01 فبراير 2019
أوروبا الترامبية
اختارت زعيمة اليمين الفرنسي المتطرّف، مارين لوبان، تدشين نشاطها السياسي منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، في إحدى مدن الجنوب الفرنسي. فعلت ذلك على صورة وضع حزبي منهك بالمتابعات القضائية والصعوبات المالية. دخول وصفته الصحافة الفرنسية بمنخفض الكلفة، ذلك أن حزب التجمع الوطني، الصيغة الجديدة وغير المنقّحة للجبهة الوطنية، بدا متواضعا في حجم وطبيعة نشاطه الافتتاحي الذي جاء بعيدا عن احتفاليات إبراز القوة التي ظل هذا التنظيم قادرا على تجسيدها.
في السياق، اعتبرت الزعيمة اليمينية انطلاقتها السياسية للعام الحالي منخرطة في معركة الانتخابات الأوروبية التي ستشهدها القارة العجوز في مايو/ أيار 2019، وهو استحقاقٌ برهانات كبرى، تكاد تهم وجود المشروع الأوروبي نفسه واستمراريته. وفي المضمون، قدّمت سليلة مؤسس اليمين المتطرف الفرنسي خطابا تقليديا في مفرداته وحججه ومقارباته، بتركيز نموذجي بشأن إشكالية الهجرة، وبنبرة هوياتية مغرقة في القومية الشعبوية. في الخطاب بدت مارين لوبان واثقةً من هيمنة الثنائية الجديدة: هوية أوعولمة، على الزمن السياسي والانتخابي في بلدان أوروبا، ومطمئنة إلى أن أفكار الهوية الثقافية، والحمائية الاقتصادية، والدفاع عن الحدود، والسيادة، ومواجهة الهجرة، قد وصلت إلى مقاليد التدبير في أكثر من دولة أوروبية.
عدّدت المرشحة السابقة لرئاسيات فرنسا، بالأسماء والصفات، حلفاءها الجدد في أوروبا الذين يتقاسمون معها خطابا سياسيا بالعناصر المرجعية نفسها، والأرضية المذهبية والخط السياسي نفسيهما. ووقفت على إنجازاتهم الانتخابية القريبة، مخصّصة حيزا أكبر لحليفها الإيطالي، ماتيو سالفيني، من دون أن تغفل الإعلان المتجدّد عن انتمائها الكامل لعصر سياسي يقوده في الغرب وراء ظلمة الأطلسي، ترامب، وفي الشرق وراء جبال الأورال، بوتين.
طموح "التجمع الوطني" في الانتخابات البرلمانية المقبلة الحفاظ على صدارة النتائج، تماما
مثلما وقع في آخر انتخابات أوروبية، حصلت فيها الجبهة الوطنية على ربع الأصوات المعبّر عنها. ولكن يبدو، هذه المرة، إغراء موجة قومية شعبوية في كل أوروبا غير قابل للتجاهل، ولذلك باتت نبرة لوبان أكثر تصعيدا، وهي تدعو إلى إنقاذ أوروبا من الاتحاد الأوروبي، وإلى بناء أوروبا القوميات، معتبرة أن الاتحاد الأوروبي ليس سوى تركيبة إيديولوجية، يجب الإسراع بتفكيكها، بعد الإجهاز على منظومة بروكسيل التي صادرت بنيتها التكنوقراطية قرار الشعوب وسيادتها وصلاحيات ممثليها... الهدف إذن واضح، الحصول على كتلة يمينية شعبوية داخل البرلمان الأوروبي، للحسم مع فكرة الاتحاد الأوروبي نفسها.
غير بعيد عن فريغوس، حيث ألقت لوبان خطابها السياسي، وبالضبط في عاصمة إيطاليا، كان سياسي أميركي يعيد تقريبا صياغة المفردات نفسها، وبناء الخطاب المؤسس على وهم الهوية، ورهاب الأجانب، وتحقير المؤسسات، وتتفيه النخب. السياسي الذي بدأ يحوز على إنصاتٍ كثير في عواصم أوروبا ليس سوى ستيف بانون، وهو من أبرز قادة الحملة الانتخابية لترامب، وكبير المستشارين إلى حدود ربيع العام الماضي، وحاليا الحالم بنقل الترامبية إلى كل الغرب. تفرغ بالكامل، منذ بداية صيف العام الحالي، لتأسيس شبكة ضخمة لدعم القوى السياسية اليمينية المتطرفة في كل أوروبا، تنطلق من مؤسسة تحمل اسم الحركة في بروكسل، أخدت على عاتقها، في المدى القصير، المساهمة في أكبر انتصار انتخابي في الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة.
تبدو حكاية الأميركي الذي يحلم بإعادة إنتاج "فاشية جديدة" على أرض أوروبية مثيرة للأسئلة وللتأمل، ذلك أن هذه الفكرة المجنونة استطاعت أن تصنع شرخا عميقا في أوساط أحزاب اليمين المتطرّف نفسه، إذ إن قيادات كثيرة من داخل هذه التنظيمات عبرت عن استهجانها هذا الموقف الذي لا يخلو من صفاقة، في حين أن هذه الخطوة احتضنت، في المقابل، باحتفالٍ كثير في ألمانيا أو بلجيكا مثلا.
