"هناك سؤال ما أنتظر إجابة وافية عنه، ما سر هذا الإعجاز البدني الذي يمتاز به فريقك؟ لقد وصلتم إلى حالة رائعة على كافة المستويات، إنه أمر غير طبيعي"، هكذا عاجل ملك إسبانيا السابق الدون خوان كارلوس الأول، مدرب ريال مدريد زين الدين زيدان بهذا السؤال، ليرد الفرنسي من أصول جزائرية بلغة الإشارة لا الكلام، مناديا على أحد الأشخاص من بعيد ليطلب منه القدوم، مع التأكيد على حقيقة واحدة، هذا الرجل حليق الرأس هو السر في كل ما وصلنا إليه مؤخراً.
لم يكن ذلك الشخص سوى أنطونيو بينتوس، المعد البدني لفريق ريال مدريد، والرجل الذي أصر زيدان على التعاقد معه بأي طريقة ممكنة مطلع الصيف الماضي، ليتحول في موسم واحد فقط إلى إحدى أيقونات النجاح في إسبانيا وأوروبا، بعد تحقيق الملكي بطولتي الليغا والتشامبيونزليغ، مع الاعتماد على فريقين من الأساسي والاحتياطي، حتى المباراة الأخيرة ضد يوفنتوس في نهائي كارديف.
المدرسة الإيطالية
زادت الشكوك حول ريال مدريد في الموسم الماضي رغم فوزه بدوري أبطال أوروبا على حساب أتليتكو، وعلى عكس كل التوقعات، لم يتعاقد بيريز مع أي أسماء كبيرة مكتفيا بعودة موراتا وأسينسيو مع تصعيد بعض الصغار، حتى دي خيا قرر الاستمرار في إنكلترا مع مورينيو. وكانت هذه الترتيبات بالتعاون بين إدارة مدريد وزيدان، بعد أن قرر المدير الفني الاعتماد على العناصر المتاحة، مع طلب واحد فقط إلى فلورنتينو، أحضر بينتوس بأي طريقة، حتى وإن كانت غير شرعية.
أنطونيو إيطالي يبلغ من العمر 54 عاماً، عمل في بداياته معداً بدنياً مع نادي سيتيمو، قبل أن ينتقل إلى يوفنتوس عام 1991، ويبقى في تورينو لمدة 2556 يوماً حتى صيف 98. تعاون الرجل وقتها مع عديد من المدربين هناك، وحصل على إشادة من الجميع، خصوصاً نجوم السيدة العجوز، ليأخذه فيالي معه إلى لندن ويعمل في طاقم تشيلسي، قبل أن يعتمد عليه ديديه ديشامب حينما تولى قيادة يوفنتوس ومارسيليا، حتى أعاد زيدان نفس القصة لكن مع ريال مدريد هذه المرة.
"كان محترفا بامتياز، مستعد ومتواضع. يعتمد في عمله الأساسي أن يعرف عادات اللاعبين لمعرفة أي نوع من الإعداد هو الأفضل بالنسبة لهم، وكان يعرف كيفية القيام بذلك"، يقول مورينو توريسيلي، شريك زيدان في يوفنتوس هذه العبارة عن بينتوس. يمتاز أنطونيو بالمرونة والتكيف مع الظروف الجديدة، لذلك يضع أدواته وفق العناصر المتاحة، في باليرمو على سبيل المثال يركز على السرعة والاندفاع، بينما في الريال يهتم بأمور أخرى ترتبط بالهجوم قبل الدفاع.
بينتوس لم يعمل فقط في كرة القدم، قام بتدريب الجودو وألعاب القوى. وكان زيدان يقول منذ يناير إن الفريق بحاجة إلى العمل بجد للوصول إلى مستوى بدني جيد. يشيد المدرب دائما بالمدرسة الإيطالية في الإعداد، وأخبر لاعبوه بهذه الملاحظة منذ اليوم الأول في الإعداد للموسم الجديد، لذلك عرف الجميع بلا استثناء قيمة هذا المدرب مبكرا، خصوصا أنه جاء بعد فسخ تعاقده مع ليون، النادي الفرنسي الذي آمن بقدراته قبل الريال، لكن بعد مكالمة زيدان واهتمام بيريز، لم يقدر أنطونيو على الرفض، وطلب من مديري ليون الموافقة على سفره، وهذا ما حدث في النهاية.
