تبدلت وجوده المعارضين الذين يزورون أو يُقيمون في العاصمة اللبنانية بيروت، ولم تعد المدينة ذلك البرلمان العربي المعارض الذي يجتمع فيه معارضو الأنظمة الحاكمة من المغرب العربي وحتى أقصى الشرق. حتى قضايا النضال، أصابها التقلص وباتت محدودة بحدود الأوطان، ويومية بحجم رغيف العيش. طاول التحول شارع الحمرا أيضاً، ومقاهيه والأحاديث الليلية التي تدور حول الطاولات فيها. اجتمعت الفتاتان إلى صديقتهما اللبنانية في شارع الألوان، والحديث واحد: تجربة الخضوع للمحاكمة أمام محاكم "الإرهاب" والمحكمة العسكرية بسبب المشاركة في تظاهرات معارضة. تبدا الفتاتان الحديث عن تجربة الإقامة شبه الجبرية في بيروت هرباً من حكم مؤكد بالسجن الطويل سيصدر عن قضاء بلدهما "الشامخ".
تضحكان مطولاً قبل الحديث عن التهم المنسوبة إليهما: أصغرها سرقة دبابة عسكرية، وأكبرها قتل سبعة أو ثمانية. مع تهمة ثالثة لتكتمل عناصر النكتة/ القضية: المشاركة في التخطيط لقتل سبعة أو ثمانية آخرين. ترفع الفتاتان الهاتف النقال للحديث مع الأهل والأصدقاء في الوطن. يعلو الضحك هناك أيضاً، فالنظام ناقض نفسه وحكم لصالح الشعب ضد الرئيس. يعلو الضحك طبعاً، لكن الدمعة أقرب وأصدق. بالكاد اجتازت الأولى مرحلة الجامعة، أما الثانية فتريد أن تستثمر وقتها في بيروت لاستكمال دراستها. تبدو المعارضة كلمة مُبالغ فيها عند حديث الفتاة اللبنانية عن التظاهرة التي شاركت فيها وكانت سبباً لتقف أمام رئيس المحكمة العسكرية شخصياً. إنها أزمة النفايات التي قادت بعض الشبان اللبنانيين للتظاهر ضد الحكومة وإدارتها الفاشلة لملف النفايات ضمن حملات الحراك الشعبي والمدني. وبعد أن أغرقت الدولة شوارع محافظتي بيروت وجبل لبنان بالنفايات، تفرغت كل أجهزتها الأمنية والقضائية لتُحاكم ناشطي هذا الحراك بتهم لا تليق بالصفات التي تقترن بلبنان كبلد للحرية والمساواة والديمقراطية. ولكي تتجنب قضاء فترة حكم فعلي في السجن، ستضطر الفتاة إلى دفع ثمن العتاد العسكري الذي بذّره عناصر القوى الأمنية خلال البطش بالناشطين المطالبين بإدارة منطقية للنفايات. ومع كل جلسة محاكمة، تقف الفتاة إلى جانب عشرات المُتهمين بـ"الإرهاب" و"تجارة السلاح" و"إعداد المتفجرات" وغيرها من التهم الثقيلة. فهل هو شكل من إرهاب الدولة بحق الشباب؟ الأمثلة كثيرة حول العالم العربي لشبان يواجهون منظومة سياسية حوّلت القضاء إلى أداة تنفيذية بيد الحاكم لإخضاع الشباب. ومن نجا من مقصلة القضاء وابتعد عن كل أشكال الاعتراض، سيجد نفسه مُكبلاً بالضغوط المعيشية التي ستُلهيه عن أي مطلب وتُدجنه ضمن الفئات الاجتماعية الجديدة في العالم العربي: الطبقة المسحوقة، والطبقة المسحوقة جداً، والطبقة الساحقة.
تضحكان مطولاً قبل الحديث عن التهم المنسوبة إليهما: أصغرها سرقة دبابة عسكرية، وأكبرها قتل سبعة أو ثمانية. مع تهمة ثالثة لتكتمل عناصر النكتة/ القضية: المشاركة في التخطيط لقتل سبعة أو ثمانية آخرين. ترفع الفتاتان الهاتف النقال للحديث مع الأهل والأصدقاء في الوطن. يعلو الضحك هناك أيضاً، فالنظام ناقض نفسه وحكم لصالح الشعب ضد الرئيس. يعلو الضحك طبعاً، لكن الدمعة أقرب وأصدق. بالكاد اجتازت الأولى مرحلة الجامعة، أما الثانية فتريد أن تستثمر وقتها في بيروت لاستكمال دراستها. تبدو المعارضة كلمة مُبالغ فيها عند حديث الفتاة اللبنانية عن التظاهرة التي شاركت فيها وكانت سبباً لتقف أمام رئيس المحكمة العسكرية شخصياً. إنها أزمة النفايات التي قادت بعض الشبان اللبنانيين للتظاهر ضد الحكومة وإدارتها الفاشلة لملف النفايات ضمن حملات الحراك الشعبي والمدني. وبعد أن أغرقت الدولة شوارع محافظتي بيروت وجبل لبنان بالنفايات، تفرغت كل أجهزتها الأمنية والقضائية لتُحاكم ناشطي هذا الحراك بتهم لا تليق بالصفات التي تقترن بلبنان كبلد للحرية والمساواة والديمقراطية. ولكي تتجنب قضاء فترة حكم فعلي في السجن، ستضطر الفتاة إلى دفع ثمن العتاد العسكري الذي بذّره عناصر القوى الأمنية خلال البطش بالناشطين المطالبين بإدارة منطقية للنفايات. ومع كل جلسة محاكمة، تقف الفتاة إلى جانب عشرات المُتهمين بـ"الإرهاب" و"تجارة السلاح" و"إعداد المتفجرات" وغيرها من التهم الثقيلة. فهل هو شكل من إرهاب الدولة بحق الشباب؟ الأمثلة كثيرة حول العالم العربي لشبان يواجهون منظومة سياسية حوّلت القضاء إلى أداة تنفيذية بيد الحاكم لإخضاع الشباب. ومن نجا من مقصلة القضاء وابتعد عن كل أشكال الاعتراض، سيجد نفسه مُكبلاً بالضغوط المعيشية التي ستُلهيه عن أي مطلب وتُدجنه ضمن الفئات الاجتماعية الجديدة في العالم العربي: الطبقة المسحوقة، والطبقة المسحوقة جداً، والطبقة الساحقة.