06 نوفمبر 2024
أوري أفنيري والغيتو مع قنابل نووية
انشغل الناشط السياسي الإسرائيلي اليساري الراديكالي، والصحافي والكاتب، وعضو الكنيست الأسبق، أوري أفنيري، الذي توفي هذا الأسبوع، خلال الأعوام الأخيرة، بالهجس بمستقبل إسرائيل، وكانت لديه أسهم أساسية في مشروع إقامتها. وفي غمرة هذا الانشغال تساءل: هل سيكتب لهذه الدولة البقاء؟ وهل ستكون هنا بعد مرور مائة عام، أم إنها ستكون حدثًا عابرًا، ومجرّد ومضة من التاريخ؟
وفي معرض إجابته استغرق في تحليل الأخطاء التي ارتكبت، ليخلص إلى استنتاج فحواه أن المحرقة النازية أعادت العقلية اليهودية القديمة كلها إلى ما كانت عليه. وبموجب هذه العقلية، لم يكن الألمان فقط هم المجرمون، وإنما جميع الشعوب التي وقفت جانبًا، ولم تحرّك ساكنًا لإنقاذ الضحايا. كما اتضح، في نهاية الأمر، أن اليهود كانوا على حق، فالعالم كله ضدهم، ويجب أن يدافعوا عن أنفسهم بكل ثمن. كما يجب أن يعودوا ويحتضنوا كل ما سخروا منه قبل ذلك: الدين اليهودي، التقاليد اليهودية، البلدة اليهودية (الغيتو).
واستذكر أفنيري مقولة للبروفسور يشعياهو ليبوفيتش، وهو مفكّر يهودي يحافظ على التقاليد الدينية، فحواها أن الدين اليهودي مات قبل مائتي عام، وأن الشيء الوحيد الذي يوحّد يهود العالم هو المحرقة. وبالفعل، منذ تأسيسها، أصبحت إسرائيل دولة المحرقة، لكنها الآن ليست غيتو ضعيفًا، ولديها جيش عرمرم، ويمكنها أخيرًا أن تفعل للآخرين ما فعلوه لليهود.
وهكذا سيطرت علامات الغيتو على الدولة الجديدة: مخاوف البقاء القديمة، عدم الثقة بالغير، الآراء المسبقة، مشاعر الضحايا، أحلام الانتقام. وبالتالي، انبثقت خلطة قابلة للانفجار من القوة والضحوية، العدوانية والماسوشية، العسكرية والإيمان بأن العالم كله ضدها، خلطة داخل غيتو مع قنابل نووية.
وعاد أفنيري ليتساءل: هل تستطيع دولة كهذه الصمود والازدهار في العالم المعاصر؟ وأجاب: خاضت الشعوب الأوروبية حروبا كثيرة، لكنها عرفت دائمًا أنه بعد الحرب يأتي السلام، وأن أعداء اليوم يمكن لهم بالتأكيد أن يصبحوا أصدقاء الغد. ولا تزال الدول القومية قائمة، لكنها آخذةٌ في التعلّق ببعضها بعضا أكثر فأكثر. إنها تنضم إلى بُنيات إقليمية، من خلال التنازل عن مناطق كبيرة من سيادتها، بيد أن إسرائيل غير قادرة على فعل ذلك. وتفيد استطلاعات الرأي العام بأن الأغلبية الساحقة في إسرائيل تؤمن أنه لن يكون هناك سلام إلى الأبد. إنها ترى الاحتلال الأبدي للأراضي الفلسطينية وإقامة مستوطنات عدائية في جميع فلسطين بمثابة نتيجة للعنف العربي، وليست سببًا له، والأغلبية العظمى من يهود العالم تدعمهم بشكل أعمى.
ومعظم الأحزاب الإسرائيلية، ومن ضمنها المعارضة الرئيسية، مصرّة على أنه يجب الاعتراف بإسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي"، وهذا معناه أن إسرائيل لا تخصّ الإسرائيليين (ترفض الحكومة رسميًا وجود "شعب إسرائيلي") وإنما الطائفة اليهودية العرقية الدينية العالمية، وهذا هو العكس التام لدولة الشعب الحقيقية، القادرة على العيش بسلام مع جاراتها والانضمام إلى اتحادات إقليمية.
وختم أفنيري: لم أشك لحظة في حجم المهمة التي كلفنا أنفسنا بها زملائي وأنا قبل عشرات الأعوام. ولم نسمح لأنفسنا بتغيير هذا الجانب أو ذاك، وإنما مبادئ الدولة نفسها. ويتجاوز هذا كثيرا المجال السياسي، أو تبديل حزب معيّنٍ بآخر. إنه يتجاوز حتى الحاجة إلى صنع السلام مع الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال، وإخلاء المستوطنات. والمقصد هو التغيير الجذري للوعي القومي، وعي كل إسرائيلي وإسرائيلية. ولقد قيل إنه "يمكن إخراج اليهود من الغيتو، لكن لا يمكن إخراج الغيتو من اليهود"، لكن هذا بالضبط ما علينا فعله.
