يبدو أن الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، قرّرت التعاطي بصورة هادئة نسبياً مع النزاع التجاري مع الولايات المتحدة الأميركية، بعد فرض الأخيرة التعريفات الجمركية على الصلب الأوروبي، وتقوم بحسابات التفاضل والتكامل.
وعمدت ألمانيا إلى خفض مستوى التوتر، إفساحاً في المجال لمعالجة أسبابه، وهو ما أشار إليه وزير الاقتصاد الألماني بيتر التماير، قائلاً في تصريحات له إن "التعريفات على الصلب والألمنيوم ليست أسوأ ما يمكن أن يهدد الاقتصاد الألماني من أميركا، والطريق ما زال مفتوحاً لتسوية تفاوضية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولأن ينجو الاتحاد الأوروبي وألمانيا من حرب تجارية حقيقية، وهناك اعتقاد بالتوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع الأربعة المقبلة".
التأثيرات السلبية للتعريفات الجمركية على الصناعة تفرض على أوروبا تقديم بعض التنازلات، في ظل التخوف من أن يتعرض قطاع الصلب لمزيد من المنافسة، خاصة أن تقديرات اتحاد الصلب تتوقع أن يشهد القطاع زيادة في ضغوط الاستيراد، وفق ما أعلن رئيسه هانز يورغن كيركوف، وذلك استناداً إلى أرقام الواردات السابقة لهذا العام، متوقعاً أن يبلغ حجمها أكثر من 35 مليون طن، لتتجاوز الأرقام مستوى العام الماضي بنسبة 14%، وهو ما بيّنته صحيفة دي فيلت أخيراً.
وبطبيعة الحال، يسود قلق في أوساط مصدري الصلب من الأوروبيين، ليس لاضطرارهم إلى دفع رسوم بنسبة 25% لدخول الفولاذ إلى السوق الأميركية، إنما أيضا من المنافسين من مناطق أخرى من العالم، وأن يحول هؤلاء فوائضهم إلى أوروبا، ما يزيد من حدة المنافسة داخل السوق الأوروبي، مثل الفولاذ الروسي والتركي والهندي.
وتجدر الإشارة إلى أن صادرات الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة بلغت العام الماضي 27 مليار يورو (31.5 مليار دولار تقريباً) بين صلب وألمنيوم، بينها ما قيمته 2 مليار يورو من ألمانيا.
يذكر أن هياكل العملاء في أميركا وأوروبا متشابهة نسبياً، ومنها مثلاً قطاع معدات البناء وصناعة السيارات التي تعتبر من أهم مجموعات المستوردين، والمكسب سيكون للتوريدات المحتملة من الصين، التي لا يستطيع ترامب إغضابها، نظراً إلى حجم التمويلات الصينية في الأسواق الأميركية.
في المقابل، فإن الأميركيين لا يمكنهم الاستغناء عن الفولاذ الألماني، انطلاقاً من أنه سيصعب على المصنعين في أميركا إيجاد بديل جيد عنه، وأن ترامب سيتعرض للضغط حيال ذلك، وهذا ما ألمح إليه وزير الاقتصاد الألماني، إذ أبدى اعتقاده بأن تواصل ألمانيا لبيع الفولاذ في أميركا يسير بشكل جيد.
النزاع الجمركي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يضع صناعات الصلب فقط على المحك، نتيجة تدهور قيمة الصادرات، إنما من المحتمل أن يشعر المستهلك الألماني بالعواقب من خلال ارتفاع الأسعار، لأنه، وبنتيجة فرض التعريفات على الواردات الأميركية وبينها المنسوجات والصناعات الزراعية، يمكن أن تنعكس على المستهلك، نظراً إلى طبيعة الأسواق والمواد الأولية وتكلفتها في بلد المنشأ.
مع العلم، أنه عند الرد بعقوبات انتقامية أوروبية فإنه سيتم إيجاد أسواق بديلة وسيحاول التجار الحصول مثلاً على مزيد من الطماطم من هولندا بدلاً من كاليفورنيا، إلا أن الخوف يبقى من تفاقم الوضع وزيادة الأعباء الإضافية على الاقتصاد الأوروبي، من خلال فرض رسوم على صادرات السيارات الألمانية إلى الولايات المتحدة أو أن يفرض الاتحاد الأوروبي مثلاً تعريفات عقابية على الصناعات الدوائية والمنتجات الصيدلانية الأميركية.
ويحتفظ الاتحاد الأوروبي بتدابير انتقامية ويرى أن تسوية النزاع أمام منظمة التجارة العالمية يمكن أن يستغرق سنوات عدة، كما أن الأمر يتعلق بمسألة احترم وسيادة أوروبا.
وفي ظل هذا الوضع القاتم، فبالنسبة إلى الدول، إن الوظائف أكثر أهمية من الالتزام بالمبادئ، وهنا تبرز نية رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر القيام بمحادثات حول التعريفات الجمركية على قطاع السيارات، خاصة أن أميركا سوق استهلاكي كبير للآليات والمحركات الأوروبية.