طريقة العمل
في بداية الدورات التدريبية الصيفية لريال مدريد، قام الفريق الأبيض بعدة تعديلات في مونتريال. قسم بينتوس التدريب إلى عدة مجموعات (التوازن، القفزات، الخ)، وانتهت كل دورة بسباق متواصل لمدة نصف ساعة. وقال زيدان فى مؤتمر صحافي بعدها "إن بعضهم عانى، في إشارة إلى بعض اللاعبين. وأكمل المدرب "حسنا اليوم بدأنا بهدوء. إنه رقيب حديدي، لكنه هادئ ومنفتح، وسوف يتعامل بذكاء مع الآخرين".
يراهن بينتوس على رفع الحالة البدنية لكل لاعبيه، من خلال زيادة حدة التدريبات في البدايات، حتى يرصد أبرز المتغيرات على عضلات نجومه، ومعرفة مدى قدرتهم على تحمل الضغوط، ثم يقوم بعد ذلك بخفض النسق تدريجيا حتى منتصف الموسم تقريبا، وبعد ذلك تبدأ الدورة في الدوران بأقصى سرعة ممكنة. إنه يهدف إلى الوصول إلى أعلى معدل ممكن خلال فترة الحسم، وهذا ما فعله المعد البدني بامتياز هذا الموسم، إذ إن فريق الريال لم يجد أي معاناة مع تواصل ضغط المباريات، بسبب مواجهة هذه الظروف الصعبة في البدايات مع بينتوس.
في النهائي الماضي أمام أتليتكو، لعب فريق سيميوني 4000 دقيقة أكثر من الفريق الأساسي للريال، بسبب قلة العناصر التي اعتمد عليها الشولو، ورغم ذلك كان ندا قويا في الأشواط الإضافية حتى ركلات الجزاء. وخلال الموسم الحالي، لعب الفريق الأساسي ليوفنتوس 1164 دقيقة أقل من الفريق الأساسي للريال، بسبب سهولة الدوري الإيطالي مقارنة بالإسباني، ووجود فوارق كبيرة بينهم وبين روما ونابولي والبقية، عكس الميرنغي الذي يجد منافسة شرسة مع برشلونة في الليغا.
ورغم لعب اليوفي دقائق أقل، إلا أن الريال ظهر أقوى بدنيا وفنيا، إذ إنه أنهى كل شيء في الشوط الثاني، مع ظهور الطليان بشكل سيئ للغاية، لتجد صحيفة ماركا الحل في أنطونيو بينتوس، نتيجة العمل الشاق الذي قام به طوال الموسم، ووضعه لاعبي الريال تحت ضغط منذ فترة الإعداد الصيفي، لتصل المجموعة إلى النهايات في أفضل هيئة ممكنة.
فيروس الإصابات
كرة القدم بدون إصابات أمر مستحيل، لكن كرة القدم بعدد أقل من الإصابات أمر ممكن وواقعي، لذلك تزيد نسبة الغيابات في بعض الفرق وتقل في فرق أخرى، وهنا يكمن الفرق في التعامل بين الطاقم التدريبي في كل جانب، وهذا أمر يبتعد كثيراً عن قلة الحظ أو سوء الطالع، لأن الإصابات في النهاية جزء لا يتجزأ أبداً من اللعبة، وعنصر أساسي يتحكم في منحنيات الصعود والهبوط لكبار أندية العالم وأوروبا.
