أوروبا: سباق حزبي يميني متطرّف على وقع ثورة اسكندنافية

09 سبتمبر 2014
النازيون الجدد: ناخبو الأحزاب اليمينية (توماس لونيس/Getty)
+ الخط -

عندما قال رئيس البرلماني الأوروبي، مارتن شولتز، في العام 2012، إن "الشعبوية عندما تهبط على أرض خصبة، في زمن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فإن الماضي يعود بوجهه القبيح"، لم يكن يتوقع ما ستؤول إليه الانتخابات الأوروبية بعد عامين.

ومعروف عن شولتز، عضو الحزب "الاجتماعي الديمقراطي الألماني"، تحذيره الدائم من تنامي ظاهرة التطرّف اليميني في أوروبا، وما "يجلبه ذلك من أحزان لها حين يصير من يوميات مجالسها التشريعية".

ما حدث في مايو/ أيار هذا العام، كشف عن صورة أوروبا اليمينية. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، عقدت "الجبهة الوطنية الفرنسية" تحالفاً انتخابياً مع الأحزاب اليمينية في كل من النمسا وبلجيكا وإيطاليا والسويد، رفض، حينها، حزب "الشعب" الدانماركي اليميني التحالف مع جبهة مارين لوبان الفرنسية بحجة أنها "معادية للسامية"، وبينما تتحالف الجبهة مع "حزب الحرية" الهولندي بزعامة غيرت فليدزر، لم يجد اليمين الدانماركي حرجاً من التحالف مع الأخير، بل نظر إليه حتى كقدوة في العمل السياسي اليميني، ولم يشعر الحزب الدانماركي بالحرج من تحالف لوبان مع اليمين السويدي المتطرّف ممثلا بحزب "الديمقراطيين السويديين" المرتبط جيداً باليمين الدانماركي.

تكشف التحالفات عن حقيقة الانتهازية التي تعتاش عليها أحزاب اليمين، بالصعود التدريجي، ولا ترى ضيراً في خطاب شعبوي متطرف يهرب من مواجهة الواقع بشعارات "قومية" و"وطنية".

ويرى بعض هؤلاء بأن فكرة الاتحاد الأوروبي تمثل خطراً على الهوية الوطنية، ومن الناحية الثانية يتسابقون لإقامة تحالفات بينية وبرلمانية، تستند إلى خطاب موغل في العنصرية عن أوروبا "النظيفة والنقية".

منظّر هذه الكتلة اليمينية، أندرياس مولزر، من "حزب الحرية النمساوي"، اختزل المسألة، في عام 2010، خلال كلمة ألقاها في المؤتمر السنوي لنادي "حرية الطباعة"، متحدثاً عن تهديد "الهوية الوطنية لكل دولة أوروبية"، بما أطلق عليه "الهجرة الكبيرة إليها من العالم الإسلامي". حمّل مولزر الحكومات الغربية مسؤولية "انهيار نظمها الاجتماعية وبروز مجتمعات موازية". وهو الأمر الذي تبنته أحزاب "الحرية" الهولندي و"الديمقراطيون السويديون" و"حزب الشعب السويسري".

لا يخفي هؤلاء قراءتهم الفوقية المُمأسسة على مركزية العرق الأوروبي، ليحمّلوا "اللاجئين والمهاجرين مسؤولية خراب أوروبا المثالية". وكان عالِم الاجتماع الألماني، أولريش بيك، قد حذّر من "تصاعد كراهية الآخرين بوجه وطني".

جمهور اليمين

قامت مجموعة بحث من جامعة بيليفيلد الألمانية بإعداد مشروع بحث عن "ارتباط المجموعات ومعاداة الإنسان"، وهو مشروع شمل 8 بلدان أوروبية وبإشراك ألف شخص في هولندا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وإيطاليا وبولندا والمجر.

وأُعلنت النتائج في 2011، في تقرير موثّق عن "النظرة الأوروبية للآخر والأحكام المسبقة والتمييز"، ورأى نصف المشاركين أن "الإسلام دين غير متسامح"، واعتبر غالبية المستطلعين بأن على المرأة أن تأخذ دورها كزوجة وأم بجدّية أكبر، وأن تقبل بالتقسيم التقليدي بين الجنسين.

