تظاهر مئات الفلسطينيين في أراضٍ احتلت عام 1948، يوم الجمعة الماضي، تضامناً مع أهالي قرية دهمش، الواقعة بين اللد والرملة، والتي يرفض الكيان الإسرائيلي الاعتراف بها، وتسعى أجهزته المختلفة إلى هدم بيوتها وتساوم أهلها على ترك أراضيهم.
وتواجه قرية دهمش، المشيّدة على أراضٍ خاصة، حملة شرسة من قبل ما يسمى لجنة "التنظيم والبناء الإسرائيلية"، منذ سنوات، إذ صدر بحقها آوامر هدم نحو 16 منزلًا قابلة للزيادة، وفي الآونة الأخيرة، صدرت آوامر بهدم ثلاثة منازل جديدة.
ويوضح المحامي خالد زبارقة، الذي يتابع ملفات القرية في المحاكم، في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "القرية غير معترف بها، على الرغم من أنّ أهلها يعيشون على أرضهم، التي اشتروها بأموالهم والمسجّلة بأسمائهم، قبل قيام الكيان الإسرائيلي".
ويؤكّد زبارقة أنّ أهالي الحيّ قاموا بكلّ الاجراءات المتّبعة، وفق قانون التنظيم والبناء الإسرائيلي، من أجل الحصول على تراخيص، كما هو متّبع في العالم، لكنّهم واجهوا إجراءات تعسّفية ومماطلة من جانب الجهات الرسميّة من أجل منع الاعتراف بهذه القرية. والهدف من ذلك، منع إقامة قرية عربيّة جديدة في المنطقة".
من الناحية القانونية البحتة، تُعتبر القرية قابلة للترخيص، وفق زبارقة، لكنّ الرفض المتواصل للجهات الرسميّة، لأسباب عنصريّة، حال من دون الاعتراف بها إلى اليوم". ويتعرض أهالي القرية، للتنكيل والتضييق عليهم، وكان آخر هذه الممارسات استصدار آوامر هدم ثلاثة بيوت، تملكها ثلاث عائلات، وتجنّدت كل أذرع الاحتلال من أجل هدم البيوت، وفق المحامي.
العنصريّة الإسرائيلية
لم يثمر توجّه الأهالي إلى المحكمة لتجميد أوامر الهدم بعد. يقول زبارقة: "شرحنا حيثيات القضيّة وكون أهل القرية توجّهوا بإجراءات رسمية، وطالبوا بالترخيص والاعتراف"، لافتاً إلى "مماطلة لا تحتمل تفسيراً إلاّ العنصرية من قبل الأذرع الإسرائيليّة".
ويعرض المحامي حوادث عدة، قائلاً: "كان مقرراً أن تُهدم البيوت، الأحد الماضي، لكنّ التحرّك الجماهيري حال من دون ذلك. فوجئنا، في اليوم التالي، بقاضية المحكمة المركزيّة في اللد، تسأل مندوبي لجنة التخطيط والبناء الإسرائيلية، لماذا أنتم هنا ولم تهدموا البيوت حتى الآن؟! وتفاجأت لعدم تنفيذ الهدم بعد". ويشير إلى أنّ القاضية علقت الجلسة لإصدار القرار، وقالت لأهالي الحي إذا أردتم تجميد آوامر الهدم مؤقتاً، فعليكم دفع غرامة تعادل نحو 85 ألف دولار"، مضيفاً: "هذه هي العدالة الإسرائيلية!".
"لن نرحل"
من جهتهم، يؤكد أهالي المنازل الثلاثة التي انضمت، أخيراً، إلى قائمة البيوت المهدّدة بالهدم، لـ"العربي الجديد"، أنّهم "لن يرحلوا"، وهذه هي الرسالة التي يوجهونها للمؤسّسة الإسرائيليّة.
ويقول سفيان عساف، من أصحاب البيوت المهدّدة بالهدم، لـ"العربي الجديد": "بنينا البيت منذ نحو 8 أشهر، وكنا في المراحل النهائيّة وفوجئنا باستصدار أمر هدم، بحجّة أنّ البيت بدون ترخيص، علماً أنّني اضطررت للبناء بدون ترخيص، بعد محاولات بائسة، استمرت سنوات لاستصدار رخصة، وعندما وجدنا أنّ المهمّة مستحيلة، لم يعد هناك خيار آخر أمامنا".
