أوروبا تغرق

26 يونيو 2015
مهاجرون في صربيا بطريقهم إلى أوروبا الغربية(أرمان نيماني/فرانس برس)
+ الخط -
ربما هو الوقت الأصعب الذي تواجهه القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، أو ربما هي المرة الأولى التي يواجه فيها الاتحاد الأوروبي هذا الكم من المشاكل المعقدة. في الشرق، هناك الأزمة الأوكرانية وما بعدها من مواجهة مع روسيا تقف على حد الهاوية، قد تفلت من عقالها، أو تنزلق نحو الاشتعال، مع كل هذا التوتر الكلامي المتزامن مع استعراض العضلات العسكرية. أما في الجنوب فهناك سيل جارف من قوارب المهاجرين التي تكاد تُغرق أوروبا، في بحر من آلاف الهاربين الباحثين عن الأمن والأمان، أو الساعين وراء لقمة عيش عزّت في أوطانهم.

وليس بعيداً عن أعتاب أوروبا هناك خطر الإرهاب، الذي يطلّ برأسه مرة من صحراء إفريقيا وأخرى من الشرق الأوسط، بل وينجح في مرات بالضرب في عقر المدن الأوروبية. وما بين الشرق والجنوب هناك ما يكفي من الأزمات التي تكاد تعصف بالبيت الأوروبي، فالإفلاس يتهدد اليونان الغارق في بحر من الديون ويكاد التقشف يخنق أهله، وبريطانيا التي ضاقت ذرعاً بمشاكل أوروبا تُهدد بالخروج من الاتحاد، وبين همّ اليونان وضجر بريطانيا، يُثقل كاهل أوروبا بأكوام من الملفات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تُوسّع الشقوق في جدران البيت الأوروبي.

وبينما يراهن المتفائلون على قدرة ألمانيا وفرنسا على إخراج أوروبا من هذه الأزمات، يشكك المتشائمون بقدرة "القارة العجوز" على مواجهة هذه العواصف التي تهب من كل حدب وصوب، ويخشون من تسرّب الأزمة من ردهات صناعة القرار الى الشارع الذي بدأ يتململ، وعندها لن تنجح جهود ترقيع العلم الأوروبي، وقد تتكشف المزيد من العورات الأوروبية على المتربصين الرابضين في موسكو وبكين أو حتى واشنطن.

أوروبا التي يحلم بها راكبو قوارب الموت الآتية من الجنوب، قد لا تكون أحسن حالاً من الجنوب نفسه، وقد لا يكون العشب فيها أكثر اخضرارا كما يتوهم البعض. وأوروبا التي ينتظر البعض منها حلولاً لمشاكله، باتت عاجزة عن إيجاد حلول لمشاكلها، والخشية أن تعود الى سيرتها الأولى في حلّ مشاكلها عبر تصديرها إلى خلف الحدود، ورمي كرة اللهب في ملاعب الآخرين.