وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية المعلومات التي أدلى بها، لـ"العربي الجديد"، إن "سلطات الإمارات ليست السلطات الوحيدة المتورطة في هذه التجارة، فهناك دول أخرى، لكن الأهداف تختلف، فمنها الحصول على العمالة الرخيصة عبر تسهيل وصول المهاجرين إلى دول أوروبية، ومنها سياسية كتمويل الإمارات وغيرها لهذه الأنشطة".
وأضاف المسؤول "الحديث يطول ومتشعب والصعوبة تكمن في فصل دور هذه الدولة عن أدوار دول وأطراف أخرى، لكن يمكن أن أتحدث عن محطات وأسماء تفيد في كشف دورها"، لافتا إلى أن تمويل هذه الدولة لتجارة البشر ليس في ليبيا فقط.
ويتابع المسؤول "بداية، فإن ملف الهجرة غير الشرعية يتأثر في ليبيا بسبب الخلافات المبطنة بين دول الاتحاد الأوروبي، فإيطاليا وحلفاؤها كبريطانيا وهولندا، تسعى بالفعل لوقف هذا الخطر الداهم. لكن دولا أخرى، على رأسها ألمانيا، يبدو أنها تقف على الند منهم، مطالبة بمعالجات أخرى، على رأسها دعم تلك الشعوب الجائعة في أوطانهم حتى لا يضطروا للهجرة،. وأما حاليا، فيجب تسهيل وصولهم إلى مناطق آمنة بأوروبا لا إنقاذهم، وهو ما ترفضه الدول الأخرى، ويمكن فهم موقف فرنسا بالنظر إلى أن قوافل مهربي البشر تمر بجانب قاعدتها في الماداما على الحدود الليبية النيجرية دون أن تعترضهم، وهي تعرف أنهم ذاهبون إلى معسكرات التعذيب والموت"، لافتا إلى أن هذا الخلاف أثر في تعامل أوروبا مع خطر الهجرة وتجار البشر بشكل كبير باعتبارها إحدى أهم مساعدي ليبيا في مواجهته.
وقال المسؤول نفسه إن "تجارة البشر معقدة يسيطر عليها ليبيون وسودانيون ونيجريون لكن مفاتيحها بيد الإرتيريين، وهناك توجد أياد خفية داعمة ومشجعة". ومضى قائلا "التحقيقات مع المهاجرين بمراكز الإيواء الليبية تثبت أن قبيلة تعرف باسم الرشايدة في إرتيريا هي المسيطرة على هذه التجارة، كما أن الوثائق لدينا ومن بينها اتصالات هاتفية تم اعتراضها تثبت وقوف سلطة أبوظبي وراء تشجيع ودعم أسماء خطرة يعملون كمهربي بشر، من بينهم رجل يدعى (كحاس) من بلدة (عدي خالا)، وآخر يدعى أبو حمدي، يعيش في كسلا، و ثالث اسمه (ودي تولدي)، وهو إثيوبي"، مؤكدا أن "الأسماء الرئيسية لديهم تصل إلى 11 مهربا خطرا يتنقلون ما بين إثيوبيا وليبيا، ومنهم من ينشط في سيناء بمصر أيضا".
وتساءل المتحدث: "شبكات متعددة الولاء وتقف وراءها دول بإمكانيات ضخمة فكيف يمكننا مواجهتها بإمكانيات قليلة، نعم نجمع المعلومات ونمد بها جهات مثل منظمة التحقيق الأوروبي المشترك (يوروجست)، لكننا نقف موقف المتفرج بالفعل، فهي أقوى تسليحا وأكثر خبرة في التمويه والهرب".
وعن شكل التمويل والدعم الذي يعتقد أن الإمارات تقدمه لهؤلاء المهربين، قال المسؤول "من قبيل تزويدهم بسيارات النقل الصحراوية الحديثة التي قبض على الكثير منها وكذلك التسليح، فشبكات المهربين لا تقتصر على تهريب البشر فقط إنما لها أنشطة أخرى".
ولفت المصدر إلى شكل آخر من الدعم يتمثل في توفير الحماية لكبار المهربين، وقال "في عام 2015 قبض جهازنا على مهرب كانا نتابعه يدعى (رمياس جرماي) كان يعمل موظفا في السفارة الإرتيرية بطرابلس ويستغل وظيفته في تسهيل وصول المهاجرين إلى ليبيا عبر حلفائه المتعددين من إرتيريا إلى السودان وصولا إلى ليبيا، ويبلغ أهالي المهاجرين بهجرتهم عبر البحر عن طريق السفارة"، وتابع "قبع الرجل في سجن الجهاز بطريق السكة في طرابلس، لكن جهة ما نجحت في تهريبه، ولدينا ما يؤكد أن الإماراتيين هم من يقف وراء تهريبه عبر مسلحين في طرابلس"، وقال "ظهر جرماي لاحقا في صبراته، غرب طرابلس، وهي من أهم نقاط التهريب عبر البحر كأهم المهربين وظل يعمل برعاية مهرب شهير هناك يدعى مصعب بوقرين من المدينة نفسها".
