يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، وندخل معاً إلى الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.
قيل لي إنه الرجل الألطف في العالم، أغوتشي أونيو كان مثل ملاكم من الوزن الثقيل، كان طولهُ يتجاوز ست أقدام، ويزن أكثر من 100 كيلو، على الرغم من أنه لم يلعب مع الفريق، إلا أنهُ سبق وتم اختياره كأفضل لاعب أجنبي في الدوري البلجيكي، بالإضافة إلى أنه كان اللاعب الأميركي الأفضل في ذلك العام، لكن يبدو بأنهُ لم يتقبلني، لهذا أراد مواجهتي منذ البداية.
"أنا لا أرد بالكلام، أرد بالفعل وليس بالكلمات"، أخبرت أونيو بذلك، لكنه استمر في ما يقول فقط. في التدريبات صرخت على أحد الكرات وقلت: "هذا ليس خطأ!"، ثم قفز هو وأشار لي بإصبعه بأن اصمت، وكأنهُ يقول "هل ترى، أنت الآن تتحدث بالقذارة"، بعدها قلت: هذا يكفي، الآن كفى، قلت له فوراً "انتبه!"، لكنهُ فعل نفس الحركة مرة أخرى، حينها بدأت أرى الأمور بأعينُ سوداء، لكن على الرغم من ذلك لم أقل أي كلمة، هذا الحقير يجب أن يعرف كيف أتكلم في مثل هذه الوضعيات، لهذا ومع أول كرة استقبلتها بعد ذلك، انطلقت نحوه وقفزت تجاه قدمه، أريد أن أتدخل عليه بأسوأ شكل ممكن، لكنه أدرك ذلك ورآني قادماً نحوه، لهذا رمى نفسه بعيداً، ثم سقطنا معاً على العشب، أول ما فكرت فيه حينها: اللعنة، أخطأته، سوف أتمكن منهُ في المرة القادمة.
لكنني عندما نهضت وبدأت بالمشي، تلقيت ضربة على كتفي منه، وتلك لم تكن فكرة جيدة أغوتشي أونيو!، عدتُ نحوه، ومن ثم اشتبكنا مع بعضنا البعض. أنا هنا لا أتحدث عن مناوشة صغيرة صدقوني، كلانا أراد تمزيق الآخر، لقد كان قتالاً وحشياً، فكلانا يزن أكثر من 90 كيلوغراماً، استمرينا بالقتال، تدحرجنا وسقطنا وتقاتلنا بعنف، وبطبيعة الحال، جميع لاعبي الفريق أسرعوا تجاهنا، وحاولوا فض الاشتباك بيننا، لكن هذا لم يكن أمراً سهلاً. أنا أعترف بأنهُ يجب أن تحظى بالكثير من الأدرينالين قبل أن تدخل الملعب، لأنك ذاهب للحرب، لكن هذا القتال تجاوز الحدود، كانت مسألة حياة أو موت.
بعد ذلك حدث أكثر الأشياء جنوناً: أغوتشي أونيو بدأ يصلي للرب والدموع في عينيه، حينها فكرت: اللعنة، ما هذا؟ لقد كانت وضعية غريبة، في تلك الوضعية جاء لي أليغري فوراً: "اهدأ يا إبرا!"، لكن لم يكن لديه أي شيء ليفعله مع هذا القتال، لهذا أبعدته عن طريقي ومن ثم انطلقت مسرعاً تجاه أونيو مرة أخرى، لكن تم إيقافي مجدداً من قبل زملائي، وربما ذلك كان أمراً جيداً، كان من الممكن أن ينتهي ذلك الأمر بشكل أسوأ، بعد ذلك قام أليغري بطلبنا جميعاً، اعتذرنا أمامه ومن ثم تصافحنا، أونيو كان بارداً مثل السمكة! وأنا رددت: لا تقلقوا لا توجد أي مشاكل بالنسبة لي، بعد ذلك خرجت وتوجهتُ إلى المنزل.
ضلع مكسور بسبب القتال، وهذا أمر لا يمكنك أن تفعل شيء حياله، الأطباء التفوا حولي فقط، لم يكن ذلك أفضل شيء بالإمكان حدوثه، ففي ذلك الوقت كنا قد بدأنا الاستعداد للدربي ضد إنتر، ولدينا باتو وإنزاغي مُصابان، الصحف كتبت الصفحات الواحدة تلو الأخرى، ومن بين الأمور التي تحدثوا عنها قبل الديربي، المواجهة بيني وبين ماتيراتزي، قالوا إن تلك المواجهة ستحمل كراهية كبيرة متبادلة، ليس فقط لأن ماتيراتزي شخص قوي وإننا مؤخراً حظينا ببعض المواجهات، ولعبنا معاً، لكن أيضاً لأن ماتيراتزي سخر مني عندما قبلت شعار برشلونة، لقد كان أمراً من بين عدة أمور، ومن بين هذه الأشياء كنت متأكدا من شيء واحد: ماتيراتزي سوف يتدخل عليّ بقوة! كان ذلك هو عمله، كان من المهم إيقافي في تلك المباراة، وفي مثل هذه الحالات.
