تحيط ظلال حربٍ باردة بأفق العلاقة الأوروبية الروسية، مع انزلاق أزمة محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال باستخدام سلاح كيميائي في مدينة سالزبري البريطانية أوائل الشهر الحالي، إلى مزيد من التأزم، خصوصاً بعد تبلور موقف بريطاني أوروبي أميركي مشترك، حمّل موسكو المسؤولية عن هذه العملية واعتبرها تهديداً للأمن، وفي ظل اتساع رقعة الإجراءات الدولية ضد موسكو. أما روسيا التي توعّدت بالرد على العقوبات البريطانية بحقها، فلم تُخفِ قلقها من الوضع، على الرغم من استمرار إنكارها لأي مسؤولية عن الهجوم. وأمام هذا الواقع، تبرز تساؤلات عن الدوافع التي تقف وراء هذا الموقف البريطاني الحاسم تجاه محاولة الاغتيال، خصوصاً أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها على الأراضي البريطانية.
وبعد يوم واحد من تحميلها موسكو المسؤولية المباشرة عن العملية وإعلان إجراءات للرد أبرزها طرد 23 دبلوماسياً روسياً، زارت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمس مدينة سالزبري التي شهدت حادث تسميم سكريبال وابنته يوليا بغاز للأعصاب. وأعلنت ماي أن زيارتها لطمأنة السكان بشأن سلامتهم، مضيفة أن "اللوم يقع على روسيا في هذا الفعل الوقح الدنيء". كما أشادت بـ"وحدة" الحلفاء في مواجهة روسيا.
وبالتوازي مع موقف ماي، اتخذ أعضاء الحكومة البريطانية مواقف شديدة ضد روسيا، إذ هاجم وزير الدفاع البريطاني غافين وليامسون، الحكومة الروسية، متهماً إياها "بتمزيق قواعد السياسة الدولية" من خلال أنشطتها العدوانية في عدد من الدول، في إشارة إلى التدخل الروسي في كل من سورية وأوكرانيا، إضافة إلى حادثة سالزبري. وأضاف وليامسون أن روسيا التي تعاني من اقتصاد ضعيف جداً لا تزال تولي الأولوية للإنفاق العسكري والنووي وتستخدم قدراتها لزعزعة الاستقرار الدولي، مضيفاً "من الجلي أن الكرملين يمزق كتيب قواعد السياسة الدولية، مستخدماً قدراته الهجينة النامية لزعزعة وتقويض الدول في العالم والتأثير فيها. ولا تزال عمليات روسيا في الفضاء الإلكتروني نشطة وجلية".
أما وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، فقد اتهم روسيا بأنها تتباهى بالعملية التي نفذتها في بريطانيا، قائلاً إنها لجأت لاستخدام مادة نوفيتشوك السامة للأعصاب عن عمد في رسالة تحذير لمعارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. واتهم جونسون روسيا بالمضي "بعيداً في الاتجاه الخاطئ"، قائلاً إن "بوتين ينظر حوله ويرى حلف شمال الأطلسي على حدود ما كان الاتحاد السوفييتي. ولهذا الأمر يسبب مشاكل".
كما كان مسؤول حكومي رفيع المستوى قد نفى، في ملخص صحافي مغلق حضرته "العربي الجديد"، إمكانية التعاون مع روسيا في التحقيقات الخاصة بالحادثة، مستشهداً بدور روسيا الهدام في التحقيقات في اغتيال الجاسوس ألكساندر ليتفينينكو عام 2006، ومؤكداً أن بريطانيا تعلمت درسها ولن تقع في الخطأ نفسه مرة أخرى. وفي السياق نفسه، أعرب نواب الأحزاب المعارضة في البرلمان البريطاني عن دعمهم للعقوبات التي فرضتها ماي على روسيا ووقوفهم في صفها في مشهد غاب عن السياسة البريطانية منذ أن عصفت بها رياح "بريكست". إلا أن رئيس حزب "العمال" المعارض جيريمي كوربين كان الصوت الشاذ في هذه الجوقة، إذ اتهم ماي بتوجيه اتهامات إلى الجانب الروسي غير مبنية على أي أدلة، متهماً الحكومة بالتسرع في قطع سبل الحوار مع الجانب الروسي، وهو ما جلب عليه العديد من الانتقادات الشديدة، بما فيها من أعضاء حزبه.