ومع كل إصابة، يبدأ المدربون في لوم كل العناصر الأخرى بما فيها اللاعبون، لكنهم لا يتطرقون إلى أساليب التدريبات وكيفية الترابط بين العمل الفني والجانب البدني قبل وأثناء وبعد المواجهات، لذلك تتكرر الأخطاء وتزيد فترات الابتعاد عن الملاعب لأن القضية تسجل في النهاية ضد الجنرال حظ وليس أي سبب آخر.
وبالعودة إلى فترة إقالة أنشيلوتي من تدريب الملكي، خرج الإيطالي بعد فترة ليهاجم إدارة مدريد وخص بالذكر فلورنتينو بيريز، لكن الرئيس وقتها خرج بتصريح غريب بعض الشيء به نبرة تهديد واضحة قائلا، "لا داعي للتفتيش في الدفاتر القديمة، لكن لدينا الأرقام الخاصة بعدد مشاركات اللاعبين وأسباب إصابتهم، ويبدو أن الجهاز الفني له دور رئيسي في هذه المشاكل". وبعيدا عن صدق أو كذب أكبر إداري في العاصمة، فإن عدد الإصابات في صفوف ريال مدريد قل كثيرا بعد قدوم أنطونيو بينتوس بطلب من زيزو.
تؤكد لغة الأرقام من الموقع المختص بالإصابات والغيابات "سبورتس مولي"، أن ريال مدريد لم يواجه أي إصابات قوية في آخر 150 يوماً سوى غاريث بيل والمدافع بيبي. حالة الويلزي فنية بعض الشيء، بسبب مشاركته دون اكتمال شفائه في الكلاسيكو نتيجة قرار زيدان، أما بيبي فأصيب أمام أتليتكو في الديربي بعيداً عن التدريبات والإرهاق. بينما كانت الإصابات الأخرى لفاران في مباراة فالنسيا بالميستايا، وكارفاخال ضد الأتليتي بالتشامبيونز، مع بعض الغيابات لرونالدو وراموس والبقية نتيجة عوامل الراحة أو حتى الشد البسيط كإجراء احتزازي، وبالتالي انخفضت نسبة إصابات لاعبي الريال في أشهر الحسم مقارنة بالسنوات الماضية، في دلالة واضحة على العمل الشاق الذي يقوم به المدرب البدني الجديد.
ما بعد المونديال
على عكس ما حدث في 2015 بعد الفوز بالمونديال في المغرب، حيث دخل الريال وقتها فترة الحسم متفوقا على الجميع، لكنه خرج في النهاية خالي الوفاض بسبب كثرة الإصابات والسقوط أمام برشلونة ويوفنتوس. وحاول زيدان تفادي هذا السيناريو بعد الفوز في اليابان نهاية عام 2016، ووضع كامل رهاناته على المعد البدني بينتوس الذي يبدو عمله واضحا على الفريق.
في يوكوهاما، هبطت الفرقة في اليابان يوم الأحد في الساعة السادسة صباحا، وبعد راحة لمدة خمس ساعات، أخذ بينتوس الجميع إلى أرضية التدريب للقيام بنصف ساعة من التشغيل المتواصل في دائرة. كانت الفكرة، بمجرد الانتهاء من مونديال الأندية، ومنح أسبوع من الإجازات والاستفادة من سبعة أيام دون عمل، بدأت خطة بينتوس بعد العودة بالركض مع اللاعبين لمدة 30 دقيقة من السباق المستمر ثم زاد الرقم إلى 40، وفي الأيام التالية تم تخفيضه إلى سلسلة من السباقات القصيرة التي تعرف رياضياً بالـ "سبرينت".
قال زيدان بالنص لماركا "العودة للمنافسة ستكون صعبة، فالريال على موعد مع 3 مواجهات أمام إشبيلية أحد أصعب فرق الليغا في أقل من 15 يومًا كما سيواجه غرناطة محليا، ثم ينطلق إلى أوروبا مع عودة منافسات التشامبيونز. بينتوس لديه خطة خاصة قبل العودة للمنافسات وهي عبارة عن تحضيرات مصغرة، بالإضافة إلى فكرة المداورة بين التشكيلة الأساسية والبدلاء".
