أوروبا العربية... سذاجة تعميق الظلام

26 أكتوبر 2018
دماء جمال خاشقجي فضحت أبعاد الواقع التراجيدي (فرانس برس)
+ الخط -

لا توجد أزمة عربية واحدة فقط تذكر العربي يومياً بعقم سردية الحاكم لـ"الحداثة"، بل هناك العشرات منها. عبثية الحاكم الفردي المطلق تحضر باستدعاء "أبوي" لفكرة "المواطنة"، وبازدراء على طول الخط لقيمتها، وتصل أقصاها إذ يصاب هذا الحاكم بأزمة وجودية، عندها تتكشف بالنسبة إليه ضرورة الاستعانة بأدوات شعبوية وتعصبية، وفي حالات أخرى  يستحضر "تفويضاً"، لتعميق التفرّد بمزيد من الدموية.

يلفت الانتباه عربياً، في مشتركات الاستبداد، تكرر استدعاء خطاب الدين. فمذ وُظّفت نخب التزوير في 2011، يجري احتقار تام للعقل على قاعدة "حتمية ضياع الدين والعروبة بدون حكمة الحاكم". ففي الحرم هو "ملهم... محدث"، وفي الأمويين "آلهة"، وفي القاهرة "مبعوث ومنقذ" إلخ.

إنّ ازدراء الحاكم المتفرّد للمؤسسات ودورها، لم ينجم عنه سوى المآسي، بحثاً عن شرعية خارجية، وإن جعلته شعارات نخبه المطبّلة "بطلاً قومياً". فمشهد ذلّ طلب هذه الشرعية لم يعد سراً، بفضح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكاية. فتل أبيب تصير علناً عربوناً وممراً. ولا حاجة لتأويلات التطبيل؛ فمن تبادل "الأمن" على حدود الجولان إلى "خدمات كبيرة"، مصرياً وخليجياً، وعند التسابق نحو التطبيع يحضر التطابق بين نظام يقول "إما أنا أو لا أحد" وآخر "طالما أنا موجود".

هذا الواقع التراجيدي ربما لا جديد فيه سوى أنّ دماء جمال خاشقجي فضحت أبعاده، وخصوصاً بأوليغارشية اختزال الأوطان والشعوب في الحاكم. هذا عدا عن أنّ منظومة الحكم لا تتغيّر حتى وإن دفن مركزها، إذ يظل صنمه و"فكره خالداً وناظماً". وهنا لا تغيب مساهمة نخب الارتزاق، إعلامية ودينية وثقافية واجتماعية إلخ، بأبشع أنواع تزييف الوعي، بتجاوز حتى لأدوات عصور الحكم المطلق أوروبياً، مع الدفع أخيراً بفكرة ساذجة عن "تحولنا إلى أوروبا عربية".

حين خرج العربي ثائراً لحقه في الحرية والكرامة والعدالة، لم تتردّد بروباغندا الشمولية العربية في تسويق "رذائل الحرية والديمقراطية"، واعتبار أوروبا "منحلة"، تارةً دينياً وتارةً أخرى ثقافياً، ببدائية وسطحية. بل حين ثار شعب في المشرق على حكم الطغمة الوراثية قيل له "سنعطي العالم درساً في الديمقراطية"، فألغي الشعب... ولدى غيره الانقلابي فُرز بين "شريف" و"خائن".

سيبقى أمام هؤلاء أن يجيبوا عن أي أوروبا يبشّر حاكم يمقت الوعي؟ أتلك التي نعرفها اليوم؟ أم تلك التي سادت في عصور الظلمات؟ إن كانت الأولى فليخبروا شعبهم، بدون نفاق، ما تستوجبه، بعيداً عن نظرية ثبات التاريخ والحال، وقشور التحضّر. ولو كانت الثانية، فلا حاجة، لأننا نعيش أوج سنواتها الأخيرة بأوهام حماية آلهة جديدة لهم.

المساهمون