ولم تتوقف المواقف القوية ضد روسيا عند هذا الحد، بل سارعت الدول الغربية لإعلان دعمها لبريطانيا ووقوفها إلى جانبها. واعتبرت برلين وباريس وواشنطن ولندن في بيان مشترك، أن مسؤولية موسكو هي التفسير الوحيد "المعقول" لتسميم سكريبال، وطلبت من موسكو تقديم "كل المعلومات" حول البرنامج الكيميائي نوفيتشوك. وأضاف بيان ماي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن "استخدام غاز الأعصاب السام هذا من النوع العسكري الذي طورته روسيا، يشكل أول استخدام هجومي لغاز أعصاب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية". وقالوا "إنه مساس بالسيادة البريطانية" ويشكل تهديداً للأمن. وأضاف البيان أن "بريطانيا أبلغت بالتفاصيل حلفاءها حول واقع أنه من المرجح جداً أن روسيا مسؤولة عن الهجوم. ونحن نشاطر الاستنتاج الذي وصلت إليه بريطانيا وليس هناك من تفسير معقول آخر".
كذلك، أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان أنها "تؤيد استنتاج" لندن حول مسؤولية موسكو في هذه القضية، مضيفة أن ماكرون وماي "متفقان حول أهمية الوحدة الأوروبية وعلى جانبي الأطلسي في الرد على هذا الحدث". كما قال ماكرون إنه سيعلن "في الأيام المقبلة" الإجراءات التي ينوي اتخاذها في قضية سكريبال.
اقــرأ أيضاً
مقابل ذلك، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو قررت طرد دبلوماسيين بريطانيين رداً على إجراءات لندن ضدها، معتبراً هذه الإجراءات "وقحة ولا تستند إلى أدلة"، قائلاً إن دوافع ونوايا لندن في قضية سكريبال غير نظيفة. واتهم الوزير الروسي الحكومة البريطانية باستخدام القضية بهدف "تحويل الانتباه" عن صعوباتها المتصلة بالمفاوضات حول "بريكست". كما وصف الكرملين الموقف البريطاني في القضية بأنه "غير مسؤول". وأعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن إجراءات الرد "لن تتأخر بالطبع، وهذا القرار سيتخذه الرئيس". ولكنه أعرب عن "قلقنا إزاء هذا الوضع"، معتبراً أنه يحمل "كل مؤشرات الاستفزاز"، مجدداً القول إن روسيا ليس لها أي علاقة بحادث سالزبري. من جهتها قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن "إجراءات الرد في هذه المرحلة قيد الإعداد وستتخذ قريباً" منددة "باتهامات سخيفة ضد روسيا وكل شعبها".
ولكن ما هي الدوافع التي تقف وراء هذا الموقف البريطاني الحاسم تجاه روسيا، على الرغم من أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ اقتصر رد الفعل البريطاني عام 2006 على اغتيال ليتفينينكو، بطرد أربعة دبلوماسيين فقط ومن دون المس بالأموال الروسية في لندن؟ كما تحوم الشبهات حول وفاة نحو 12 معارضاً روسياً في بريطانيا في السنوات الأخيرة، كان آخرها يوم 12 من الشهر الحالي بوفاة المعارض نيكولاي غلوشكوف، الذي لا تزال الشرطة البريطانية تحقق في أسباب وفاته.
ويكمن الجواب على هذا السؤال في أربع نقاط. أولها هي طبيعة الاعتداء ذاته، خصوصاً عند وضعه في السياق العام للسياسة الدولية الروسية في السنوات الخمس الماضية. فمحاولة الاغتيال لم تقتصر على سيرغي سكريبال، بل وصلت المادة السامة إلى ابنته يوليا وشرطي بريطاني، ولا يزال هؤلاء الثلاثة فاقدي الوعي في العناية المشددة، إضافة إلى نحو 40 شخصاً لا يزالون تحت المراقبة، وقد ظهرت عليهم علامات التسمم.