كما دأب أفنيري على توضيح أنه يمكن لشخصٍ ما أن يكون لاساميًا وفي الوقت عينه صهيونيًا، مشيرًا، مثلًا، إلى أن مؤسس الحركة الصهيونية، تيودور هرتزل، سعى إلى تجنيد دعم اللاساميين الروس، ووعدهم بمساعدتهم على التخلص من اليهود. وأقامت حركة إتسل، قبل الحرب العالمية الثانية، معسكر تدريبات في بولندا، برعاية القادة اللاساميين في الجيش البولندي الذين أرادوا الوصول إلى الهدف نفسه.
وفي معرض إجابته استغرق في تحليل الأخطاء التي ارتكبت، ليخلص إلى استنتاج فحواه أن المحرقة النازية أعادت العقلية اليهودية القديمة كلها إلى ما كانت عليه. وبموجب هذه العقلية، لم يكن الألمان فقط هم المجرمون، وإنما جميع الشعوب التي وقفت جانبًا، ولم تحرّك ساكنًا لإنقاذ الضحايا. كما اتضح، في نهاية الأمر، أن اليهود كانوا على حق، فالعالم كله ضدهم، ويجب أن يدافعوا عن أنفسهم بكل ثمن. كما يجب أن يعودوا ويحتضنوا كل ما سخروا منه قبل ذلك: الدين اليهودي، التقاليد اليهودية، البلدة اليهودية (الغيتو).
واستذكر أفنيري مقولة للبروفسور يشعياهو ليبوفيتش، وهو مفكّر يهودي يحافظ على التقاليد الدينية، فحواها أن الدين اليهودي مات قبل مائتي عام، وأن الشيء الوحيد الذي يوحّد يهود العالم هو المحرقة. وبالفعل، منذ تأسيسها، أصبحت إسرائيل دولة المحرقة، لكنها الآن ليست غيتو ضعيفًا، ولديها جيش عرمرم، ويمكنها أخيرًا أن تفعل للآخرين ما فعلوه لليهود.
وهكذا سيطرت علامات الغيتو على الدولة الجديدة: مخاوف البقاء القديمة، عدم الثقة بالغير، الآراء المسبقة، مشاعر الضحايا، أحلام الانتقام. وبالتالي، انبثقت خلطة قابلة للانفجار من القوة والضحوية، العدوانية والماسوشية، العسكرية والإيمان بأن العالم كله ضدها، خلطة داخل غيتو مع قنابل نووية.
وعاد أفنيري ليتساءل: هل تستطيع دولة كهذه الصمود والازدهار في العالم المعاصر؟ وأجاب: خاضت الشعوب الأوروبية حروبا كثيرة، لكنها عرفت دائمًا أنه بعد الحرب يأتي السلام، وأن أعداء اليوم يمكن لهم بالتأكيد أن يصبحوا أصدقاء الغد. ولا تزال الدول القومية قائمة، لكنها آخذةٌ في التعلّق ببعضها بعضا أكثر فأكثر. إنها تنضم إلى بُنيات إقليمية، من خلال التنازل عن مناطق كبيرة من سيادتها، بيد أن إسرائيل غير قادرة على فعل ذلك. وتفيد استطلاعات الرأي العام بأن الأغلبية الساحقة في إسرائيل تؤمن أنه لن يكون هناك سلام إلى الأبد. إنها ترى الاحتلال الأبدي للأراضي الفلسطينية وإقامة مستوطنات عدائية في جميع فلسطين بمثابة نتيجة للعنف العربي، وليست سببًا له، والأغلبية العظمى من يهود العالم تدعمهم بشكل أعمى.
ومعظم الأحزاب الإسرائيلية، ومن ضمنها المعارضة الرئيسية، مصرّة على أنه يجب الاعتراف بإسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي"، وهذا معناه أن إسرائيل لا تخصّ الإسرائيليين (ترفض الحكومة رسميًا وجود "شعب إسرائيلي") وإنما الطائفة اليهودية العرقية الدينية العالمية، وهذا هو العكس التام لدولة الشعب الحقيقية، القادرة على العيش بسلام مع جاراتها والانضمام إلى اتحادات إقليمية.
وختم أفنيري: لم أشك لحظة في حجم المهمة التي كلفنا أنفسنا بها زملائي وأنا قبل عشرات الأعوام. ولم نسمح لأنفسنا بتغيير هذا الجانب أو ذاك، وإنما مبادئ الدولة نفسها. ويتجاوز هذا كثيرا المجال السياسي، أو تبديل حزب معيّنٍ بآخر. إنه يتجاوز حتى الحاجة إلى صنع السلام مع الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال، وإخلاء المستوطنات. والمقصد هو التغيير الجذري للوعي القومي، وعي كل إسرائيلي وإسرائيلية. ولقد قيل إنه "يمكن إخراج اليهود من الغيتو، لكن لا يمكن إخراج الغيتو من اليهود"، لكن هذا بالضبط ما علينا فعله.
كما دأب أفنيري على توضيح أنه يمكن لشخصٍ ما أن يكون لاساميًا وفي الوقت عينه صهيونيًا، مشيرًا، مثلًا، إلى أن مؤسس الحركة الصهيونية، تيودور هرتزل، سعى إلى تجنيد دعم اللاساميين الروس، ووعدهم بمساعدتهم على التخلص من اليهود. وأقامت حركة إتسل، قبل الحرب العالمية الثانية، معسكر تدريبات في بولندا، برعاية القادة اللاساميين في الجيش البولندي الذين أرادوا الوصول إلى الهدف نفسه.