وذكر المصدر أن "صبراته كانت طيلة السنوات الماضية محل تنافس كبير بين اثنين من كبار المليشيات؛ أولاهما يقودها شاب مهرب برز اسمه أخيرا وهو أحمد الدباشي الشهير بـ(العمو). حاولت إيطاليا الاقتراب منه عبر شخصيات في حكومة الوفاق، وأبرمت معه اتفاقا في أغسطس/أب الماضي، تحدثت عنه وسائل الإعلام وأمره معروف. أما المليشيا الأخرى التي لم يسلط عليها الضوء فهي التي يقودها مصعب بوقرين، والتي لا تعدو كونها المنفذ لأعمال جرماي في تهريب البشر والوقود ولها اتصالات مشبوهة مع جماعات إرهابية".
وتابع المسؤول "لقد كان مصعب ومن ورائه جرماي مدعومين من الإمارات عبر حلفائهم في الزنتان والجنرال المتقاعد خليفة حفتر. وإثر الصفقة التي أبرمت بين العمو والجانب الإيطالي، اندلع خلاف كبير بين الفريقين على خلفية مطالب اقتسام المال الموعود به في ذلك الاتفاق الموهوم، والذي لم يكن سوى شرك وقع فيه الطرفان، انتهى بالقتال والاشتباكات المسلحة، حيث استغلت حكومة الوفاق بدعم ايطالي الأحداث وكونت ما عرف بغرفة محاربة داعش بصبراته، والتي خاضت قتالا عنيفا خلال شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، انتهت إلى السيطرة الكاملة على المدينة وطرد المليشيات خارجها".
لكن المسؤول أوضح "استطاعت سلطات التحقيق الأوروبية الوصول إلى (العمو) بعد طرده من صبراته وكشف عن الكثير من الأسرار، ومنها علاقة مصعب بحلفائه المحليين الذين تقف وراءهم الإمارات في هذا النشاط. وعرفنا من خلالهم أن جرماي يقف وراء مصعب"، وتابع متسائلا "أين جرماي ومصعب الآن؟ هناك صفقات سياسية تجري في الخفاء بين تلك الدول لا نعرف نتائجها، لكن المؤكد أن ملف جرماي ورفيقه الذي يمثل ظهيره المسلح تم إعدامه حتى لا تنكشف أسرار حفتر وحلفائه".
لكن في الوقت نفسه، أكد المسؤول "لا أعتقد أنه من الممكن إثبات تورط الإمارات وغيرها من الدول، فهي لا تتعامل بشكل مباشر مع تجار البشر ولا تتدخل في التفاصيل لكنها تمولها من أجل استمرار ظاهرة التهريب لأسباب سياسية عديدة"، وتابع "وهي أسباب مهما كانت لن تغفر لهم ذنب المتاجرة بظروف الإنسان الجائع الفقير الذي يخاطر بنفسه من أجل مأوى ومأكل وحياة هاربا من البؤس والموت في بلاده".
وعن هذه الأسباب السياسية للإمارات لدعمها الاتجار بالبشر، قال المصدر إن اشتراك الإمارات في دعم هذه التجارة يتجاوز ليبيا "يبدو أن هناك أهدافاً لها في أكثر من دولة، لكن يمكننا الحديث عن ليبيا على الأقل؛ الملاحظ أن هذه التجارة تكاد تكون منعدمة في شرق البلاد وتنشط في غربها، حيث تسيطر فصائل مسلحة مختلفة. يمكن اختراقها والعمل مع بعضها. لكن في الظاهر أنها فصائل مسلحة مناوئة لمشروع حفتر العسكري حليف الإمارات؛ وبالتالي تصوير معارضي حليفها بصورة سيئة أمام الرأي العام". كما رجّح أن تكون الإمارات تعمل على تشجيع "الهجرة باتجاه دول بعينها في أوروبا"، كي تستخدمها كورقة ضغط على هذه الدول، وتحقيق مآرب سياسية.
وخلص إلى القول إن "لغز وجود الإمارات في ليبيا كبير؛ فلأول مرة في تاريخها تتدخل عسكريا عبر طيرانها خارج حدودها، وهي متشبثة بشدة في دعم مشروع حفتر".