كانت النتائج مثالية في النهايات، ليس فقط في دوري أبطال أوروبا ولكن أيضا بالبطولة المحلية، لأن الريال حقق 23 نقطة في الوقت ما بعد الدقيقة 80. يؤكد بعضهم أن الأمر يعود لقوة رأسيات راموس، لكنه يرتبط بالعمل الجماعي للفريق والقدرة على اللعب بنفس القوة البدنية حتى صافرة الحكم، ليحصد الفريق سبعة انتصارات وتعادلين في الأمتار الأخيرة.
الحالة المحيرة لرونالدو
سجّل كريستيانو رونالدو أهدافاً حاسمة ضد فالنسيا وإشبيلية وسيلتا فيغو وملقا في بطولة الدوري، مع هاتريك ضد بايرن ميونخ وأتليتكو مدريد، وهدفان أمام بوفون في نهائي كارديف، ليقدم البرتغالي نفسه كأفضل حاسم هذا الموسم في المباريات الإقصائية، ويساهم بشكل رئيسي في فوز فريقه ببطولتي الليغا والأبطال. تعددت الأسباب حول انتفاضة البرتغالي في النصف الثاني من الموسم، بعضها فني بالتأكيد والبعض الآخر بدني بحت.
نجح زيدان في توظيف كريستيانو بالطريقة المثالية، إذ إن اللاعب كبر في السن وانخفضت حركته بعض الشيء، ليصبح أضعف على مستوى الركض والمراوغة. رقميا، سجل رونالدو 25 هدفاً في 29 مباراة بالدوري، وقام بعمل 25 مراوغة صحيحة فقط في بطولة الليغا، لتؤكد هذه الإحصاءات تفرد الدون داخل منطقة الجزاء، وغيابه بعض الشيء خارجها، لتجبر هذه العوامل زيزو على وضعه كرأس حربة بالصندوق بجوار بنزيما.
لعب الريال بطريقة قريبة من 4-4-2، ولم يعد رونالدو ذلك الجناح السريع والمهاري، لكنه أصبح أفضل رأس حربة في العالم دون منافس، نتيجة حسمه في النهائيات وقدرته على ترجمة أنصاف الفرص إلى أهداف، في تطور واضح وذكاء ملهم يُحسب للاعب ومدربه، بعد إعادة التوظيف في مكان جديد حسب قدراته ووفق المعطيات المغايرة في عالم المستديرة.
قبل المباراة النهائية، سجل رونالدو 8 أهداف في التشامبيونز من 12 تسديدة على المرمى، نسبة إعجازية تؤكد الحضور الذهني والبدني للاعب في جولات الحسم. وأكدت صحيفة "البايس" الإسبانية أن كريستيانو عمل مع أنطونيو بينتوس وفق برنامج بدني خاص بعد العودة من العطلة الشتوية، واجتمع الثلاثي "رونالدو، زيدان، بينتوس" على انفراد، ليخبر المعد لاعبه بأنه يجب أن يرتاح في بعض المباريات السهلة، ويسمع نصيحة المدير الفني لأنه يعرف مصلحته، وضمن له أن يصل شهر مايو/ أيار في أفضل حالة على الإطلاق.
وبالمقارنة مع نفس الفترة بالموسم الماضي، سنجد فارقاً حقيقياً لمصلحة رونالدو الحالي رغم عامل السن، فالبرتغالي تعرض لعدة إصابات في نهاية الفترات السابقة، لكنه هذا الموسم أفضل وأقوى وأكثر جهوزية، بسبب التدريبات البدنية التي قام بها رفقة بينتوس، واستماعه لنصيحة المعد البدني بالراحة والمداورة والخروج بديلاً في بعض المباريات.
