أيام الزمن البطيء
أتممت الرابعة والعشرين قبل أيام، ما يعني أنني أنهيت ربع قرن تقريباً، وهذا كثير جداً إذا نظرت إلى أسباب الموت السريع الكثيرة حولي. كنت دائما أصغر أبناء جيلي. ذهبت أمي لتسجلني في الروضة فأخبرتها الراهبة بقرار الحكومة الجديد آنذاك بإمكانية إلحاقي بالصف الأول من المدرسة مباشرة، ففعلت، وأمضيت أنا يومي الأول بالبكاء. هذه كانت أولى رحلاتي عبر الزمن، أو ربما أول انتصاراتي عليه.
تمنحك العشرينيات بطاقة عبور لعالم الكبار، هؤلاء الذين لم يكونوا يولونك أي اهتمام قبل اليوم، ثم تصبح فجأة بالنسبة لهم حلقة الوصل الوحيدة بينهم وبين المجتمع، والذي أضحيت تشكله اليوم أنت وأبناء جيلك. كانت هذه الروابط بيني وبين عالم الكبار، ثاني انتصاراتي على الزمن؛ أن تبتسم مثلا لمشهد في فيلم عمره أكبر من عمرك، نصحك به صديق يكبرك خمسة عشر عاما. هذه إذن ابتسامة عابرة للزمن.
يتألم بعضهم لحال الأجيال القديمة التي اضطرت لمعايشة حيوات متباينة جداً، لكنهم لا ينظرون إلى الذاكرة المشتركة التي استطاع هذا الجيل تشكيلها، وحرمنا نحن منها. أتحدث عن إمكانية مشاركة سبعيني وستيني ذكريات عن مكان واحد وفعل واحد واهتمامات واحدة، في حين أننا لا نجد ما نحدث به أخانا الذي يصغرنا بسنتين.
أشعر دائما بسوء حظ كوننا ولدنا في زمن غير الذي غنى فيه عبد الوهاب "خايف أقول اللي بقلبي تتقل وتعاند وايايا... ولو داريت عنك حبي تفضحني عيني بهوايا".
المرحلة التي يصفها الناس بـ"أيام الزمن الجميل"، والأجدى أن توصف بـ"أيام الزمن البطيء". البطء الذي كان يسمح بحدوث أشياء جميلة.
حين تمضي الوقت بالقيام بشيء تحبه، فإنك تنتصر على الزمن، أو ينتصر هو عليك حين يجعل لقاء الحبيب يمر سريعا، عندما يغلق الجنود بوابة الطريق ويصير الطريق الالتفافي البديل هو الحل الوحيد، ينتصر عليك الزمن، أو تنتصر أنت عليه بالتنبه لجمال الطريق غير المألوف.
خسرنا حين مر الزمن سريعا، خسرنا حين مر الزمن بطيئا، خسرنا وقت ولدنا متأخرين، خسرنا وقت ولدنا باكرا، خسرنا ولم ندرك ذلك إلا باللقاء.