كما عكست التصريحات البريطانية استياءً من تجاهل روسيا للقانون الدولي في العديد من المناسبات، ضاربة أمثلة على تصرف روسيا في سورية وأوكرانيا، والخرق المستمر للاتفاقيات التي يتم توقيعها مع الغرب. كما لا يُخفى دعم روسيا للنظام السوري الذي لم يوفر مناسبة لم يستخدم فيها السلاح الكيميائي ضد المدنيين.
إضافة إلى ذلك علّق السياسيون البريطانيون على عدم تجاوب الجانب الروسي مع محاولات بناء جسور الثقة والتعاون مع الدول الغربية، متهمين الرئيس الروسي بضرب المبادرات الغربية عرض الحائط. وهو ما قد يكون إحباطاً غربياً من استخفاف روسيا بوتين بالدول الغربية. أما السبب الثالث فيكمن في ضعف ردود الفعل تجاه الهجمات السابقة. فمحاولات الاغتيال هذه ترسم صورة من عدم الأمان في الشارع البريطاني وتوحي بضعف بريطانيا أمام الأنشطة الاستخباراتية الروسية على أراضيها. بينما السبب الرابع فهو ما يشغل الساسة البريطانيين منذ يونيو/حزيران 2016: "بريكست". وترغب الحكومة البريطانية في هذه الحالة أن تعكس موقفاً قوياً لبلد مزقته الخلافات الداخلية في العامين الماضيين حول مسألة خروجه من الاتحاد الأوروبي.
وهنا يُطرح سؤال آخر: إلى أين تتجه الأمور؟ سيصعب على بريطانيا أن تحتفظ بهذا الزخم الدبلوماسي لمدة أطول، وذلك على الرغم من الدعم الذي تناله من الدول الغربية الأخرى. فالتراجع الغربي أمام ضم روسيا للقرم، والاعتداءات الأخرى في سورية وأوكرانيا، لا توحي بموقف غربي قوي مستدام، وهو ما يدركه بوتين. كما أن بوتين يدرك أيضاً مدى قدرته على التلاعب بالدول الأوروبية عبر أنابيب الغاز والنفط التي يزود بها الاتحاد الأوروبي، ولم يتوانَ سابقاً عن استخدامها كسلاح في وجه الدول الأوروبية.
يضاف إلى ما سبق، عدم رغبة بوتين في الظهور بموقف الضعيف أمام التهديدات الغربية، خصوصاً قبيل إعادة انتخابه المرتقب يوم الأحد المقبل. وهو أيضاً ما يمكن رؤيته من الاستهزاء الروسي الرسمي من الموقف البريطاني، سواء من الخارجية الروسية أم من سفارتها في لندن، بل أيضاً في التحرك لطرد دبلوماسيين بريطانيين في موسكو.
وفي نهاية المطاف، لا ترغب بريطانيا في الاتجاه إلى تصعيد لا نهاية له مع روسيا، فقد علّق مسؤول حكومي بريطاني رفيع المستوى لـ "العربي الجديد" بأن الخطوات التي اتخذتها بريطانيا ليست قطعاً تاماً للعلاقات مع روسيا ومقاطعة لها، إذ ستشارك بريطانيا في كأس العالم المقبل، وستواصل مطالبة روسيا بالضغط على نظام بشار الأسد للتفاوض في جنيف.
وبعد يوم واحد من تحميلها موسكو المسؤولية المباشرة عن العملية وإعلان إجراءات للرد أبرزها طرد 23 دبلوماسياً روسياً، زارت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمس مدينة سالزبري التي شهدت حادث تسميم سكريبال وابنته يوليا بغاز للأعصاب. وأعلنت ماي أن زيارتها لطمأنة السكان بشأن سلامتهم، مضيفة أن "اللوم يقع على روسيا في هذا الفعل الوقح الدنيء". كما أشادت بـ"وحدة" الحلفاء في مواجهة روسيا.