في موسم 2015-2016، لعب رونالدو 36 مباراة في الليغا من أصل 38، تم استبداله فقط في مباراتين، لكن خلال 2016-2017، لعب 29 مباراة فقط وتم استبداله في 5 بنسبة تصل إلى 17.2 %. وساعدت هذه الخلطة السحرية حامل لقب الكرة الذهبية في التألق مع نهاية الموسم، ومضاعفة حظوظه في نيل جائزة أفضل لاعب في العالم للعام الثاني على التوالي والمرة الخامسة في تاريخه.
اقــرأ أيضاً
لم يكن ذلك الشخص سوى أنطونيو بينتوس، المعد البدني لفريق ريال مدريد، والرجل الذي أصر زيدان على التعاقد معه بأي طريقة ممكنة مطلع الصيف الماضي، ليتحول في موسم واحد فقط إلى إحدى أيقونات النجاح في إسبانيا وأوروبا، بعد تحقيق الملكي بطولتي الليغا والتشامبيونزليغ، مع الاعتماد على فريقين من الأساسي والاحتياطي، حتى المباراة الأخيرة ضد يوفنتوس في نهائي كارديف.
المدرسة الإيطالية
زادت الشكوك حول ريال مدريد في الموسم الماضي رغم فوزه بدوري أبطال أوروبا على حساب أتليتكو، وعلى عكس كل التوقعات، لم يتعاقد بيريز مع أي أسماء كبيرة مكتفيا بعودة موراتا وأسينسيو مع تصعيد بعض الصغار، حتى دي خيا قرر الاستمرار في إنكلترا مع مورينيو. وكانت هذه الترتيبات بالتعاون بين إدارة مدريد وزيدان، بعد أن قرر المدير الفني الاعتماد على العناصر المتاحة، مع طلب واحد فقط إلى فلورنتينو، أحضر بينتوس بأي طريقة، حتى وإن كانت غير شرعية.
أنطونيو إيطالي يبلغ من العمر 54 عاماً، عمل في بداياته معداً بدنياً مع نادي سيتيمو، قبل أن ينتقل إلى يوفنتوس عام 1991، ويبقى في تورينو لمدة 2556 يوماً حتى صيف 98. تعاون الرجل وقتها مع عديد من المدربين هناك، وحصل على إشادة من الجميع، خصوصاً نجوم السيدة العجوز، ليأخذه فيالي معه إلى لندن ويعمل في طاقم تشيلسي، قبل أن يعتمد عليه ديديه ديشامب حينما تولى قيادة يوفنتوس ومارسيليا، حتى أعاد زيدان نفس القصة لكن مع ريال مدريد هذه المرة.
"كان محترفا بامتياز، مستعد ومتواضع. يعتمد في عمله الأساسي أن يعرف عادات اللاعبين لمعرفة أي نوع من الإعداد هو الأفضل بالنسبة لهم، وكان يعرف كيفية القيام بذلك"، يقول مورينو توريسيلي، شريك زيدان في يوفنتوس هذه العبارة عن بينتوس. يمتاز أنطونيو بالمرونة والتكيف مع الظروف الجديدة، لذلك يضع أدواته وفق العناصر المتاحة، في باليرمو على سبيل المثال يركز على السرعة والاندفاع، بينما في الريال يهتم بأمور أخرى ترتبط بالهجوم قبل الدفاع.
بينتوس لم يعمل فقط في كرة القدم، قام بتدريب الجودو وألعاب القوى. وكان زيدان يقول منذ يناير إن الفريق بحاجة إلى العمل بجد للوصول إلى مستوى بدني جيد. يشيد المدرب دائما بالمدرسة الإيطالية في الإعداد، وأخبر لاعبوه بهذه الملاحظة منذ اليوم الأول في الإعداد للموسم الجديد، لذلك عرف الجميع بلا استثناء قيمة هذا المدرب مبكرا، خصوصا أنه جاء بعد فسخ تعاقده مع ليون، النادي الفرنسي الذي آمن بقدراته قبل الريال، لكن بعد مكالمة زيدان واهتمام بيريز، لم يقدر أنطونيو على الرفض، وطلب من مديري ليون الموافقة على سفره، وهذا ما حدث في النهاية.
