أنقرة حاضرة غائبة في تحالف واشنطن
ربما تكون تركيا اللاعب الغائب الحاضر في حرب الولايات المتحدة الأميركية على تنظيم الدولة الإسلامية، فقد تجد أنقرة صعوبة في أن تلعب دوراً واضحاً في التحالف الذي تشكله أميركا لضرب أهداف للتنظيم في العراق، وربما في سورية أيضاً، خوفا من انتقامه من أتراك يحتجزهم رهائن لديه.
وسبق وأن توقع مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون أن تنأى تركيا بنفسها عن لعب دور كبير في هذا التحالف، ومع أنها دولة أساسية في حلف الناتو، إلا أن علاقاتها بسبع دول مجاورة لها حساسة، وأحياناً، تعاني هذه الدول من اضطرابات. وعلى الرغم من تشديد تركيا على احترام التزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي الذي انضمت اليه عام 1952، فقد عبر مسؤولون أتراك عن عدم استعدادهم للمخاطرة بحياة مواطنيهم الرهائن.
ومن منظور جيوسياسي، نجد أن تركيا دوماً في موقع غير مريح، فآسيا الصغرى هي محور أوراسيا، إنها الجسر البري بين أوروبا وآسيا، الحدود الشمالية للعالم العربي، والحدود الجنوبية للقوقاز، يمتد نفوذها إلى الخارج باتجاه البلقان وروسيا وآسيا الوسطى والعالم العربي وإيران، بالإضافة إلى تحكمها بمضيق البوسفور الذي يجعل تركيا صلة الوصل بين البحرين، الأبيض المتوسط والأسود. وبالتالي، يتضح التعقيد الذي يحيط بالموقف التركي، فهي، دائماً، إما تحت ضغط من جيرانها، أو تمارس ضغطاً على جيرانها.
ورداً على سؤال عن سبب عدم توقيع بلاده على المشاركة في الحلف الذي سيواجه تنظيم الدولة الإسلامية، قال، رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، "ما تريده الولايات المتحدة الأميركية من الحلف واضح، وسبب عدم توقيع تركيا على بيان قمة جدة واضح أيضا، أتمنى أن يعي الجميع ما أقول، لا أريد الدخول في تحليل ذلك، لأنني سأضر بالسبب وراء ذلك". وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، إن تركيا محقة في شعورها بالقلق حيال العنف وعدم الاستقرار الذي يخلقه تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، مضيفا أن مشاورات مكثفة تجري مع المسؤولين المعنيين في تركيا، لبحث الطريقة التي يمكن أن تسهم بها في التحالف الدولي الموسع ضد هذا التنظيم.
ورداً على سؤال عن الموقف الاميركي في حال قررت تركيا عدم المشاركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية عسكرياً، قال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، إنه لا يعتقد أن هذا الأمر سيمثل مشكلة، ويعتقد أن تركيا ستشارك، فقد أرسلت إشارات بهذا الخصوص، إلا أنها ستشارك بطريقتها الخاصة، وفي إطار الصلاحيات التي سيمنحها الشعب التركي.
وواضح من التصريحات الأميركية محاولة التخفيف من أهمية إعلان تركيا عدم المشاركة العسكرية في التحالف الجديد، وفي الوقت نفسه، لا تريد واشنطن استبعاد أنقرة، فتركيا من الدول التي تتمتع بوفرة الخيارات الاستراتيجية، بسبب امتداد عمقها الاستراتيجي في أقاليم عديدة مجاورة، وتتحرك تركيا حالياً في الشرق الأوسط، كمبادرة لحل أزماته المتفاقمة في شتى المجالات، وتقدم أفضل نموذج سياسي للتناوب على السلطة في المنطقة، فلم تعد تركيا البلد الذي وظفه حلف شمال الأطلسي حارسا في المنطقة.
وتسلط معضلة تركيا الضوء على طبيعة التحديات التي يواجهها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في تشكيل ائتلاف فعال من الدول التي لها مصالح والتزامات مختلفة في المنطقة، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، والذي تعتبره واشنطن أكبر تهديد لها، ويضم مقاتلين عرباً وغربيين.
وفي مؤشر على مدى حساسية المسألة التركية، شدد مسؤولون أتراك، في أحاديث خاصة، على أن أياً من الطائرات الاميركية التي تنفذ غارات في العراق، لم تنطلق من قاعدة أنجرليك الجوية جنوب تركيا.
وقال العضو السابق في إدارة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، هنري باركي، عن مقطع الفيديو الذي نشر في 19 أغسطس/آب الماضي، وأظهر مقاتلاً، وهو يذبح الصحفي الأميركي، جيمس فولي، "إعدام فولي لم يكن رسالة لنا فحسب، بل للأتراك أيضاً".
وتقديراً للمأزق الذي تجد تركيا نفسها فيه، تهدف واشنطن إلى حمل أنقرة على التركيز على وقف تدفق المتشددين الأجانب، ومنهم كثيرون من أميركا وغرب أوروبا، ويعبرون أراضيها للانضمام للقتال في سورية، وقد وضعت تركيا قائمة تضم ستة آلاف شخص، ممنوعين من دخول أراضيها للاشتباه في أنهم يسعون إلى القتال في سورية، بحسب وكالات مخابرات أجنبية.
ويدرك الكل أن لتركيا وضعا خاصا، بسبب سلامة رهائنها، وعدم رغبتها في مهاجمة دولة مجاورة، فربما يحدث رد فعل انتقامي، كما أن رئيسها المنتخب، رجب طيب أردوغان، لا يريد أن يعطي المعارضة التركية أية فرصة للنيل من شعبيته، في حال المخاطرة بحياة الرهائن، ولاسيما أنه أمام استحقاقات داخلية مهمة، استفتاء شعبي، وانتخابات برلمانية، يتطلع أن يحصل فيها حزب العدالة والتنمية على أكثرية تخوله إجراء تعديلات دستورية لازمة لتحويل تركيا إلى جمهورية رئاسية.
ويحتجز تنظيم الدولة الإسلامية 46 مواطناً تركياً، بينهم دبلوماسيون، خطفوا من القنصلية التركية في الموصل، عندما اجتاحها التنظيم في يونيو/حزيران الماضي. وبحسب مراقبين عديدين، قد تسمح أنقرة باستخدام أراضيها والقواعد هناك لأنشطة غير قتالية، وليس الطائرات التي تحمل قنابل، وربما يكون دور تركيا الجديدة في تحالف واشنطن الجديد أكبر تحدٍ يواجه أردوغان، في بداية رئاسته تركيا الجديدة.
والسؤال، هنا، إلى متى يستطيع أردوغان الحفاظ على هذا التوازن في دور تركيا في أي تحالف قادم، فبمقدار ما تشتد الفوضى في المنطقة المحيطة بتركيا، وتغدو تركيا أقوى، يشتد الضغط الجيو سياسي على تركيا لكي تملأ الفراغ؟ وهل هناك أبعاد أخرى لتحالف واشنطن غير معلنة، لا تراها أنقرة تصب في نهر مصالحها؟
تدرك تركيا جيداً أنها قوة إقليمية، لها وزنها في الشرق الأوسط، وتريد أن تلعب دوراً يليق بها في ظروف إقليمية دولية مناسبة، وارتياح غربي أميركي لهذا الدور، خصوصا أن مشاركة تركيا في تطويق أزمات إقليمية حالياً يساهم في إيجاد توازن جديد، يحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.