بقدمين متثاقلتين، راحت الحاجة كفاية فريد القاضي تتنقل بين الأشجار الحرجية بحثاً عن الفطر. من دون أن تدري، هاجمها قطيع خنازير برية فرقدت في المستشفى أياما عدة.
تروي القاضي، وهي من بلدة ديراستيا في شمال الضفة الغربية، تفاصيل ما حصل معها. تقول: "خرجت من منزلي في ساعات الصباح الأولى إلى الجبال، للبحث عن الفطر المشروم الطبيعي، الذي نسميه محلياً الفُقع. وأثناء سيري، فوجئت بقطيع خنازير برية يهاجمني بعدما خرج من قلب الأشجار الحرجية، مما أدى إلى إصابتي بجراح في مناطق متفرقة من جسمي. وصف الأطباء حالتي بالمتوسطة، ومكثت نحو أسبوعين في مستشفى رفيديا الحكومي في نابلس".
كابوس
يقول الشاب، عمار عبد الرازق، إن الخنازير البرية تهاجم المناطق السكنية المحيطة بالأراضي الزراعية في منطقة سلفيت، بسبب التوسع العمراني، الذي امتد إلى الأراضي الزراعية النائية. يوضح: "في الحي الذي أقطنه، عادة ما أتلقى اتصالاً من شقيقي يخبرني بوجوب الانتباه قبل العودة إلى المنزل، لوجود الخنازير أمام بيتنا".
من جهته، يقول إسماعيل عواد: "لم نتمكن من إكمال قطف ثمار الزيتون هذا العام". لعائلته قصة مع هذه الخنازير. "كانت الساعة تقارب الثالثة عصراً. كنا نقطف الزيتون. سمعت وأقاربي أصواتاً مزعجة. أدركنا أنها الخنازير البرية. ثم رأيت قطيعاً من الخنازير المختلفة الأحجام يلاحق قطيعاً من الكلاب في أرض محاذية. اضطررنا إلى إنهاء العمل وخصوصاً أن أطفالنا كانوا معنا".
لا تقتصر أضرار الخنازير البرية على الأهالي. يوضح مدير زراعة سلفيت، إبراهيم الحمد، أن الخنازير البرية "تلحق ضرراً فادحاً بالمحاصيل الزراعية، وتُدمر الجدران الإسنادية التي يبنيها المزارعون لحماية أراضيهم، بالإضافة إلى تلويث مياه الوديان". يضيف: "الخنازير البرّية تساهم في عزوف كثير من المواطنين عن زراعة أراضيهم"، موضحاً أنها "تهاجم الحقول وتدمرها بحثاً عن الرطوبة ليلاً، وغالباً ما تكون ليالي الصيف أكثر خطورة".
استيطان
يحمّل عضو لجنة مقاومة الجدار والاستيطان في محافظة سلفيت، رزق أبو ناصر، الاحتلال مسؤولية معاناة الفلسطينيين بسبب كثرة الخنازير، لافتاً إلى أن منطقة سلفيت تعيش واقعاً خاصاً يختلف عن بقية المحافظات، في ظل التوسّع الاستيطاني. يضيف أن هناك 20 مستوطنة في مقابل 19 قرية فلسطينية، عدا عن البؤر الاستيطانية العشوائية التي ستتحول إلى مستوطنات في ما بعد. يتابع أن "الشاحنات الإسرائيلية المحملة بالخنازير تعمد إلى إطلاقها في المناطق المحاذية للقرى والبلدات الفلسطينية. فتهاجم المواطنين وتخرب الأراضي الزراعية".
ويشير أبو ناصر إلى أن المستوطنين يُلقون مخلّفات المستوطنات بشكل متعمدٍ قرب الأراضي الفلسطينية، موضحاً أن هذه المخلّفات، علاوة على إضرارها بالبيئة، تجذب الخنازير البرية. يضيف: "ظاهرة الخنازير ليست جديدة. ظهرت مع الاحتلال عام 1967، لكن ضررها آنذاك كان بسيطاً ونسبياً. وفي بداية التسعينيات، تحولت إلى ظاهرة في منطقة سلفيت، وغدت أسلوباً ينتهجه الاحتلال ومستوطنوه للتضييق على الفلسطينيين".
مكافحة فردية
وجد المزارع، توفيق عقل، طريقته للحد من ضرر الخنازير البرية. يقول إنه بعد إتلاف الخنازير مزروعاته، صار يضع السم في أوعية المياه، مؤكداً أن هذه الطريقة تساهم في التخفيف من انتشارها لفترة مؤقتة، من دون أن تقضي عليها بصورة نهائية، بسبب تكاثرها. من جهته، يرى الحمد أن السموم القاتلة تعد وسيلة ناجحة للقضاء على الخنازير البرية في الأراضي الزراعية القريبة من المناطق السكنية فقط، لافتاً إلى أن وضع السموم في الأراضي الزراعية البعيدة يقتل الخنازير، لكنه يهدد حياة الماشية أيضاً. يضيف: "لا تقتصر صعوبة مكافحة الخنازير البرية على تكاثرها السريع، أو عدم خوفها من الإنسان، بل إن انتشارها على شكل قطيع يزيد الأمر تعقيداً، بالإضافة إلى عدم وجود موسم أو فصل محدد لظهورها".
ويؤكد أن الحل الوحيد لاجتثاث ظاهرة الخنازير البرية نهائياً يكمن في إطلاق النار عليها، علماً بأن سلطات الاحتلال تحظر ذلك لأسباب أمنية. ويلفت إلى أن "منطقة سلفيت تختلف عن مدينة نابلس، على سبيل المثال، بحكم تبعية الأولى للمناطق المصنفة ج وفق اتفاق أوسلو. وبالتالي لا تتمتع السلطة الفلسطينية بسيادة أمنية عليها، بعكس مدينة نابلس التي تتبع للمناطق المصنفة أ".