ليس هناك مُشجعون أسوأ من مشجعي ألتراس الإنتر، لم يكونوا أولئك الأشخاص القادرين على التسامح، وبالنسبة لهم، كنت العدو رقم واحد في ذلك الوقت، لم ينس أي شخص ما حدث في مباراة لاتسيو، لهذا أدركت: سوف يكون هناك استهجان شديد ضدي وألعاب نفسية، لكن يا إلهي هذه الأمور تنتمي إلي، لم أكن أول لاعب وقع للميلان بعدما لعب للإنتر، بل لدي رفقة جيدة في هذا الأمر: رونالدو وصل إلى ميلان في عام 2007 ومن ثم تلقى صافرات الاستهجان في الدربي.
ديربي المادونينا، لطالما كانت مبارياته تحرك العواطف بشكل كبير، لا مكان للسياسة وبعض الأمور القذرة فيها، كانت عداوة عظيمة فقط، كانت أشبه بمواجهة الكلاسيكو بين الريال وبرشلونة، أتذكر اللاعبين في الملعب، كان يجب أن تنظروا إليهم، لقد كان أمراً عظيماً بحق، المباراة كانت مهمة جداً، لقد كنا في صدارة الدوري، والفوز في هذه المباراة سوف يعني الكثير لنا، ميلان لم يفز بالدوري منذ سنوات، في حين أن إنتر كان قد فاز ببطولة دوري الأبطال، وكان هو المسيطر على الديربي.
أتذكر تماماً عندما بدأت المباراة في السان سيرو في وسط تلك كل الأجواء. سيدورف بدأ اللقاء فوراً بضربة قوية بالرأس تجاوزت المرمى، اللقاء انطلق بكرة هنا وهناك، وفي الدقيقة الخامسة كنت قد تلقيت كرة في الجهة اليمنى، راوغت ودخلت منطقة الجزاء، وكان ماتيراتزي يلحق بي، وفعل ما هو متوقع منه، وكأنهُ يقول: لن تُفلت مني، انتظرني فقط، لكنهُ أخطأ، أعاقني وأسقطني على الأرض، وفوراً قلت لنفسي: هل هي ضربة جزاء؟
هذا ما يجب أن تكون عليه، لكنني لم أكن لأعلم، كانت هناك ضجة كبيرة ولاعبو الإنتر قاموا برفع أيديهم فوراً سخرية من سقوطي، لكن حكم اللقاء انطلق فوراً اتجاه نقطة الجزاء، حينها أخدت نفساً عميقاً، كان أنا من يفترض أن يسدد تلك الضربة، وهل تتخيلوا زملائي خلفي، لم يكن لدي أي شك حول ما يفكرون فيه: لا تُضعها يا إبرا.
كان أمامي حارس المرمى ومن خلفه جماهير الألتراس، لقد كانوا في قمة غضبهم وجنونهم، كان يصرخون، حاولوا فعل أي شيء لإزعاجي وبعضهم وجه الليزر إليّ، كان ذلك الضوء الأخضر على وجهي، حتى إن زمبروتا عرف بالأمر وتوجه للحكم وأخبره: "اللعنة، إنهم يتدخلون ضد إبرا، إنهم يحاولون تشتيته!"، لكن ما الذي يمكنك فعله؟ إخلاء جميع المدرجات؟، كنت في كامل تركيزي وكل ما أريد فعلهُ هو التسجيل في الشباك.
في تلك اللحظة عرفت تماماً: سأسدد في الجهة اليمنى للحارس، كانت الثواني تمر، عدت لأفكر مرة أخرى بأنهُ يجب عليّ التسجيل، لقد قمت بإضاعة ضربة جزاء في بداية موسمي، والآن لا يمكنني فعل ذلك مرة أخرى، لكنني لم أفكر كثيراً في الأمر، يجب عليك ألا تفكر كثيراً في وسط الملعب، يجب عليك أن تلعب فقط، لهذا انطلقت فوراً وسددت ضربة الجزاء، سددتها كما أردت لتدخل الشباك، وقفت في مكاني ورفعت يدي، ونظرت إلى ألتراس الإنتر مباشرة، أردت القول لهم: حيلكم المريضة لن تنفع معي! أنا أقوى من تلك الحيل، يجب علي القول إنه عندما كان الملعب كلهُ يعج بالصراخ نظرت إلى الشاشة الرئيسية للملعب: "ميلان 1 إنتر 0: إبراهيموفيتش"، قلت لنفسي: هذا رائع، حينها أدركتُ بأنني عدتُ إلى إيطاليا.
بكل الأحوال، ما زال اللقاء مستمراً ولم تمض سوى دقائق بسيطة، كان يجب علينا أن نقاتل، بعد بداية الشوط الثاني بـ 15 دقيقة، تعرض أباتي للطرد، لم يكن بإمكاننا أن نلعب مباراة ضد الإنتر بعشرة لاعبين، لهذا قاتلنا مثل الوحوش.
في آخر عشرين دقيقة تعرضنا لضغط رهيب، كنت مُتعباً تماماً، أردت التقيؤ من التعب، لكننا فعلناها، تمكنا من المحافظة على تقدمنا، وفي نهاية اللقاء فزنا بالمباراة، في اليوم التالي، كنت سأحصل على الكرة الذهبية الخامسة لأفضل لاعبي سويدي، علمت بالأمر، وكنت أريد أن أذهب للنوم مبكراً بعد اللقاء، لكن لا يمكنك أن تفعل ذلك، وخاصة أن تفكيرك كلهُ منصب على الاحتفال بالفوز في لقاء كهذا، قررنا الخروج والاحتفال.