طريقة العمل
في بداية الدورات التدريبية الصيفية لريال مدريد، قام الفريق الأبيض بعدة تعديلات في مونتريال. قسم بينتوس التدريب إلى عدة مجموعات (التوازن، القفزات، الخ)، وانتهت كل دورة بسباق متواصل لمدة نصف ساعة. وقال زيدان فى مؤتمر صحافي بعدها "إن بعضهم عانى، في إشارة إلى بعض اللاعبين. وأكمل المدرب "حسنا اليوم بدأنا بهدوء. إنه رقيب حديدي، لكنه هادئ ومنفتح، وسوف يتعامل بذكاء مع الآخرين".
يراهن بينتوس على رفع الحالة البدنية لكل لاعبيه، من خلال زيادة حدة التدريبات في البدايات، حتى يرصد أبرز المتغيرات على عضلات نجومه، ومعرفة مدى قدرتهم على تحمل الضغوط، ثم يقوم بعد ذلك بخفض النسق تدريجيا حتى منتصف الموسم تقريبا، وبعد ذلك تبدأ الدورة في الدوران بأقصى سرعة ممكنة. إنه يهدف إلى الوصول إلى أعلى معدل ممكن خلال فترة الحسم، وهذا ما فعله المعد البدني بامتياز هذا الموسم، إذ إن فريق الريال لم يجد أي معاناة مع تواصل ضغط المباريات، بسبب مواجهة هذه الظروف الصعبة في البدايات مع بينتوس.
في النهائي الماضي أمام أتليتكو، لعب فريق سيميوني 4000 دقيقة أكثر من الفريق الأساسي للريال، بسبب قلة العناصر التي اعتمد عليها الشولو، ورغم ذلك كان ندا قويا في الأشواط الإضافية حتى ركلات الجزاء. وخلال الموسم الحالي، لعب الفريق الأساسي ليوفنتوس 1164 دقيقة أقل من الفريق الأساسي للريال، بسبب سهولة الدوري الإيطالي مقارنة بالإسباني، ووجود فوارق كبيرة بينهم وبين روما ونابولي والبقية، عكس الميرنغي الذي يجد منافسة شرسة مع برشلونة في الليغا.
ورغم لعب اليوفي دقائق أقل، إلا أن الريال ظهر أقوى بدنيا وفنيا، إذ إنه أنهى كل شيء في الشوط الثاني، مع ظهور الطليان بشكل سيئ للغاية، لتجد صحيفة ماركا الحل في أنطونيو بينتوس، نتيجة العمل الشاق الذي قام به طوال الموسم، ووضعه لاعبي الريال تحت ضغط منذ فترة الإعداد الصيفي، لتصل المجموعة إلى النهايات في أفضل هيئة ممكنة.
فيروس الإصابات
كرة القدم بدون إصابات أمر مستحيل، لكن كرة القدم بعدد أقل من الإصابات أمر ممكن وواقعي، لذلك تزيد نسبة الغيابات في بعض الفرق وتقل في فرق أخرى، وهنا يكمن الفرق في التعامل بين الطاقم التدريبي في كل جانب، وهذا أمر يبتعد كثيراً عن قلة الحظ أو سوء الطالع، لأن الإصابات في النهاية جزء لا يتجزأ أبداً من اللعبة، وعنصر أساسي يتحكم في منحنيات الصعود والهبوط لكبار أندية العالم وأوروبا.
ومع كل إصابة، يبدأ المدربون في لوم كل العناصر الأخرى بما فيها اللاعبون، لكنهم لا يتطرقون إلى أساليب التدريبات وكيفية الترابط بين العمل الفني والجانب البدني قبل وأثناء وبعد المواجهات، لذلك تتكرر الأخطاء وتزيد فترات الابتعاد عن الملاعب لأن القضية تسجل في النهاية ضد الجنرال حظ وليس أي سبب آخر.