ويؤمن ثلث المستطلعين بهرمية العلاقة بين الأعراق البشرية، أما بالنسبة إلى حقّ المساواة للمثليين جنسياً، فقد اختلف هؤلاء في أجوبتهم بحسب مجتمعاتهم. في هولندا، رفض 17 في المئة حق المساواة للمثليين، بينما رفضها في بولندا 88 في المئة. وبالنسبة لمعاداة اليهود، فقد رأى 72 في المئة من البولنديين و21 في المئة من البريطانيين بأن اليهود يحاولون الاستفادة من كونهم ضحايا النازية. والمفارقة أن أحزاب وجماعات هذا الجمهور تدافع وبشراسة عن إسرائيل وجرائمها، وبعضهم يرفع العلم الإسرائيلي في فعالياته المعارضة للمهاجرين.

أما بالنسبة لمعاداة الإسلام، فلم يكن هناك تباين كبير بين البلدان المستطلعة آراء جمهورها.

قواسم مشتركة

ويستخلص الباحثون الاجتماعيون من نتائج ما توصلوا إليه بأن "الأحكام المسبقة والشعبوية والتطرف تعتبر إكسير حياة لتلك الأحزاب والجماعات".

وما يجمع بين مختلف أحزاب التطرف اليميني في دول أوروبية عدة، هو الكراهية الشديدة والمحاربة الصلبة لفكرة "تعددية المجتمعات ثقافياً واثنياً". ويمارس هؤلاء التحريض عبر خطاب سياسي عنيف، كالطلب، مثلاً، بـ"إبعاد الصوماليين من الدانمارك ولو بإلقائهم من الطائرات بمظلات أو بدونها"، بحسب تصريحات علنية لأحد قياديي حزب "الشعب" اليميني بدون ملاحقة قانونية تذكر.

وتستهدف أفعال العنف اليسار والمهاجرين، ويأتي في هذا السياق قيام سفاح النرويج في جزيرة أتويا بقتل 69 شاباً وشابة في 22 يوليو/ تموز 2012، وبرره الفاعل أندرس بريفيك، بالقول: "أنا أدافع عن النرويج بوجه الثقافة الماركسية والإسلام واستيراد المسلمين إلينا".

يحضر بريفيك، في تظاهرات اليمين العنصري وتجمعات عدة للنازيين الجدد، من السويد شمالاً مروراً بالدانمارك إلى بريطانيا وفرنسا، ويُنظر إليه كملهم مثلما استلهم هو من تعاليم تومي روبينسون، من "عصبة الدفاع الإنكليزي"، تلك الدوافع التي تحرّض على القتل والعنف.

وفي إحدى تظاهرات اليمين المتطرف في الدانمارك، وقفت ميموسا كويرانين، من جماعة "عصبة الدفاع الفنلندي"، لتصرخ بالمتظاهرين: "نحن في حرب... نحن في حرب"، وأي حرب؟ "ضد أسلمة فنلندا". ليخرج الباحث عن عدد المسلمين في بلدها بانطباع بأن ثمة خللاً ما في عقول هؤلاء، إذ ليس في الدانمارك سوى بضعة آلاف من المسلمين.

وبالرغم من ذلك، يرمي هؤلاء شعاراتهم في مجتمعاتهم ويدفعون باتجاه التصويت لهم أو لأحزاب تحمل وجهاً سياسياً، كما جرى في فنلندا نفسها في عام 2011 حين فاز حزب "الفنلنديون الحقيقيون" بـ19 في المئة من الأصوات.

ويرى كثر تلك الأحزاب كواجهات سياسية للحركات المتطرفة، تتبنى شعاراتها وتقلّمها لتقدمها للناخب بإطار اجتماعي وسياسي يدغدغ مصالح الناخبين والطبقات المتعددة، ليس بالضرورة تلك التي تعيش أزمات، بل يمكن أن تشمل الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة ممّن تموّل وتغذي أنشطة هذا اليمين بحجة أن برامجه الاقتصادية تناسبها.

السويد، وفي طريقها للانتخابات المقبلة في 14 سبتمبر/ أيلول الحالي، تعطي فيها الاستطلاعات تقدماً للأحزاب اليسارية والاشتراكية، بينما في المقابل تتعزز حالة التطرف اليميني بشعارات عنصرية عبر حزب "الديمقراطيين السويديين" الذي سيحصد، حسب الاستطلاعات، 10 في المئة من الأصوات. وكلما تقدم حزب يميني في بلد، راحت البلدان الشبيهة تستلهم منه وتكرر التجربة، قبل أن تكتشف بأن تلك الأحزاب لا تقدم لها سوى شعارات عاطفية.

المساهمون