسبقا، ألعب أفضل دائما عندما أغضب، فكروا بالأمر: عندما ترون بأنني غاضب، لا تقلقوا، حسنا، قد أقوم بأي تصرف غبي وأحصل على بطاقة حمراء أحيانا، لكن غالبا هي إشارة جيدة، مسيرتي بأكملها استندت إلى رغبتي بالانتقام. في الشوط الثاني ومن خارج منطقة الجزاء بحوالي 15 ياردة، استلمت الكرة واستدرت، انطلقت وكنت بخير، راوغت، ومن بين مدافعين قمت بالتسديد وسجلت. كانت تسديدة من نتاج غضب عارم. هدف رائع، لكن الناس لم يتحدثوا عن هدفي، بل تحدثوا عن إشارتي للجماهير بعد الهدف الذي لم أحتفل به، لقد ركضت نحو منتصف منطقة جماهير الألتراس، التفت إليهم وقمت بإخراسهم بحركة الإصبع باستمرار، كلمة اصمتوا: هذا هو ردي على حماقتكم.
أنا أسجل، وهم يصفرون ضدي، كان تلك أهم لقطة في المباراة، كانت تمثل حدثا جديدا، بداية الخلاف بين جماهير الفريق ونجمهم الأول في ذلك الوقت، مورينيو كان على خط الملعب، وبالتأكيد لم تكن هناك أي إشارة انتصار منه، حقا، من كان يتوقع أي حركة منه أصلا؟ لكنه بالتأكيد قام بتأييدي. اللعنة، يصفرون ضد لاعبي فريقهم! لهذا حتى مورينيو قام بالإشارة بإصبعه إلى رأسه: أنتم أغبياء لتفعلوا ذلك، لكن بإمكانكم أن تتخيلوا الوضعية، فالملعب أصبح يعيش في حالة توتر، لكن رغم ذلك لعبت بشكل جيد، سجلنا الهدف الثاني وكنت سعيدا بسماع صافرة النهاية، لكن الأمر لم ينتهِ بعد، بعدما خرجت من الملعب، قيل لي بأن قادة الألتراس في انتظاري في غرف الملابس، استغربت، ولم تكن لديّ أي فكرة عن طريقة دخولهم إلى هناك.
دخلت، لكنني وجدتهم أمامي في الممر، 7 أشخاص أو 8، لم يكونوا أولئك الأشخاص الذين يقولون: عذرا، هل بإمكاننا أن نتحدث سويّاً بعض الشيء؟ لا أبدا، لقد كانوا أشخاصاً من نوعية مشابهة لنوعيتي، نوعية الشوارع: عداء وشراسة كبيرة، شعرت بالتوتر حولي، نبضي وصل في تلك اللحظات إلى 150. كنت مشدوداً بشكل كبير في الحقيقة عندما رأيتهم، لكنني قلت لنفسي: "لا يمكنك أن تصبح مثل الدجاجة الآن، شخص من مكان نشأتي لا يمكنه أن يتراجع"، لهذا تقدمت وذهبت لهم، عندما وصلت، لاحظت على الفور بأنهم توتروا أيضا، توتر مع استغراب كبير: هل سيكون زلاتان ضدنا هُنا أيضا!
- "هل هم قلائل أولئك الذين لديهم مشكلة معي في المدرجات أم ماذا"؟!
- "حسنا، الغضب يجتاح الكثيرين هُناك".
- "أخبرهم إذاً بأن ينزلوا إلى الأرض، وسوف نقوم بحل خلافاتنا وجهاً لوجه".
بعد ذلك، ذهبت وقلبي كان يدق بسرعة كبيرة، لكن رغم ذلك، انتابني شعور جيد. كانت لديّ الشجاعة رغم التوتر، وقفت أمامهم. الجماهير طلبت اجتماعاً رسمياً معي، لماذا عليّ أن أجتمع معهم؟ ما الذي سأستفيده من ذلك الاجتماع. الأمر يتعلق بلاعبي كرة القدم، الجماهير قد تكون مُخلصة لناديها، وهذا أمر جميل، لكن اللاعب لديه مسيرة قصيرة، سيبحث من خلالها عن مصلحته، لهذا يقوم بتغيير الأندية، عرفت تلك الجماهير لمدة طويلة، بالتأكيد، لهذا أخبرتهم: "اعتذروا على موقعكم الرسمي عن الصافرات والاستهجان التي قمتم بها ضدي، وسأكون سعيدا، سأنسى الموضوع"، لكن لم يحدث شيء، علمت بعد ذلك أن جماهير الألتراس قررت ألا تصفر ضدي، لكنها أيضا لن تقوم بالتصفيق لي، سوف تتظاهر بأنني لستُ موجودا، "حظاً سعيداً"، هذا ما فكّرت به حينها.