وبالعودة إلى فترة إقالة أنشيلوتي من تدريب الملكي، خرج الإيطالي بعد فترة ليهاجم إدارة مدريد وخص بالذكر فلورنتينو بيريز، لكن الرئيس وقتها خرج بتصريح غريب بعض الشيء به نبرة تهديد واضحة قائلا، "لا داعي للتفتيش في الدفاتر القديمة، لكن لدينا الأرقام الخاصة بعدد مشاركات اللاعبين وأسباب إصابتهم، ويبدو أن الجهاز الفني له دور رئيسي في هذه المشاكل". وبعيدا عن صدق أو كذب أكبر إداري في العاصمة، فإن عدد الإصابات في صفوف ريال مدريد قل كثيرا بعد قدوم أنطونيو بينتوس بطلب من زيزو.
تؤكد لغة الأرقام من الموقع المختص بالإصابات والغيابات "سبورتس مولي"، أن ريال مدريد لم يواجه أي إصابات قوية في آخر 150 يوماً سوى غاريث بيل والمدافع بيبي. حالة الويلزي فنية بعض الشيء، بسبب مشاركته دون اكتمال شفائه في الكلاسيكو نتيجة قرار زيدان، أما بيبي فأصيب أمام أتليتكو في الديربي بعيداً عن التدريبات والإرهاق. بينما كانت الإصابات الأخرى لفاران في مباراة فالنسيا بالميستايا، وكارفاخال ضد الأتليتي بالتشامبيونز، مع بعض الغيابات لرونالدو وراموس والبقية نتيجة عوامل الراحة أو حتى الشد البسيط كإجراء احتزازي، وبالتالي انخفضت نسبة إصابات لاعبي الريال في أشهر الحسم مقارنة بالسنوات الماضية، في دلالة واضحة على العمل الشاق الذي يقوم به المدرب البدني الجديد.
ما بعد المونديال
على عكس ما حدث في 2015 بعد الفوز بالمونديال في المغرب، حيث دخل الريال وقتها فترة الحسم متفوقا على الجميع، لكنه خرج في النهاية خالي الوفاض بسبب كثرة الإصابات والسقوط أمام برشلونة ويوفنتوس. وحاول زيدان تفادي هذا السيناريو بعد الفوز في اليابان نهاية عام 2016، ووضع كامل رهاناته على المعد البدني بينتوس الذي يبدو عمله واضحا على الفريق.
في يوكوهاما، هبطت الفرقة في اليابان يوم الأحد في الساعة السادسة صباحا، وبعد راحة لمدة خمس ساعات، أخذ بينتوس الجميع إلى أرضية التدريب للقيام بنصف ساعة من التشغيل المتواصل في دائرة. كانت الفكرة، بمجرد الانتهاء من مونديال الأندية، ومنح أسبوع من الإجازات والاستفادة من سبعة أيام دون عمل، بدأت خطة بينتوس بعد العودة بالركض مع اللاعبين لمدة 30 دقيقة من السباق المستمر ثم زاد الرقم إلى 40، وفي الأيام التالية تم تخفيضه إلى سلسلة من السباقات القصيرة التي تعرف رياضياً بالـ "سبرينت".
قال زيدان بالنص لماركا "العودة للمنافسة ستكون صعبة، فالريال على موعد مع 3 مواجهات أمام إشبيلية أحد أصعب فرق الليغا في أقل من 15 يومًا كما سيواجه غرناطة محليا، ثم ينطلق إلى أوروبا مع عودة منافسات التشامبيونز. بينتوس لديه خطة خاصة قبل العودة للمنافسات وهي عبارة عن تحضيرات مصغرة، بالإضافة إلى فكرة المداورة بين التشكيلة الأساسية والبدلاء".
كانت النتائج مثالية في النهايات، ليس فقط في دوري أبطال أوروبا ولكن أيضا بالبطولة المحلية، لأن الريال حقق 23 نقطة في الوقت ما بعد الدقيقة 80. يؤكد بعضهم أن الأمر يعود لقوة رأسيات راموس، لكنه يرتبط بالعمل الجماعي للفريق والقدرة على اللعب بنفس القوة البدنية حتى صافرة الحكم، ليحصد الفريق سبعة انتصارات وتعادلين في الأمتار الأخيرة.