أما وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، فقد اتهم روسيا بأنها تتباهى بالعملية التي نفذتها في بريطانيا، قائلاً إنها لجأت لاستخدام مادة نوفيتشوك السامة للأعصاب عن عمد في رسالة تحذير لمعارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. واتهم جونسون روسيا بالمضي "بعيداً في الاتجاه الخاطئ"، قائلاً إن "بوتين ينظر حوله ويرى حلف شمال الأطلسي على حدود ما كان الاتحاد السوفييتي. ولهذا الأمر يسبب مشاكل".
كما كان مسؤول حكومي رفيع المستوى قد نفى، في ملخص صحافي مغلق حضرته "العربي الجديد"، إمكانية التعاون مع روسيا في التحقيقات الخاصة بالحادثة، مستشهداً بدور روسيا الهدام في التحقيقات في اغتيال الجاسوس ألكساندر ليتفينينكو عام 2006، ومؤكداً أن بريطانيا تعلمت درسها ولن تقع في الخطأ نفسه مرة أخرى. وفي السياق نفسه، أعرب نواب الأحزاب المعارضة في البرلمان البريطاني عن دعمهم للعقوبات التي فرضتها ماي على روسيا ووقوفهم في صفها في مشهد غاب عن السياسة البريطانية منذ أن عصفت بها رياح "بريكست". إلا أن رئيس حزب "العمال" المعارض جيريمي كوربين كان الصوت الشاذ في هذه الجوقة، إذ اتهم ماي بتوجيه اتهامات إلى الجانب الروسي غير مبنية على أي أدلة، متهماً الحكومة بالتسرع في قطع سبل الحوار مع الجانب الروسي، وهو ما جلب عليه العديد من الانتقادات الشديدة، بما فيها من أعضاء حزبه.
ولم تتوقف المواقف القوية ضد روسيا عند هذا الحد، بل سارعت الدول الغربية لإعلان دعمها لبريطانيا ووقوفها إلى جانبها. واعتبرت برلين وباريس وواشنطن ولندن في بيان مشترك، أن مسؤولية موسكو هي التفسير الوحيد "المعقول" لتسميم سكريبال، وطلبت من موسكو تقديم "كل المعلومات" حول البرنامج الكيميائي نوفيتشوك. وأضاف بيان ماي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن "استخدام غاز الأعصاب السام هذا من النوع العسكري الذي طورته روسيا، يشكل أول استخدام هجومي لغاز أعصاب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية". وقالوا "إنه مساس بالسيادة البريطانية" ويشكل تهديداً للأمن. وأضاف البيان أن "بريطانيا أبلغت بالتفاصيل حلفاءها حول واقع أنه من المرجح جداً أن روسيا مسؤولة عن الهجوم. ونحن نشاطر الاستنتاج الذي وصلت إليه بريطانيا وليس هناك من تفسير معقول آخر".
كذلك، أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان أنها "تؤيد استنتاج" لندن حول مسؤولية موسكو في هذه القضية، مضيفة أن ماكرون وماي "متفقان حول أهمية الوحدة الأوروبية وعلى جانبي الأطلسي في الرد على هذا الحدث". كما قال ماكرون إنه سيعلن "في الأيام المقبلة" الإجراءات التي ينوي اتخاذها في قضية سكريبال.
مقابل ذلك، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو قررت طرد دبلوماسيين بريطانيين رداً على إجراءات لندن ضدها، معتبراً هذه الإجراءات "وقحة ولا تستند إلى أدلة"، قائلاً إن دوافع ونوايا لندن في قضية سكريبال غير نظيفة. واتهم الوزير الروسي الحكومة البريطانية باستخدام القضية بهدف "تحويل الانتباه" عن صعوباتها المتصلة بالمفاوضات حول "بريكست". كما وصف الكرملين الموقف البريطاني في القضية بأنه "غير مسؤول". وأعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن إجراءات الرد "لن تتأخر بالطبع، وهذا القرار سيتخذه الرئيس". ولكنه أعرب عن "قلقنا إزاء هذا الوضع"، معتبراً أنه يحمل "كل مؤشرات الاستفزاز"، مجدداً القول إن روسيا ليس لها أي علاقة بحادث سالزبري. من جهتها قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن "إجراءات الرد في هذه المرحلة قيد الإعداد وستتخذ قريباً" منددة "باتهامات سخيفة ضد روسيا وكل شعبها".