يذهب ستيف بانون إلى عمق المشروع الأيديولوجي لليمين المتطرّف، بلا أي مركب نقص. لذلك لا يتردد في إخفاء حقيقته السياسية وراء بلاغةٍ ملتبسةٍ، فتأتي كلماته عاريةً بلا حاجة إلى احترام قواعد "اللائق سياسيا"، حتى أنه لا يمانع في اعتبار كراهية الأجانب واجبا مقدسا، من دون أدنى خجل من إطلاق تعبيرات عنصرية مقيتة، أو الدفاع عن مواقف لا تبحث حتى عن أقل تمويه، لتغليف حقد معلن، من دون أن ينسى التبشير في نهاية وصلاته السريعة بعالم جديد وعظيم.
مرحبا بالعالم الجديد، ولننسَ الباقي.
في السياق، اعتبرت الزعيمة اليمينية انطلاقتها السياسية للعام الحالي منخرطة في معركة الانتخابات الأوروبية التي ستشهدها القارة العجوز في مايو/ أيار 2019، وهو استحقاقٌ برهانات كبرى، تكاد تهم وجود المشروع الأوروبي نفسه واستمراريته. وفي المضمون، قدّمت سليلة مؤسس اليمين المتطرف الفرنسي خطابا تقليديا في مفرداته وحججه ومقارباته، بتركيز نموذجي بشأن إشكالية الهجرة، وبنبرة هوياتية مغرقة في القومية الشعبوية. في الخطاب بدت مارين لوبان واثقةً من هيمنة الثنائية الجديدة: هوية أوعولمة، على الزمن السياسي والانتخابي في بلدان أوروبا، ومطمئنة إلى أن أفكار الهوية الثقافية، والحمائية الاقتصادية، والدفاع عن الحدود، والسيادة، ومواجهة الهجرة، قد وصلت إلى مقاليد التدبير في أكثر من دولة أوروبية.
عدّدت المرشحة السابقة لرئاسيات فرنسا، بالأسماء والصفات، حلفاءها الجدد في أوروبا الذين يتقاسمون معها خطابا سياسيا بالعناصر المرجعية نفسها، والأرضية المذهبية والخط السياسي نفسيهما. ووقفت على إنجازاتهم الانتخابية القريبة، مخصّصة حيزا أكبر لحليفها الإيطالي، ماتيو سالفيني، من دون أن تغفل الإعلان المتجدّد عن انتمائها الكامل لعصر سياسي يقوده في الغرب وراء ظلمة الأطلسي، ترامب، وفي الشرق وراء جبال الأورال، بوتين.
طموح "التجمع الوطني" في الانتخابات البرلمانية المقبلة الحفاظ على صدارة النتائج، تماما
غير بعيد عن فريغوس، حيث ألقت لوبان خطابها السياسي، وبالضبط في عاصمة إيطاليا، كان سياسي أميركي يعيد تقريبا صياغة المفردات نفسها، وبناء الخطاب المؤسس على وهم الهوية، ورهاب الأجانب، وتحقير المؤسسات، وتتفيه النخب. السياسي الذي بدأ يحوز على إنصاتٍ كثير في عواصم أوروبا ليس سوى ستيف بانون، وهو من أبرز قادة الحملة الانتخابية لترامب، وكبير المستشارين إلى حدود ربيع العام الماضي، وحاليا الحالم بنقل الترامبية إلى كل الغرب. تفرغ بالكامل، منذ بداية صيف العام الحالي، لتأسيس شبكة ضخمة لدعم القوى السياسية اليمينية المتطرفة في كل أوروبا، تنطلق من مؤسسة تحمل اسم الحركة في بروكسل، أخدت على عاتقها، في المدى القصير، المساهمة في أكبر انتصار انتخابي في الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة.
تبدو حكاية الأميركي الذي يحلم بإعادة إنتاج "فاشية جديدة" على أرض أوروبية مثيرة للأسئلة وللتأمل، ذلك أن هذه الفكرة المجنونة استطاعت أن تصنع شرخا عميقا في أوساط أحزاب اليمين المتطرّف نفسه، إذ إن قيادات كثيرة من داخل هذه التنظيمات عبرت عن استهجانها هذا الموقف الذي لا يخلو من صفاقة، في حين أن هذه الخطوة احتضنت، في المقابل، باحتفالٍ كثير في ألمانيا أو بلجيكا مثلا.
يذهب ستيف بانون إلى عمق المشروع الأيديولوجي لليمين المتطرّف، بلا أي مركب نقص. لذلك لا يتردد في إخفاء حقيقته السياسية وراء بلاغةٍ ملتبسةٍ، فتأتي كلماته عاريةً بلا حاجة إلى احترام قواعد "اللائق سياسيا"، حتى أنه لا يمانع في اعتبار كراهية الأجانب واجبا مقدسا، من دون أدنى خجل من إطلاق تعبيرات عنصرية مقيتة، أو الدفاع عن مواقف لا تبحث حتى عن أقل تمويه، لتغليف حقد معلن، من دون أن ينسى التبشير في نهاية وصلاته السريعة بعالم جديد وعظيم.
مرحبا بالعالم الجديد، ولننسَ الباقي.