الحالة المحيرة لرونالدو
سجّل كريستيانو رونالدو أهدافاً حاسمة ضد فالنسيا وإشبيلية وسيلتا فيغو وملقا في بطولة الدوري، مع هاتريك ضد بايرن ميونخ وأتليتكو مدريد، وهدفان أمام بوفون في نهائي كارديف، ليقدم البرتغالي نفسه كأفضل حاسم هذا الموسم في المباريات الإقصائية، ويساهم بشكل رئيسي في فوز فريقه ببطولتي الليغا والأبطال. تعددت الأسباب حول انتفاضة البرتغالي في النصف الثاني من الموسم، بعضها فني بالتأكيد والبعض الآخر بدني بحت.
نجح زيدان في توظيف كريستيانو بالطريقة المثالية، إذ إن اللاعب كبر في السن وانخفضت حركته بعض الشيء، ليصبح أضعف على مستوى الركض والمراوغة. رقميا، سجل رونالدو 25 هدفاً في 29 مباراة بالدوري، وقام بعمل 25 مراوغة صحيحة فقط في بطولة الليغا، لتؤكد هذه الإحصاءات تفرد الدون داخل منطقة الجزاء، وغيابه بعض الشيء خارجها، لتجبر هذه العوامل زيزو على وضعه كرأس حربة بالصندوق بجوار بنزيما.
لعب الريال بطريقة قريبة من 4-4-2، ولم يعد رونالدو ذلك الجناح السريع والمهاري، لكنه أصبح أفضل رأس حربة في العالم دون منافس، نتيجة حسمه في النهائيات وقدرته على ترجمة أنصاف الفرص إلى أهداف، في تطور واضح وذكاء ملهم يُحسب للاعب ومدربه، بعد إعادة التوظيف في مكان جديد حسب قدراته ووفق المعطيات المغايرة في عالم المستديرة.
قبل المباراة النهائية، سجل رونالدو 8 أهداف في التشامبيونز من 12 تسديدة على المرمى، نسبة إعجازية تؤكد الحضور الذهني والبدني للاعب في جولات الحسم. وأكدت صحيفة "البايس" الإسبانية أن كريستيانو عمل مع أنطونيو بينتوس وفق برنامج بدني خاص بعد العودة من العطلة الشتوية، واجتمع الثلاثي "رونالدو، زيدان، بينتوس" على انفراد، ليخبر المعد لاعبه بأنه يجب أن يرتاح في بعض المباريات السهلة، ويسمع نصيحة المدير الفني لأنه يعرف مصلحته، وضمن له أن يصل شهر مايو/ أيار في أفضل حالة على الإطلاق.
وبالمقارنة مع نفس الفترة بالموسم الماضي، سنجد فارقاً حقيقياً لمصلحة رونالدو الحالي رغم عامل السن، فالبرتغالي تعرض لعدة إصابات في نهاية الفترات السابقة، لكنه هذا الموسم أفضل وأقوى وأكثر جهوزية، بسبب التدريبات البدنية التي قام بها رفقة بينتوس، واستماعه لنصيحة المعد البدني بالراحة والمداورة والخروج بديلاً في بعض المباريات.
في موسم 2015-2016، لعب رونالدو 36 مباراة في الليغا من أصل 38، تم استبداله فقط في مباراتين، لكن خلال 2016-2017، لعب 29 مباراة فقط وتم استبداله في 5 بنسبة تصل إلى 17.2 %. وساعدت هذه الخلطة السحرية حامل لقب الكرة الذهبية في التألق مع نهاية الموسم، ومضاعفة حظوظه في نيل جائزة أفضل لاعب في العالم للعام الثاني على التوالي والمرة الخامسة في تاريخه.