ولكن ما هي الدوافع التي تقف وراء هذا الموقف البريطاني الحاسم تجاه روسيا، على الرغم من أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ اقتصر رد الفعل البريطاني عام 2006 على اغتيال ليتفينينكو، بطرد أربعة دبلوماسيين فقط ومن دون المس بالأموال الروسية في لندن؟ كما تحوم الشبهات حول وفاة نحو 12 معارضاً روسياً في بريطانيا في السنوات الأخيرة، كان آخرها يوم 12 من الشهر الحالي بوفاة المعارض نيكولاي غلوشكوف، الذي لا تزال الشرطة البريطانية تحقق في أسباب وفاته.
ويكمن الجواب على هذا السؤال في أربع نقاط. أولها هي طبيعة الاعتداء ذاته، خصوصاً عند وضعه في السياق العام للسياسة الدولية الروسية في السنوات الخمس الماضية. فمحاولة الاغتيال لم تقتصر على سيرغي سكريبال، بل وصلت المادة السامة إلى ابنته يوليا وشرطي بريطاني، ولا يزال هؤلاء الثلاثة فاقدي الوعي في العناية المشددة، إضافة إلى نحو 40 شخصاً لا يزالون تحت المراقبة، وقد ظهرت عليهم علامات التسمم.
كما عكست التصريحات البريطانية استياءً من تجاهل روسيا للقانون الدولي في العديد من المناسبات، ضاربة أمثلة على تصرف روسيا في سورية وأوكرانيا، والخرق المستمر للاتفاقيات التي يتم توقيعها مع الغرب. كما لا يُخفى دعم روسيا للنظام السوري الذي لم يوفر مناسبة لم يستخدم فيها السلاح الكيميائي ضد المدنيين.
إضافة إلى ذلك علّق السياسيون البريطانيون على عدم تجاوب الجانب الروسي مع محاولات بناء جسور الثقة والتعاون مع الدول الغربية، متهمين الرئيس الروسي بضرب المبادرات الغربية عرض الحائط. وهو ما قد يكون إحباطاً غربياً من استخفاف روسيا بوتين بالدول الغربية. أما السبب الثالث فيكمن في ضعف ردود الفعل تجاه الهجمات السابقة. فمحاولات الاغتيال هذه ترسم صورة من عدم الأمان في الشارع البريطاني وتوحي بضعف بريطانيا أمام الأنشطة الاستخباراتية الروسية على أراضيها. بينما السبب الرابع فهو ما يشغل الساسة البريطانيين منذ يونيو/حزيران 2016: "بريكست". وترغب الحكومة البريطانية في هذه الحالة أن تعكس موقفاً قوياً لبلد مزقته الخلافات الداخلية في العامين الماضيين حول مسألة خروجه من الاتحاد الأوروبي.
يضاف إلى ما سبق، عدم رغبة بوتين في الظهور بموقف الضعيف أمام التهديدات الغربية، خصوصاً قبيل إعادة انتخابه المرتقب يوم الأحد المقبل. وهو أيضاً ما يمكن رؤيته من الاستهزاء الروسي الرسمي من الموقف البريطاني، سواء من الخارجية الروسية أم من سفارتها في لندن، بل أيضاً في التحرك لطرد دبلوماسيين بريطانيين في موسكو.
وفي نهاية المطاف، لا ترغب بريطانيا في الاتجاه إلى تصعيد لا نهاية له مع روسيا، فقد علّق مسؤول حكومي بريطاني رفيع المستوى لـ "العربي الجديد" بأن الخطوات التي اتخذتها بريطانيا ليست قطعاً تاماً للعلاقات مع روسيا ومقاطعة لها، إذ ستشارك بريطانيا في كأس العالم المقبل، وستواصل مطالبة روسيا بالضغط على نظام بشار الأسد للتفاوض في جنيف.