عرف أيمن المصري ماذا يريد في حياته. يعمل منذ نحو عقدين في مجال التدريس. هو موظّف في إحدى المدارس في محافظة نابلس. بعد انتهاء الدوام الرسمي، يعطي الدروس الخصوصية للراغبين. على الرغم من ذلك، وجد بعض الوقت للعمل التطوعي والتعليم المجاني، وخصوصاً أن كثيرين لا يملكون القدرة على تغطية تكاليف الدروس الخصوصية، وخصوصاً تلاميذ الثانوية العامة.
خصّص المنتدى التنويري الثقافي في مدينة نابلس قاعة للمصري تتيح له إعطاء الدروس الخصوصية المجانية. يحرص على الالتزام بالمواعيد، ويرى أن العمل التطوعي لا يقل أهمية عن الوظيفة الرسمية. يشرح لتلاميذه دروس اللغة الإنجليزية، وخصوصاً تلاميذ الثانوية العامة (التوجيهي). في هذه المرحلة، عادة ما يحتاج هؤلاء للدروس الخصوصية. يقصدون المصري لأنه لا يأخذ منهم المال، مستفيدين في الوقت نفسه من موهبته في هذا المجال.
يقول التلميذ أحمد غانم: "كأننا نصطاد عصفورين بحجر واحد، نحصل على دروس مجانية، علماً أن ثمن الدروس الخصوصية مرتفع في نابلس، عدا عن أن المصري هو أحد أفضل مدرسي اللغة الإنجليزية على مستوى المحافظة. يقصده المقتدرون أيضاً. بالنسبة إليهم، هو فرصتهم الذهبية".
يوضح أن "المصري يُصادق تلاميذه حتى لا يشعروا أنهم أمام أستاذ بل أخ أو أب. ينكسر حاجز القلق والخوف، فيحصلون على المعلومات التي يريدونها"، مشيراً إلى أن "لدى المصري أسلوبه الخاص للشرح، وتحديداً في ما يتعلق بقواعد اللغة الإنجليزية التي يشتكي كثيرون من صعوبتها".
يُخصّص المصري 12 ساعة شهريّاً للتطوع في المنتدى التنويري وتقديم الخدمات التعليمية للتلاميذ مجاناً. في مدرسته، يدعو التلاميذ إلى الحضور أيام العطل الرسمية، وعادة ما يلتزم الجميع بذلك، همه الوحيد دائماً نجاح تلاميذه وتفوقهم، وتحديداً في مادة اللغة الإنجليزية، يُشيد بالمستوى التعليمي في المدرسة، مؤكداً أن مديرية التربية والتعليم في نابلس حريصة على الأمر.
يعزو المصري سبب حب التلاميذ له وحرصهم على حضور دروسه إلى طريقة تعامله معهم. يقول إن "العلاقة بين المدرس والتلميذ يجب أن تكون تبادلية. لا يمكن للمعلم أن ينجح من دون تعاون من التلاميذ. كذلك، يجب عليه اعتماد أسلوب محبّب للتلاميذ، فيكون قادراً على إيصال المعلومات إليهم بأسلوب سلس. الأهم من ذلك، يجب أن يكون قادراً على تحديد حاجات التلاميذ النفسية ومعرفة الأسلوب الذي قد يناسبهم أكثر للدراسة".
وفي ما يتعلق باختياره التطوع وإعطاء الدروس المجانية، على الرغم من الأعباء الإضافية، يقول المصري إن "لديه طاقة كبيرة للعمل، ويسعى إلى تفريغها في المكان المناسب وهو التعليم، وخصوصاً أنه يحقق الفائدة للتلاميذ". يطالب أن "يخصص الناس الوقت للتطوع". ويضيف: "بإمكان كل مواطن أن يتطوع ويقدم خدمات مجانية لوطنه. على كل شخص أن يبحث في ذاته وسيجد كثيراً مما يمكن تقديمه من خلال العمل التطوعي، ويحقق ذلك بفرح من دون أن يشعر أن الأمر قد يشكل عبئاً عليه". يتابع: "يأتي كثير من الأجانب من أوروبا وأميركا للتطوع في فلسطين، فيما لا يفكر كثير من الفلسطينيين في الأمر. صراحة، لا أفهم السبب. أعرف أنه أمام هذا المشهد، تنتابني رغبة كبيرة في المساعدة".
مر المصري بمراحل صعبة في حياته، واجهته معوقات كثيرة، إلا أنها شكلت دافعاً أساسيّاً له لتحقيق النجاح. في مرحلة معينة، اضطر إلى التوقف عن الدراسة لأسباب خاصة، بعدها، قرّر العودة إلى المدرسة، ثم سافر إلى الهند ودرس الأدب الإنجليزي في إحدى جامعاتها. كانت تلك مرحلة مهمة وحاسمة في حياته.
اختار المصري دراسة الأدب الإنجليزي لقناعته أن فلسطين تعاني من نقصٍ في هذا التخصص. يقول إنه "أراد مساعدة التلاميذ وتأهيلهم للحصول على وظائف في مجال التعليم في المستقبل". ويشرح أنه "سمع كثيراً عن الهند، وفضل الدراسة في جامعاتها، واكتشاف هذا العالم البعيد عن فلسطين". بعد أربع سنوات قضاها في الغربة، عاد إلى وطنه، وتقدم بطلب للحصول على وظيفة حكومية. بعد الحصول على الوظيفة، بدأ يفكر في كيفية مساعدة التلاميذ الفقراء، فاختار تقديم الدروس الخصوصية مجاناً.
يرى المصري أنه "في داخل كل إنسان بذرة خير عليه أن يكتشفها ويقدمها كهدية لمجتمعه. ويمكن للآخرين المساعدة أيضاً في هذا الإطار". يؤكد أنه يعمل على "تكريس حب التطوع لدى تلاميذه، كما أنه يشعرهم، دائماً، أنهم أشخاص مهمون جداً، ويمكن أن يقدموا الكثير لمجتمعهم ووطنهم".