أوروبا المرعوبة مستقبلاً

07 مايو 2017
+ الخط -
من حق المجتمعات أن تدرس وتناقش مستقبلها الديموغرافي، وتأثير ذلك على الأجيال القادمة. في شمال أوروبا، واسكندنافيا تحديداً، ثمة قلق حتى من الإسراف باستخدام المياه، فيعلمون الصغار أن يفكروا بالصغار بعد عقود، فكيف لو تعلق الأمر بهوية تلك المجتمعات؟ يوم أمس، الجمعة، وصل جدل التركيبة السكانية في الدنمارك للعام 2060 إلى البرلمان. تنشغل الأحزاب، يمينا ويسارا، بما سيصير عليه بلدهم بعد 43 سنة. ويطرحون أسئلة: من سيكون جيرانك؟ مع من سيذهب أحفادك في الحضانة والمدرسة؟

الاستناد هنا هو إلى أرقام إحصاءات علمية رسمية، تفيد بأن 20 بالمئة من سكان الدنمارك سيكونون من أصل مهاجر. ولو دققت فستجد القلق من نسبة "المهاجرين من أصل غير غربي". بات العرب والأتراك يتربعون على القوائم.

اليوم هناك 476 ألفاً من غير الغربيين، سيصلون إلى 850 ألفاً مضاف إليهم 542 ألف غربي. تعريف المهاجرين الرسمي: كل من وُلد خارج البلد ومن ولد من صلبهم في البلد، دون أن يكون أحد الوالدين دنماركي الجنسية. النقطة الأخيرة تعني أن مئات الآلاف لا يشملهم إحصاء المهاجرين.

هل يحق لهم القلق؟ ما ينطبق على اسكندنافيا تعيشه بقية المجتمعات الغربية الأوروبية في ظل تناقص الولادات. والقلق هو من القدرة على الدمج في كل المستويات، إذ إن مجتمعات كثيرة تعيش مأزقاً اسكندنافياً في فشل الدمج.


وتلك مجتمعات تناقش قدراتها المستقبلية على دمج تلك الأرقام، ولو بعد عقود بميزانيات مرتفعة جداً. لا يتركون شيئاً للصدفة، ولهذا ينغمسون في بحث ما ستؤول إليه مجتمعات الأحفاد. فرغم أنك أمام جدل الهوية والتركيبة المستقبلية، فإن عملاً مضنياً يقوم به اليمين القومي للتحذير من انقلاب أوروبا إلى مجتمعات عالمثالثية.

ويكسب هذا اليمين منذ اليوم بإبرازه الخوف والقلق من المستقبل، ويسند كل تقدمه بما يحدث في غياب الاندماج، مستدلاً على نشوء مجتمعات هامشية على حواف مدن الغرب. لا يغيب التعاون بين تلك الأحزاب في القارة العجوز.

لكن، لم يعد القلق من المستقبل حكراً على اليمين، فاليسار أيضا بات يرى مخاطر صرف ميزانيات كبيرة على مسائل دمج تلك الأعداد الكبيرة، في دول صغيرة اسكندنافية تخصص مئات مليارات الدولارات، فلنا أن نتخيل ما تصرفه دول كبيرة كفرنسا وألمانيا.

مسألة الميزانيات هي واحدة من أكثر القضايا حساسية في معرفة اتجاهات الناخب الغربي. ويستغرب بعض مواطني أوروبا كيف لأشخاص عاشوا عقدين بينهم لا يعرفون لغتهم ولا ثقافتهم، وبعضهم يحمل جنسية، وذلك سلاح آخر من أسلحة القول صراحة إنه "يجب وقف الهجرة وترك الباب مفتوحاً لإعادة النظر في المستقبل".

وفي مقابل كل ذلك، تثبت الأرقام أيضاً غياب حالة الاندماج السياسي الجماعي، رغم الفرص الكبيرة والنجاحات الفردية، فإن مجتمعات الهجرة من دول خارج الغرب تعيش تمثيلاً سياسياً منخفضاً جداً. أن تصبح نسبة المهاجرين، من غير الغربيين، 13 بالمئة، واليوم تكاد في السويد والنرويج أن تكون كذلك في بعض المدن الكبرى، فتلك تراها المجتمعات وأحزابها أكثر من مجرد أرقام بل تحديات الدمج والتعليم والصحة والثقافة واللغة والدين، إلخ. مما يحمله المستقبل.

كل النقاش الذي يجري هو للدخول في بحث عن حلول تتخطى دعوات الترحيل والمزيد من الانعزال، فالأخيرة لا تحمل حلولاً لأحد، فالعزلة تعني أن المرء لا يعيش أصلاً في أوروبا ولا يربطه بها شيء وبالتالي يرى اليمين المتشدد أنه يسهل إرسال هؤلاء إلى مجتمعاتهم الأصلية.
المساهمون