ويروي عساف: "خلال خمسة أشهر دخلت المحاكم الإسرائيلية على مختلف مستوياتها، في محاولة لمنع الهدم من دون فائدة، وفي الآونة الأخيرة طالبتنا المحكمة بدفع مبالغ كبيرة لتجميد الهدم، لأسبوع واحد، وهذا مستحيل طبعاً". ويعتبر "أنّ ما يحدث هو تكريس للعنصريّة والتمييز، لكنّ رسالتنا أننا سنحاول إيصال صوتنا لكل مكان في العالم حول هذا القهر الذي تمارسه إسرائيل ضدّنا. كان هناك عروض من الجهات الرسمية، لمبادلة أراضينا بأراضٍ في أماكن أخرى، وهذا دليل على أنّ الأرض التي نحن عليها مستهدفة".
ويستذكر عساف أنّه "قبل حوالي 15 سنة، تمّت مصادرة نحو 5 دونمات من أجل سكّة القطار، التي باتت تمرّ من داخل الحي وحتى دون تعويضات لنا، لكننا اليوم نؤكّد أنه لا يمكن أنّ نترك أرضنا وبيوتنا، وسنبقى لو كلّفنا ذلك حياتنا".
وعلى الرغم من التهديد الذي يتعرض له أهل القرية من ضياع منازلهم وتهجيرهم، لكنّهم يؤكدون تمسّكهم بأرضهم. ويقول الشابان محمد وسليم عساف، اللذان يهدد الهدم منزليهما، لـ "العربي الجديد": "نحن أبناء الجيل الجديد، لن نهون ولن نغادر بيوتنا ولا أرضنا، مهما خططت المؤسسة الإسرائيلية وفعلت، ولن نبحث عن مكان آخر، مستقبلنا هنا على أرضنا".
من جانبه، تولى رئيس "الحركة الإسلامية" في داخل الأراضي التي جرى احتلالها عام 1948، الشيخ رائد صلاح، إلقاء خطبة الجمعة في قرية دهمش. وقال في خطبته: "نحن أصحاب الأرض ونحن الضحيّة، لكنّ المؤسّسة تحوّلنا إلى متّهم وإلى المحاكم والسجون، لأنها تتّهمنا بسرقة أرضنا، على الرغم من أنها هي التي سرقت الأرض، كما تتهمنا بالبناء من دون ترخيص، هذا هو الحال في دهمش واللد ويافا والنقب ومختلف بلداتنا".
ويتساءل صلاح "لما لا تهدم المستوطنات؟ فهي مقامة بلا ترخيص أو شرعيّة"، مبيناً أنه "وفقاً لاستطلاع عام 2005، فإن أكثر من 160 ألف بيت إسرائيلي، غير مرخص، ومع هذا لم نسمع عن أي هدم، في حين تمّ تشكيل وحدات خاصة لهدم بيوتنا العربية".
ويعتبر رئيس "الحركة الإسلامية"، أنّ "هدم بيوت قرية دهمش جريمة، وكذلك بيوت الداخل الفلسطيني، ومن حقنا الدفاع عن أنفسنا"، مؤكداً أنّ "المؤسسة الإسرائيلية، هي من لا تحترم القانون". وتساءل عن سبب منع بعض أهالي الغابسية من العودة إلى بيوتهم، على الرغم من وجود أحكام قضائيّة تسمح بعودتهم مستدركاً بالقول: "إذاً ما يتم فعلاً ليس التزاماً بالقانون، إنّما أعمال باسم البلطجة، والأمثلة كثيرة".
ويخلص صلاح إلى القول: "على المؤسسة الإسرائيلية أنّ تعلم أننا نحن تاريخ وحاضر ومستقبل هذه الأرض، ولن ننكسر ونرحل ونتراجع، ولن نخاف وسنبقى في دهمش وفي كل مكان لنا".