على الرغم من الإغراءات الكثيرة التي عُرضت على المواطنين المصريين في محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، لدفعهم نحو المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، إلا أن المشاركة الفعلية لأبناء تلك المحافظة في هذا الاستحقاق جاءت ضئيلة للغاية. وتجاهل عشرات آلاف المواطنين دعوات الانتخاب التي وجهها المرشحون لـ"الشيوخ"، وكذلك الحملات الانتخابية التي حملت العديد من المكافآت والوعود للناخبين، حيث ظلّت مراكز الاقتراع شبه خالية. ودفع هذا الأمر بعض المرشحين إلى إرسال سيارات إلى منازل المواطنين لجلبهم للمراكز، لكن ذلك لم يؤثر كثيراً على معدل المشاركة المنخفض، الذي كشفت عنه مصادر حكومية.
وتعد محافظة شمال سيناء دائرة واحدة، تضم لجنة عامة و30 مركزاً انتخابياً، و56 لجنة فرعية مقيداً بها 271 ألفا و851 صوتاً انتخابياً. وخاض الانتخابات على مستوى دائرة شمال سيناء، 7 مرشحين للتنافس على المقعد الفردي، بجانب مرشح وحيد ضمن القائمة الوطنية من أجل مصر، في الدائرة الثالثة شرق، والتي تضم محافظات عدة، من بينها شمال سيناء.
وكشف مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، أن عدد المقترعين في اليوم الأول لانتخابات المجلس، بلغ 7559 شخصاً، بنسبة بلغت 2.78 في المائة فقط، ما أثار غضب المرشحين، والمسؤولين الحكوميين والأمنيين أيضاً، الذين عقدوا اجتماعاً طارئاً مساء الثلاثاء، لتدارك الموقف، ولكن دون جدوى.
عدد المقترعين في اليوم الأول لانتخابات المجلس، بلغ 7559 شخصاً، بنسبة بلغت 2.78 في المائة فقط
ولفت المصدر إلى أن نسبة الإقبال الأعلى كانت من نصيب مدينة بئر العبد، ثم مركز نخل، فالعريش والشيخ زويد، يليها مركز الحسنة وأخيراً رفح، من دون أن يخفي حقيقة أن النسب جاءت دون المتوقع لدى كافة الدوائر الحكومية والأمنية في شمال سيناء. وأصيب المسؤولون بالصدمة لا سيما لضآلة المشاركة في مدينة العريش التي تعتبر عاصمة المحافظة، فيما ظلّ مركزا رفح في الشمال والحسنة بوسط سيناء شبه خاليين على مدى يومي الاقتراع.
ولم تؤثر إيجاباً على مسار الاقتراع دعوات كانت أصدرتها جهات مسؤولة وشخصيات اعتبارية في المحافظة للمواطنين بضرورة المشاركة باستحقاق "الشيوخ"، كمثل دعوات المحافظ اللواء محمد عبد الفضيل شوشة ونواب البرلمان في المحافظة. ولم تسفر طمأنة المواطنين بسلسلة إجراءات لمواجهة تفشي فيروس كورونا عن زيادة الإقبال.
وتعليقاً على ذلك، رأى أحد وجهاء مدينة رفح المهجرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المواطن السيناوي فقد الثقة في الدولة برمتها، وليس فقط في مجالسها، في ظل الظروف التي يعيشها منذ أكثر من 7 سنوات متوالية، دون أي اتجاه حكومي للاهتمام بقضاياه. ولفت المصدر في هذا الإطار، إلى "نصف المحافظة التي باتت في دائرة التهجير، بدءاً من رفح والشيخ زويد وأطراف العريش، وصولاً إلى قرى بئر العبد، ووسط سيناء، دون أن يحرك أي مسؤول حكومي أو نائب ساكنا تجاه محاولة حلّ أبسط القضايا كتوفير مياه الشرب والكهرباء والاتصالات للسكان، أو الاحتياجات الأساسية الأخرى كالأدوية والمحروقات، بعيداً عن رتابة التنسيقات الأمنية لكل الواردات إلى المحافظة".
ولفت المصدر إلى أن انتخابات مجلس الشيوخ "جاءت في الوقت الذي فقدت فيه الدولة جزءاً من أراضي سيناء لصالح تنظيم ولاية سيناء الموالي لداعش"، مذكراً بأنه "على الرغم من مرور أسابيع على حادثة سيطرة التنظيم الإرهابي على 5 قرى غرب بئر العبد، إلا أن الجيش لم يتمكن من إعادة السيطرة عليها حتى اللحظة". وقال المصدر إن "كافة الأزمات المعيشية لا تزال تطفو على السطح، وبالتالي فإن الدولة لم تفسح المجال للمواطن في سيناء للتفاؤل من خلال أي نافذة حكومية أو نيابية أو ما شابها، ليبقى المواطن السيناوي مشغولاً في همومه المعيشية اليومية، في ظل انعدام فرص العمل في المحافظة، والتضييق الحاصل على أبنائها، سواء المزارعين أو الحرفيين، عوض تقدير صمودهم في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية على مدار السنوات الماضية".
جاءت انتخابات مجلس الشيوخ في الوقت الذي فقدت فيه الدولة جزءاً من أراضي سيناء لصالح داعش
وأشار المصدر إلى أن المتتبع لصورة الموقف في سيناء، يرى أن طوابير الانتظار على محطة المياه في مدينة الشيخ زويد كانت أطول من طوابير الانتخابات، بعد انقطاع مياه الشرب منذ ما قبل عيد الأضحى (30 يوليو/تموز الماضي) عن المدينة، إثر تعطل بعض محطاتها وعدم وصول الكهرباء إلى أخرى". ولفت إلى أن الحال هو ذاته "بالنسبة إلى طوابير السيارات أمام محطات تعبئة بمادة البنزين في العريش، وهو المشهد اليومي". ولم يغفل المصدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي كانت صناديق الاقتراع تنتظر الناخبين، كان الطيران الحربي المصري يشن غاراته المعتادة على مدينتي رفح والشيخ زويد.
واعتبر أخيراً أن "ضعف الإقبال يجب أن يدق ناقوس خطر لدى الجهات المعنية في شمال سيناء، لإعادة حساباتها خلال المرحلة المقبلة، وتقديم الخدمة المطلوبة للمواطنين، والتعامل معهم كبقية المصريين في المحافظات الأخرى، كي يتسنى لهؤلاء في المقابل تلبية الدعوات الوطنية".